التعصب الأعمى ضد العرب والجهل بالتاريخ الأوروبي

  • 4/5/2022
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لقد‭ ‬سبق‭ ‬لنا‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬في‭ ‬التعليقات‭ ‬السياسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ - ‬من‭ ‬الترحيب‭ ‬باللاجئين‭ ‬الأوكرانيين‭ (‬بينما‭ ‬يواجه‭ ‬اللاجئون‭ ‬العرب‭ ‬أبوابًا‭ ‬مغلقة‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬حق‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬ومقاومة‭ ‬الغزو‭ (‬فيما‭ ‬حرم‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬ذلك‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والأوروبيين‭ ‬الذين‭ ‬يشجبون‭ ‬عدم‭ ‬شرعية‭ ‬غزو‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ (‬مع‭ ‬تجاهل‭ ‬تاريخنا‭).‬ هناك‭ ‬شكل‭ ‬آخر‭ ‬إضافي‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التعصب‭ ‬الأعمى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المقارنات‭ ‬بين‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والعالم‭ ‬العربي‭ ‬مثير‭ ‬للقلق‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬ويتطلب‭ ‬الرد‭.‬ على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬مقالا‭ ‬لكاتب‭ ‬عمود‭ ‬بارز‭ ‬يقارن‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬روسيا‭ ‬لغزو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وردها‭ ‬على‭ ‬غزو‭ ‬صدام‭ ‬للكويت،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬ ‮«‬الكويت‭ ‬إمارة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مزقتها‭ ‬الحرب‭. ‬أوكرانيا‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬كانت‭ ‬مسالمة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬وهي‭ ‬موطنً‭ ‬للديمقراطيات‭ ‬الكبرى‮»‬‭.‬ هناك‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬مرفوض‭ ‬في‭ ‬هاتين‭ ‬الجملتين؛‭ ‬والأكثر‭ ‬فظاعة‭ ‬هو‭ ‬التفكير‭ ‬الكامن‭ ‬وراء‭ ‬الكاتب،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬يستحقون‭ ‬الدفاع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الكويتيين‭. ‬إن‭ ‬البحث‭ ‬من‭ ‬كثب‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬التحيز‭ (‬والجهل‭ ‬بالتاريخ‭) ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭.‬ يمكننا‭ ‬استبعاد‭ ‬العامل‭ ‬المتعلق‭ ‬بالفرق‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الحجم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الكويت‭ ‬وأوكرانيا‭. ‬إنني‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬لن‭ ‬يزعم‭ ‬أن‭ ‬مصر،‭ ‬بسبب‭ ‬حجمها‭ ‬الكبير،‭ ‬تستحق‭ ‬الدفاع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭.‬ أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أشكال‭ ‬ونظم‭ ‬الحكم،‭ ‬فمن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬لا‭ ‬يفهم‭ ‬أن‭ ‬الكويت،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬مجتمعًا‭ ‬تقليديًا،‭ ‬تتمتع‭ ‬بثقافة‭ ‬سياسية‭ ‬نابضة‭ ‬بالحياة،‭ ‬مع‭ ‬انتخابات‭ ‬برلمانية‭ ‬تنافسية‭ ‬للغاية‭.‬ إنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬البرلمان‭ ‬له‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬تحدي‭ ‬وزراء‭ ‬الحكومة‭ ‬الكويتية،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬حدثت‭ ‬خلافات‭ ‬بينهما‭ ‬بشأن‭ ‬مسائل‭ ‬السياسة‭ ‬والمساءلة‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لديها‭ ‬سلطة‭ ‬تنفيذية‭ ‬منتخبة‭ ‬ديمقراطياً،‭ ‬فإن‭ ‬حكمها‭ ‬لم‭ ‬يخلُ‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬والشخصيات‭ ‬البغيضة‭ ‬واتهامات‭ ‬بالفساد‭. ‬ على‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ ‬كاتب‭ ‬العمود‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لنظام‭ ‬الحكم‭ ‬أن‭ ‬يحدد‭ ‬جدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬أو‭ ‬حق‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭.‬ يبدو‭ ‬أن‭ ‬كاتب‭ ‬العمود‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬التايمز‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تستحق‭ ‬الدعم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬لأن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬‮«‬أوروبا‭ ‬المسالمة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‮»‬‭ ‬بينما‭ ‬تقع‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬الذي‭ ‬مزقته‭ ‬الحرب‮»‬‭ - ‬بعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬الغزوات‭ ‬والعنف‭ ‬متوقعان‭ ‬من‭ ‬العرب،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬الأوروبيين‭. ‬تكشف‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات،‭ ‬على‭ ‬قلتها،‭ ‬الجهل‭ ‬المتعمد‭ ‬والخبيث‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬التعصب‭.‬ في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬خاض‭ ‬الأوروبيون‭ ‬حربين‭ ‬عالميتين‭ ‬دمويتين‭ ‬قتل‭ ‬فيهما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭.‬000‭.‬000‭ ‬شخص‭. ‬أولاً،‭ ‬تم‭ ‬التضحية‭ ‬بملايين‭ ‬الشباب‭ ‬كرهائن‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬ضار‭ ‬وضروس‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭.‬ بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬مهدت‭ ‬ولادة‭ ‬الفاشية‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬أكثر‭ ‬فتكًا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬محاولة‭ ‬إبادة‭ ‬الشعب‭ ‬اليهودي‭ ‬والقتل‭ ‬الجماعي‭ ‬للبولنديين‭ ‬والروس‭ ‬والغجر‭ ‬وغيرهم،‭ ‬والقصف‭ ‬الجماعي‭ ‬الوحشي‭ ‬العشوائي‭ ‬للمدن‭ (‬من‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين‭). ‬ في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب،‭ ‬كانت‭ ‬أوروبا‭ ‬منقسمة‭ ‬حول‭ ‬إنشاء‭ ‬وتوسيع‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬الذي‭ ‬قمع‭ ‬وقتل‭ ‬الملايين‭ ‬حيث‭ ‬عزز‭ ‬سيطرته‭ ‬وقمع‭ ‬أي‭ ‬تمرد‭ ‬بوحشية‭.‬ أدت‭ ‬نهاية‭ ‬الحكم‭ ‬الشيوعي‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬البوسنة‭ ‬وكوسوفو‭ ‬والشيشان‭ ‬وجورجيا‭ ‬وأوكرانيا،‭ ‬وصعود‭ ‬حركات‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬أوروبا‭.‬ إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬الدامية‭ ‬والمدمرة،‭ ‬كانت‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬تقاتل‭ ‬لتوسيع‭ ‬المستعمرات‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬فيها‭ ‬حركات‭ ‬وطنية‭ ‬تكافح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬والاستقلال‭. ‬ أزهقت‭ ‬أرواح‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والأفارقة‭ ‬والآسيويين‭ ‬وهم‭ ‬يحاولون‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬المستعمرين‭ ‬الأوروبيين‭ ‬الذين‭ ‬احتلوا‭ ‬أراضيهم‭ ‬واستغلوا‭ ‬ثرواتهم‭ ‬وحرموهم‭ ‬من‭ ‬حقوقهم‭.‬ لكن‭ ‬إرث‭ ‬أوروبا‭ ‬‮«‬المسالمة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭. ‬فقد‭ ‬عمدت‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬مصطنعة‭ ‬تقسم‭ ‬الشعوب‭ ‬وتنشئ‭ ‬دولًا‭ ‬جديدة‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالحها‭ ‬الخاصة‭.‬ لقد‭ ‬عملت‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الأوروبية‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬تأليب‭ ‬الجماعات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬القبلية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭ ‬ضد‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬كما‭ ‬تركت‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬إرثًا‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬وبذورًا‭ ‬للصراع‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬ لم‭ ‬تكن‭ ‬أوروبا‭ ‬‮«‬سلمية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تلام‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬‮«‬مزقته‭ ‬الحرب‮»‬‭. ‬ أنا‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬إلصاق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بأوروبا‭ ‬أو‭ ‬إعفاء‭ ‬العرب‭ ‬كليًا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬وضعهم‭ ‬الحالي،‭ ‬ولا‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬كاتب‭ ‬بعينه‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭.‬ أنا‭ ‬أعبر‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬بالأحرى‭ ‬وأرى‭ ‬أن‭ ‬غزو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ليس‭ ‬وصمة‭ ‬عار‭ ‬منفردة‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬أوروبي‭ ‬نقي‭ ‬وخالص‭. ‬يجب‭ ‬إدانة‭ ‬روسيا‭ ‬لغزوها،‭ ‬وتأكيد‭ ‬حق‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬في‭ ‬حريتهم‭ - ‬ليس‭ ‬لأنهم‭ ‬أوروبيون‭ ‬من‭ ‬قارة‭ ‬‮«‬سلمية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬العدوانية‭ ‬خطأ‭ ‬أينما‭ ‬حدث‭ ‬وأيا‭ ‬كان‭.‬ {‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

مشاركة :