في الخامس من شهر مايو الجاري تمر ذكرى مرور 200 سنة على مولد كارل ماركس الذي يعد أحد كبار مفكري واقتصادي وفلاسفة الاشتراكية في العالم، وقد كان الظن بأن النسيان قد طواه مع نظريته المسماة الماركسية، غير أن المدهش أن الاهتمام به وبتحليلاته من قبل الاقتصاديين والساسة وعلماء الاجتماع والفلسفة قد عاد بقوة إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك اهتمام منظرو الرأسمالية، وبخاصة في ضوء اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية التي اجتاحت الولايات المتحدة والعالم في عام 2008 التي لا تزال تداعياتها ماثلة بقوة حتى الآن. من هي الشخصية التي كان لها عظيم الأثر في الفكر العالمي خلال القرن العشرين؟ سؤال طرحته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي على عدد من المثقفين من مختلف دول العالم، وكانت إجابة أغلبية هؤلاء هو كارل ماركس. المفكر الفرنسي البارز هنري بينا - رويز. وهو فيلسوف وأستاذ جامعي وأحد كبار منظري العلمانية في فرنسا، وهو بالمناسبة غير يساري، أصدر مؤخرًا كتابًا ضخمًا بعنوان: قاموس عاشق للعلمانية. ذكر فيه: ينبغي العلم بأن فكر كارل ماركس أبعد ما يكون عن تلك الصورة المشوهة التي قدمها ستالين والستالينيون الشيوعيون عنه. إنه شخص آخر. ويمكن القول بأن كارل ماركس هو شخص رؤيوي يرى إلى البعيد وبعيد البعيد. نعم لقد تنبأ ماركس بالعولمة الرأسمالية المجنونة السائدة حاليًا والمهيمنة على العالم. لقد رآها بأم عينيه وعرف أنها قادمة لا محالة. وهي عولمة تزيد الغني غنى والفقير فقرًا. ولهذا السبب سألته عن عبادة المال في عصرنا، وعن العذاب البشري لمعظم الشعوب المحرومة من ثمار العولمة، وعن الدين، وعن الاستغلال، وعن التضامن مع الفقراء والمحتاجين، إلخ... لقد أردت أن أعرف رأيه في كل هذا. وعن ذلك نتج هذا الكتاب.. ولد كارل ماركس في 5 مايو سنة 1818 في مدينة ترير بروسيا الرينانية. وكان أبوه محاميًا وكان يهوديًا ثم اعتنق البروتستانتية في سنة 1824. ولم تكن عائلة ماركس الميسورة والمثقفة عائلة ثورية. وبعد أن أتم دراسته الثانوية في مدينة ترير دخل جامعة بون ثم جامعة برلين فدرس الحقوق وبنوع خاص التاريخ والفلسفة. وفي سنة 1841 أنجز دراسته لنيل الدكتوراه في الفلسفة بتقديم أطروحته الجامعية حول فلسفة ابيقور. في سنة 1843 تزوج ماركس في كريزناخ من جيني فون ويستفالن، صديقة طفولته التي خطبها وهو ما يزال طالبًا. كانت زوجته تنحدر من عائلة نبيلة محافظة بروسية. وكان أخو جيني فون ويستفالن الأكبر وزيرًا للداخلية في بروسيا في مرحلة كانت من أشد المراحل إغراقًا في المحافظة وذلك بين 1850 و1858. وفي خريف 1843 انتقل ماركس إلى باريس ليصدر في الخارج مجلة راديكالية مع أرنولد روغه ولكن لم يصدر من هذه المجلة المسماة «الحولية الألمانية الفرنسية» سوى العدد الأول. في أيلول - سبتمبر سنة 1844 جاء فريدريك انجلس إلى باريس لقضاء بضعة أيام فيها فأصبح منذ ذلك الحين الصديق الحميم لماركس، وخاضا صراعًا حادًا ضد مختلف ما أطلقا عليه نظريات الاشتراكية البرجوازية الصغيرة وصاغا نظرية وتاكتيك الاشتراكية البروليتارية الثورية أو الشيوعية (الماركسية). وفي سنة 1845 طرد ماركس من باريس لكونه ثوريًا خطرًا بناء على طلب الحكومة البروسية. فجاء إلى بروكسل وأقام فيها. وفي ربيع 1847 انتمى ماركس وانجلس إلى جمعية سرية للدعاية هي «عصبة الشيوعيين» وقاما بقسط بارز في المؤتمر الثاني لهذه العصبة المنعقد في لندن. وفي تشرين الثاني - نوفمبر 1847 وبناء على تكليف المؤتمر وضع ماركس وانجلس «بيان الحزب الشيوعي» المشهور الذي نشر في فبراير 1848. أن هذا الكتاب يعرض بوضوح مفهومهما الجديد للعالم، يعرض المادية التي تشمل أيضًا ميدان الحياة الاجتماعية والديالكتيك الذي اعتبره العلم الأوسع والأعمق للتطور، ونظرية الصراع الطبقي والدور الجذري الذي تضطلع به البروليتاريا، خالقة المجتمع الجديد في التاريخ العالمي. وعندما انفجرت ثورة فبراير 1848 طرد ماركس من بلجيكا فعاد إلى باريس ليتركها بعد ثورة مارس، ويعود إلى ألمانيا ليقيم في مدينة كولونيا حيث صدرت من أول يونيو 1848 إلى 19 مايو سنة 1849 «الجريدة الرينانية الجديدة» التي كان ماركس رئيس تحريرها. وقد أثبت مجرى الأحداث الثورية في 1848-1849 التي شهدتها القارة الأوروبية، كما أثبتت فيما بعد جميع الحركات البروليتارية والديمقراطية في جميع بلدان العالم إلى حد كبير صحة غالبية تحليلات ماركس. في 16 مايو 1849 نفى من ألمانيا 1849. فانتقل أولاً إلى باريس حيث طرد منها أيضًا بعد تظاهرة 13 يونيو 1849. ثم ذهب إلى لندن حيث عاش حتى آخر أيامه. عاش ماركس وعائلته تحت وطاة الفقر المدقع نظرًا لفصله عن العمل والتدريس في الجامعة، ولولا المساعدة المالية الدائمة التي كان يقدمها له صديقه ورفيق دربه فريدريك انجلس الذي كان ثرياً، لا استحال على ماركس إنجاز كتابه الشهير «رأس المال» بل لكان قد مات حتماً من البؤس. ومن جهة أخرى كانت المذاهب والتيارات السائدة فيما سمي الاشتراكية البرجوازية الصغيرة والاشتراكية غير البروليتارية بوجه عام دفعت ماركس إلى خوض صراع دائم معهم، وصاغ في جملة من المؤلفات التاريخية نظريته المادية باذلاً جهده على دراسة الاقتصاد السياسي. وقد نفح ماركس في هذا العلم روحاً جديدة وتمثل لاحقًا في مؤلفيه: «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي»(1859) و«رأس المال» (المجلد الاول 1867). للحديث صلة
مشاركة :