«مؤتمر أبوظبي للترجمة» يناقش إشكاليات وتحديات الترجمة العلمية

  • 5/5/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في دورتهِ السادسة التي استمرت على مدى أربعة أيام، (من 26 إلى 29 أبريل)، وجه «مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة»، شطر وجههِ للترجمة العلمية في العالم العربي؛ نظراً للتطور العلمي والتكنولوجي المتسارع الذي يشهدهُ العالم.. وذلك عبر عقد العديد من الندوات والجلسات الحوارية، إلى جانب ورش العمل التي نظمت في «معرض أبوظبي الدولي للكتاب»، بمشاركة نخبة من المترجمين، واللغويين، والاختصاصيين العرب والأجانب.«إبداعية المترجم في المصطلح العلمي»تحت هذا العنوان، انطلقت أولى ندوات المؤتمر، يوم الخميس (26 أبريل)، حيثُ تناول المتحدثون الإبداع في الترجمة العلمية، واختلافها عن ترجمة العلوم الإنسانية الأخرى، وعن ترجمة الآدب، إلى جانب المرور على صفات المترجم، وصلاحية المعجم العربي، بمشاركة الروائي شكري المبخوت، والدكتورة هيفاء أبوالنادي، والمترجم عبدالله العمري، والمفكر محمد الخولي، الذي ابتدأ الحديث بسردٍ لتاريخ الترجمة في الحضارة العربية الإسلامية، وصولاً إلى القرون الأخيرة، وكيف شكلت هذه النهضة الترجمية، منذُ «بيت الحكمة»، تمثلات نهضوية للأمة، بيد أنهُ أكد أن كل ذلك ضاع في واقعنا الراهن.ومن هذا الضياع، انطلق الروائي والمترجم التونسي، شكري المبخوت، ليقف عند الفارق بين النص العلمي والآخر، مبيناً «النصُ العلمي نصٌ نمطي، وصريح، ودلالاتهُ أحادية، وهو لا يقبلُ التأويل»، مبيناً أن ذلك كلهُ يشيرُ إلى كون النص العلمي نصًا مرمزًا في جوهره، يدركهُ كل باحثٍ وعالم، وهو كما يقول ينقسمُ إلى قسمين، نص مرمز، وآخر مبسط، فأما الأول، «فلسنا بحاجة لترجمته، كون العلماء لابد أن يملكوا لغة أخرى يستندون عليها، مهما كانت جنسياتهم».وأعرب المبخوت، عن حاجة اللغة العربية إلى النص المبسط، «نحنُ بحاجة لترجمة العلوم المبسطة، تلك التي تبني ثقافة الجماهير»، مشيراً إلى أن هذه الثقافة العلمية «منعدمةٌ في عالمنا العربي، وتمثلات انعدامها تبرزُ في انتشار الخرافة والشعوذة..». وبالرغم من أهمية هذا النوع من الترجمة، إلا أن المبخوت، يرى في التأليف باللغة العربية، أمرًا أهم، «إذ على الباحثين والمختصين، الكتابة في اختصاصاتهم بلغتهم الأم، وهذا ما سيدعمُ إيجاد فضاء إبداعي وثقافي علمي عربي».الدكتورة الأردنية، هيفاء أبوالنادي، لفتت أثناء حديثها عن ترجربتها في الترجمة العلمية، إلى أن «هناك العديد من المصطلحات العلمية التي ليس لها مقابل في القواميس العربية»، مؤكدةً أن هذا يفرض على المترجم أن يتعنى مزيداً من البحث والقراءة، ليجتهد في نحت مصطلحٍ عربي متوافق مع المعنى الأجنبي.وهي لذلك تدعو لأن تقوم جهاتٌ بالتكفل بترجمة القواميس العلمية إلى اللغة العربية، «لكي لا يضطر كل مترجم لنحت مصطلحاتٍ علمية»، وهذا بالطبع يشتتُ القارئ. ولفتت إلى ضرورة «أن يكون المترجم قارئًا ومطلعاً بشكلٍ كبير، ليتسنى لهُ الترجمة، كما أن عليه أن يطلع الآخرين على هذه الترجمة، ليسجلوا ملاحظاتهم، بالإضافة لإطلاع مختصين من ذوي الاختصاص الذي ترجم عنه، وكل ذلك سعياً لأن تكون الترجمة بالجودة التي يأملها القارئ».وهذا ما يتفقُ معهُ المترجم العماني، عبدالله العمري، الذي أكد «إن على المترجم أن يدرك بأن الجماهير مغرمة بالعلم، بيد أنها مغرمةٌ بالجمال أكثر، لهذا فهي تنتظرُ منه أن يمنحها جمالاً لغوياً يبسطُ لها الجمال العلمي». ولفت العمري إلى أن «النص العلمي الخالص، نصٌ صعب، وهو لا يبرحُ دائرتةُ الضيقة التي تشمل المتخصصين والعلماء، ولكي يخرج عن هذه الدائرة، يتوجب أن يمتزج بغواية السرد، ليكون نصاً واقعاً بين العلم والأدب»، موضحاً «أن الكاتب العلمي مفاوضٌ متمرس، يريد أن ينقل القارئ إلى عالمه، مقابل تقديم التنازلات التي تجعلهُ يخوض في غمار اللغة العاطفية، والحكايات الجاذبة، وهذا ما يجب أن يكون عليه المترجم».«اللغة العربية والعلوم الحديثة»هذا كان عنوان الندوة الثانية، التي ناقشت تطور العلوم في مجالاته المختلفة، بمشاركة الدكتور وهيب الناصر، والدكتور همام غصيب، والدكتورة شيخة المسكري، وأماني الحوسني، بالإضافة للدكتورة السعودية خولة الكريع، التي بدأت الندوة، بطرح مشكلة الترجمة العلمية المبسطة، والتي تفرضُ على القائم بترجمتها «أن يكون متخصصاً في ذات المجال الذي يتناولهُ المؤلف، ليستطيع أن يلم بكل تفاصيل المعنى».ولفتت الكريع، إلى أن «هناك معوقات، تبرزُ بشكلٍ كبير، وهي عدم وجود العمل المؤسسي»، بيد أن مثل هذا العمل، بدأ يرسمُ ملامحهُ الأولى على الصعيد العربي، «وعلينا أن ندعمهُ» كما تقول الكريع، التي تؤكد بأن هذا العمل «هو العمل الوحيد الذي يستحق الدعم، نظراً لكونهُ يعمل بشكلٍ منهجي، ويمتلكُ القدرة على الإستدامة، والارتقاء بالمستوى العلمي».كما أكدت الكريع، بأن الإصدار على الترجمة للعربية، رغم كثرة المتحدثين باللغة الإنجلنزية من العرب، ينبع «من كون الترجمة، تضفي في جوهرها طابع الهوية الثقافية، وهذا يدفعُ المتلقي إلى المزيد من التفاعل مع العلم في نهاية المطاف».بدوره نفى المترجم الأردني الدكتور همام غصيب، بأن تكون اللغة العربية ليست علمية، مؤكداً «هي لغةٌ علمية، بعكس ما يشاع، ولديها القدرة على إيجاد المصطلحات اللامتناهية الدقة»، مبيناً «إن الخلل في المتحدثين بها، إذ عدم ممارسة العلوم، وعدم ممارسة اللغة في هذه المجالات، يفقرها إلى المصطلحات المؤصلة لغوياً».وهذا ما أكدهُ الباحث البحريني في الفلك، الدكتور وهيب الناصر، مشيراً إلى أن الأمة العربية «لا تنتجُ معرفة علمية، ما يجعلها تخرجُ من الإطار الحضاري العالمي»، مؤكداً على ضرورة «دعم حركة الترجمة في الوطن العربي، بوصفها البداية الأولى للحاق بركب الحضارة». ولفت الناصر إلى أن «النص العلمي بحاجة إلى ترجمة أشبهُ بالحرفية، كونهُ نص دقيق، لا يقبل التآويل».وانتقد الناصر حجة عدم وجود المصطلح في اللغة العربية، مؤكداً «هناك عددٌ من قوائم المصطلحات العلمية التي وضعتها مؤسسات علمية وأكاديمية في العالم العربي، وعلى المترجم بذل المزيد من الجهد للوصول إليها».من جهتها استعرضت الدكتورة الإماراتية شيخة المسكري، حركة الترجمة في دولة الإمارات، ومسيرتها العلمية، خاصة على صعيد الفضاء، مبينة «هناك فجوة بين العالم الغربي والعربي في هذا المجال»، إذ أشارت إلى سعي الإمارات لردم هذه الفجوة، من خلال اتخاذ العديد من الخطوات، التي تصبُ في عمومها في مصلحة العلوم، وفي خصوصها لتأهيل الكوادر الإماراتية، لاستكشاف المريخ، في الأعوام القليلة القادمة.وأشارت المسكري، إلى أن الإمارات أطلقت العديد من المشاريع في هذا المجال، أهمها «قاعدة بيانات المترجمين»، و«مشروع كلمة للترجمة»، و«مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة»، بالإضافة لمشروع «تحدي الترجمة»، الذي أطلقهُ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. كل هذه المشاريع كما تقول المسكري، تهدفُ للوصول إلى مادة علمية وثقافية رصينة، تتوافق وهويتنا العربية.إشكاليات وتحديات الترجمة العلمية«الترجمة العلمية: أهم إشكالياتها وتحدياتها»، ذلك كان محور الندوة الثالثة، والأخيرة في اليوم الأول، والتي ناقشت سرعة التقدم العلمي، ومواكبة اللغة لذلك، إلى جانب التطرق للتحديات التي يواجهها المترجم في النصوص العلمية، والتكنولوجية. وشارك في هذه الندوة الدكتور محمد عصفور، والدكتور طارق فخر الدين، والمترجم العماني حمد الغيثي، الذي بدأ الندوة بورقتة المعنونة بـ«إشكالية الترجمة العلمية للغة العربية»، مبيناً أن «تداعيات حركة الترجمة العربية التي نشطت في عصر النهضة، أوجدت تيارات فكرية متعددة، غير أن هذه التيارات أستخدمت العلم كوسيلة تجاذب إيديولوجي، ما نتج عنهُ طرحٌ علمي متحيز، لم يستخدم العلم كأداة لقراءة الفهم الطبيعة، وإنما للتدعيم الفكري».ولفت الغيثي إلى أن «أغلب الترجمات العلمية، هي أعمال فردية، وهذا ما يجعل الترجمة، عملٌ غير منظم مؤسساتياً»، مشيراً إلى النقص الذي تعانيه المكتبة العربية «إن عدم ترجمة الأعمال العلمية يخلق فراعاً، تملأهُ الكتابات العلمية الزائفة»، لهذا يؤكد الغيثي «إن العلم ضرورة لعصرنة الثقافة العربية». من جابنه استعرض الدكتور الكويتي طارق فخر الدين، تجربتهُ في ترجمة الكتب المرفقة مع الآلات التي تصدرها الشركات الكبرى في العالم، مؤكداً أن هذه الترجمة، لا تخضعُ لمعايير الترجمة العلمية التقليدية، وإنما على المترجم، أن يكون ملماً باللغة، إلى جانب معرفتهُ الميدانية بما يترجم عنه. موضحاً ان «المفاهيم الترجمية تختلف من مجال لآخر، ومن فئة مستهدفة لأخرى».ورأى الدكتور الأردني محمد عصفور، «أن الموضوع الأهم، هو الترجمة من أجل العلم»، موضحاً «إن الدراسات أثبتت بأن الاستيعاب باللغة الأم أفضل، ولهذا يجب علينا أن نترجم العلوم، ونعربها، كما فعلت سالفاً سوريا والعراق».وفيما يتعلق بأزمة المصطلح، قال عصفور «إن الكثير من المصطلحات الموجودة في اللغة اليوم، هي مصطلحات مستوردة من لغات أخرى، وأضحت اليوم، جزء من لغتنا، وعليه، يجب أن نترجم، ونعرب، حتى وإن لم نجد مصطلحاً رديفاً، فيجب أن ننحت مصطلحاً حرفياً، إلى أن نجد رديفاً له».ودعا العصفور، إلى أن تتخذ الجامعة العربية، قراراً بتعريب العلوم، وتدريسها باللغة العربية، ومن يتخلف عن هذا القرار من الدول العربية، يجب أن يعاقب، في سبيل حفظ اللغة، وعصرنتها، وستكون، كما يقول، «نتائجُ ذلك رائعة على الثقافة العربية».إلى جانب هذه الجلسات شهد اليوم اليوم الرابع (29 أبريل)، عدداً من الندوات، منها التي استعرضت واقع الترجمة العلمية في الوطن العربي، بمشاركة أليكسيس جامبيز، وأوروا هوماران، وسعد الله إبراهيم، ورولف جيلين، إلى جانب ندوة أخرى بعنوان «ترجمة العلوم لغير المتخصصين ومسائل التبسيط العلمي»، بمشاركة الدكتور محمد الخزاعي، وطارق عليان، والدكتورة هالة شركس، وشهاب غانم. فيما تخلل أيام الندوة، اليوم الثاني (27 أبريل) والثالث (28 أبريل)، العديد من ورش العمل، المتعلقة بالترجمة العلمية في مجال الفضاء، والفيزياء، والكيمياء، والطاقة النووية، إلى جانب العديد من الحوارات الهامشية، التي شهدها اليوم الأخير (30 أبريل)، حول التعاون العلمي بين الإمارات وكوريا الجنوبية في مجال الطاقة النووية، وحول التجارب العلمية وقصص النجاح.

مشاركة :