لدي قناعة مؤكدة من مصادر علمية ان «التعصب هو نتيجة الجهل» والجهل في حياتنا العامة والخاصة له تأثير سلبي على سلوكنا، أبدأ بخبر علمي نشر أخيرا في المجلة الاوروبية لمرض السرطان، وكان عبارة عن استفتاء حول كم من الخرافات (غير العلمية) التي يعتقدها الناس انها مسببة للسرطان، وهو مرض يخيف الانسان! كان نتيجة البحث ان الخرافات عديدة، منها مثلا استخدام التلفون النقال، او استخدام الميكروويف في تحضير الوجبات، او الشرب من زجاجات مياه بلاستيكية، أو العيش بقرب مولدات الكهرباء، وعدد اخر من الخرافات التي ليس لها اساس علمي كما تورد المجلة المتخصصة.الفكرة الرئيسية ان الانسان يخاف ما يجهل! او يعتقد بما يشاع حوله، وكذلك التعصب هو اعتقاد يتسرب الى النفوس، لان تلك النفوس تجهل الحقائق. في رواية ذائعة الصيت يعرفها قليلون، صدرت وسط الخميسنات من القرن الماضي، وحصل مؤلفها - وهي اول رواية له- حصل بسببها على جائزة نوبل للادب، الرواية عنوانها عجيب هو (رب الذباب)! وهي عبارة عن مجموعة من التلاميذ تسقط بهم طائرة في جزيرة غير مأهولة، وفي محاولتهم الكارثية لحكم انفسهم ينقسمون الى قسمين، ويشتد بينهم الخلاف حتى الصدام، في امور مثل جمع مصادر الغذاء، والامن من الطبيعة الى آخره من امور الحياة اليومية، ولكن في نهاية الامر تقرر تلك الرواية ان «الخلاف بين البشر هو بيئي واقتصادي»، فالانسان لا يولد متعصبا محبا للصراع، البيئة هي التي تفرض ذلك التعصب والصراع، وذلك الشقاق و في الغالب هو شقاق حول الموارد المتاحة، وكيفية توزيعها.اذا انتقلنا الى ما اثبته العلم، فإننا نجد عدد مجلة «الجغرافيا القومية» والمعروفة بنشينول جيوغرافيك ماغازين- عدد ابريل 2018- وهو متوافر بالعربية، نجد دراسة علمية طويلة ومعمقة حول «ان عرقنا نحن البشر واحد»، اي جميعنا ننتمي الى خلفية بيلوجية واحدة، لا فرق بين اسود وابيض او بني واسمر او شمالي وجنوبي. العجيب ان هذا الامر الذي ثبت علميا اليوم بما لا يدع مجالا للشك أكده نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال في حديث مشهور لبعض اهله من الهاشميين «يا بني هاشم! لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم». العمل هنا هو الاصل، كما ان الفروق بين الناس هي فروق ثقافية لا غير، البيئة هي التي تحدد الالوان والسلوك للبشر، كما تحدد الثقافة الاختلافات والاجتهادات. لقد عانت البشرية طوال قرون من الاضطهاد العرقي وصنوف من المعاناة بسبب ذلك الاختلاف (الثقافي) وابرز البعض ذلك الاختلاف لاسباب سياسية، انه طبيعة بشرية ثابته (هم ونحن)! لعل اشهر من نظر للعرقية هو شخص اسمه صمويل مرتون- المعروف عمليا بجامع الجماجم- عاش في النصف الاول من القرن التاسع عشر (توفي عام 1851)، وهو طبيب وعالم طبيعة، وصنف البشر بسبب اتساع تجويفات جماجمهم الى درجات، او خمسة اعراق بشكل منفصل عن بعضها، ذكر ان الابيض في العلا والاسود في نهاية السلسلة! هذه النظرية كانت القاعدة الاخلاقية لدى المدافعين عن الرق قبل الحرب الاهلية الاميركية (1861- 1865) كما كانت قاعدة ايضا للنظرية النازية فيما بعد في الثلث الاول من القرن العشرين التي اعتنقها ادلوف هتلر.اليوم يصل العلم الى حقيقة قطعية ثابتة وشبه نهائية وهي «ان اختلاف الاعراق خرافة ما بعدها خرافة»، وهي التي اطلقت (اي الاختلاف العرقي) كتلة سلبية من الآلام البشرية ما بعدها كتلة، وتسببت في مقتل ملايين البشر، وتشريد ملايين غيرهم، و تقطيع اوصال بلدان، واحتراب مدن، على طول مسيرة التاريخ المكتوب للبشرية. اليوم العلم يثبت ان التركيبة الوراثية لكل البشر متطابقة، وان الاختلاف هو ثقافي وبيئي، يمكن معرفة اسبابه، وكذلك يمكن علاجه اذا فهم وعرفت اسبابه على وجه اليقين. خلاف البشر بين بعضهم البعض هو خلاف على الموارد، وكلما قلت الموارد زاد ذلك الخصام وتطور، لكن ذلك الخصام في الغالب بسبب الجهل يركب على قواعد عرقية او فئوية او لونية او طائفية، من اجل تمرير مصالح ما هنا او هناك، يقود الى التعصب الاعمى كره الاخر ويشتت الجماعات. المشكلة التي نواجهها في عالم عربي مضطرب ومستقطب بشدة، ان الخلافات يقال للجمهور انها اصلية، لها علاقة بطائفة او العرق او غيرها من الاسباب ولا يمكن الفكاك منها، تلك خرافة آن وقت تفنيدها بالعلم، فالاختلاف هو ثقافي سياسي، في الاول الثقافي يمكن لنا ان نعالج الموضوع بفهم اكثر لذواتنا وللاخرين، اما السياسي فنتركه في اطار السياسة ولا ننقله الى التعصب المكروه والمذموم. نحن نعيش اليوم ما يمكن ان يسمى «هوس الهوية» ونقسم انفسنا الى هويات مختلفة وربما متقاتلة، وهنا دور النخب الواعية في شرح وتفنيد الافكار الخرافية حول خصوصية الهوية من اجل تحسين العلاقة بين البشر، ووضع الاختلاف على سكة الفهم والحل، وهذا ما تحاول كل جمعيات الاخاء في الكويت في برامجها المختلفة ان تقوم به.
مشاركة :