في خطبته ليوم الجمعة أمس من جامع أبو حامد الغزالي في قلالي تحدث خطيب الجامع فضيلة الشيخ أحمد محمد مهنا السيسي عن الزكاة كركن من أركان الإسلام.. وذلك تحت عنوان «طوبى لمن أعطى حقَّ الله لمستحقيه»، فقال: الزَّكَاةُ ركنٌ من أركان الإسلام التي يقومُ عليها إسلام المؤمن الذي وجبت عليه، بحسب شروطها المعينة، إذ هي عبادَةٌ تحصلُ بإخراجِ جُزء معلوم من المالِ لِمَن يستَحقهُ من الفقراءِ والمساكينِ وغيرهم. قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (بُنِيَ الإسلام عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ). والزكاةُ تَزِيدُ المالَ وتبارك فيه وتنميه وتضاعف الثواب لمؤديها بفضل الله تعالى القائل: «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» أَي: المضاعف ثوابُهم. فتجبُ الزكَاةُ فِي: الذَّهبِ وَالفِضةِ وكل مَا يَلحَقُ بِهِمَا مِنَ الأَورَاقِ النقدِيةِ، وَفِي ماشِيةِ الإِبِلِ والبقرِ والغنَمِ، وفي الزُّرُوعِ، وَعُرُوضِ التجارةِ بمقدارٍ مُحدد. فمن بلغ ماله النصاب الشرعي من المسلمين وجب عليه أَن يُخرِج منه ربُعَ العُشُرِ، أي بنِسبة 2.5% على أن يحُول علية عامٌ قمريٌ، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اسْتَفَادَ مَالاً فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ). فالذين يستحقون الزكاة هم المذكورون في قوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ». والفَقِيرُ هو من لا يملك مالا وليس لديه كسب، والمِسكينُ هو من لا يكفيه ما لديه من مال ولا يسد حاجته كسبه. ولا تجوز الزكاة على من تَجبُ نفقتُهُم على المزكي كوالديه وأَولادهِ وَزوجتهِ، أما الزوجةُ فيجوزُ أَن تُعطِي زَوجَها مِن زكاةِ مَالِها إِن كانَ يستحق الزكاة كأن يكون مديونًا مثلا، وكذا ذوو القربى من لا تلزم المسلم نفقتهم، جاء في تفسير ابن كثير: وَقَوْلُهُ: (ذَوِي الْقُرْبَى) وَهُم: قَرَابَاتُ الرَّجُلِ، وَهُم أَوْلَى مَنْ أَعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذَوِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ). فَهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِكَ وَبِبِرِّكَ وَإِعْطَائِكَ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيز. ثم الأولى أن تؤدى الزكَاةُ لأهلِ البلدِ، لِقَوله صلى الله عليه وسلم لمُعَاذِ بنِ جَبلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ حِينَ أَرسلهُ إلى اليَمَنِ: (فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ)، فإذا فاض مال الزكاة عَن حاجةِ البَلدِ نُقِلَ إلى بلدٍ آخر، الأحوج فالأحوج بحسب البلاد التي يحددها ولي الأمر. يقول اللَّهُ تَعَالَى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ»، فإذا أدى المسلم زكاة ماله فقد أثبت صدق وإخلاص طاعته وحبه لربه تعالى واثقا بمغفرته وجزيل فضله، ووعده الحق، حيث يقول: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ». فهنيئا لمن طهرت الزكاة نفسه ودفعها موقنا أنها مالُ الله من مالِ الله، يقول عزَّ وجلَّ: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»، قال ابنُ عباسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا: هيَ صدقةُ الفَرضِ أَيِ الزَّكاةُ، فطوبى ثم طوبى لمن أَعطَى حَقَّ الله المعلوم لمستحقيه، قال تبارك وتعالى: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ». جاء أيضا في تفسير ابن كثير: وَقَوْلُهُ: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) أَيْ: أَخْرَجَهُ، وَهُوَ مُحِبٌّ لَهُ، رَاغِبٌ فِيهِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: (أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى، وَتَخْشَى الْفَقْرَ). إن المجتمع الحريص على أداء زكاة أمواله تشيع المحبة فيه ويكون مجتمعا متعاطفا متراحما، تنزل عليه الرحمات وتزيد فيه البركات، فالزكاة سبب عظيم من أسباب نزول الرحمات، قال سبحانه وتعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ».
مشاركة :