رفض البرلمان الأوروبي، عقب عملية تصويت جرت الخميس في ستراسبورغ، سحب الثقة من تشكيلة المفوضية الأوروبية الجديدة برئاسة اللوكسمبورغي جان كلود يونكر، بناء على طلب تقدمت به مجموعات برلمانية من المستقلين وأحزاب يمينية متشددة، استنادا إلى تسريبات أفادت بتقديم يونكر تسهيلات للشركات الأجنبية للتهرب من الضرائب أثناء فترة رئاسته للحكومة في بلاده. وجرى نقاش حول هذا الصدد في البرلمان الأوروبي يوم الاثنين الماضي. وحسب ما أعلن البرلمان الأوروبي في بيان ببروكسل فقد صوت 461 عضوا ضد قرار سحب الثقة، ووافق عليه 101 عضو بينما امتنع 88 عضوا عن التصويت، وأضاف بيان البرلمان الأوروبي أن سحب الثقة يحتاج إلى موافقة ثلثي الأصوات التي شاركت في عملية التصويت، أو على الأقل 376 عضوا من أعضاء البرلمان الأوروبي، أي أكثر من نصف عدد الأعضاء الذي يبلغ 750 عضوا. من جانبه قال عضو البرلمان الأوروبي ستيفن وولف من حزب الاستقلال اليميني، إن البرلمان الأوروبي تجاهل فضيحة الضرائب في لوكسمبورغ، واختار الأعضاء حماية يونكر بدلا من حماية شعوبهم التي تعاني بسبب التهرب الضريبي، وأكد في بيان ببروكسل على أن 101 عضو وافقوا على المبادرة التي تقدم بها حزبه، ولكن المحافظين امتنعوا عن التصويت، بينما رفضت الأحزاب العمالية التصويت لصالح المبادرة، على الرغم مما جرى الإعلان عنه أثناء النقاشات، من أن يونكر سمح لـ240 شركة من أكبر الشركات المتعددة الجنسيات، بالاستفادة من إعفاءات ضريبية في لوكسمبورغ. وجاء اقتراح سحب الثقة من المفوضية الأوروبية الجديدة برئاسة جان كلود يونكر، في أعقاب الكشف عن فضيحة منح مزايا ضريبية مزعومة بمليارات اليورو في لوكسمبورغ خلال 18 عاما عمل فيها رئيسا للوزراء هناك. وأعلن رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز قبل أيام: «لقد تلقيت طلبا لإصدار قرار بتوجيه اللوم للمفوضية قدمه 10 أعضاء البرلمان، ووفقا لمتحدث باسم البرلمان، قدمت الاقتراح مجموعة برلمانية معارضة للاتحاد الأوروبي جمعت النائب البريطاني نايجل فاراج من حزب استقلال المملكة المتحدة والفنان الكوميدي الإيطالي الذي تحول إلى سياسي بيبي جريللو زعيم حركة النجوم الـ5» المعارضة. كما وقع على الطلب عضو البرلمان الأوروبي مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية المناهضة للاتحاد الأوروبي في فرنسا، وقال الموقعون على الاقتراح إنهم يحملون يونكر «المسؤولية المباشرة» عن سياسات التهرب الضريبي في لوكسمبورغ، مضيفين أن هذه «قد تثير تساؤلات معنوية وأخلاقية من ملايين المواطنين الذين يواجهون أسوأ أزمة اقتصادية في العصر الحديث». وجاء في الاقتراح «الشخص المسؤول عن وضع وتنفيذ وإدارة ومتابعة سياسات التهرب الضريبي الفظة هذه لا يتمتع بالمصداقية لخدمة المواطنين الأوروبيين كرئيس للمفوضية». وتعرض يونكر لانتقادات شديدة بعد تسريب وثائق حول منح كبريات الشركات العالمية تسهيلات تساعدها على تجنب دفع ضرائب باهظة. وبحسب تقارير إعلامية غربية، فمن شأن ما كشفته الوثائق حول الضرائب إضعاف موقف يونكر الذي تسلم منصبه قبل أسابيع قليلة، بعد 19 عاما أمضاها رئيسا للوزراء في لوكسمبورغ، وهي الفترة التي عقد خلالها الكثير من هذه الصفقات. لكن المتحدث باسمه قال إن يونكر السياسي المخضرم كان «هادئا» حيال الكشف عن التسريبات. وأكد المتحدث أن المسؤولين عن وضع القواعد في الاتحاد الأوروبي يحققون حول قانونية صفقات لوكسمبورغ مع شبكة أمازون الأميركية العملاقة والذراع المالي لمصنع فيات الإيطالي للسيارات. وقال المتحدث مارجريتس شيناس إنه إذا اكتشف الاتحاد الأوروبي وجود خلل قانوني «فسيتعين على لوكسمبورغ اتخاذ إجراءات تصحيحية». وأضاف أن الاتحاد الأوروبي ربما سيعمد إلى توسيع التحقيق ليطال شركات مدرجة في الوثائق المسربة. وتظهر هذه الوثائق التي يطلق عليها مجازا «لوكسليكس» مرور مليارات الدولارات في الدوقية الصغيرة بفضل الهيكلية المالية المعقدة التي تسمح للشركات بتخفيف حجم ضرائبها حارمة بذلك الحكومات في إرجاء العالم من العوائد المالية. وقد تولى يونكر مسؤولية الضرائب في لوكسمبورغ لأكثر من عقدين حيث حولها من دوقية هادئة إلى وجهة مفضلة لكبريات الشركات العالمية للقيام بأعمالها هناك. وتهدد التسريبات بالقضاء على تعهده بمزيد من الانهماك السياسي كرئيس للمفوضية الأوروبية، خصوصا في ظل خلافاته الشديدة مع بريطانيا وإيطاليا بسبب الموازنة. وردا على سؤال حول السياسة الضريبية التي تولى مسؤوليتها سابقا، قال يونكر في وقت سابق إنه كان لديه «أفكار» حول هذه المسألة لكنه يفضل أن يحتفظ بها لنفسه كي لا يؤثر في التحقيقات التي يجريها الاتحاد الأوروبي. وقال سفين جيجولد من النواب الخضر في البرلمان الأوروبي إن «الكشف عن الوثائق ينسف مصداقية يونكر وقدرته على العمل من أجل الصالح العام». لكن رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتل شدد في المقابل على أن صفقات الضرائب قانونية تماما. وقال في هذا السياق: «أريد أن أشدد أن إحكام الضرائب تتوافق مع القوانين الدولية». وسرعان ما بادرت فرنسا إلى نجدة يونكر وقال وزير المالية ميشال سابان قبل اجتماع في بروكسل قبل أيام إن «المسألة تتعلق بالماضي، أتمنى أن نتطلع إلى المستقبل. نحن بصدد العمل بتسعيرة كبيرة لمكافحة التهرب الضريبي الذي لا يقبله أحد». وكشفت التسريبات أن شركة برايس ووتر هاوس كوبر للتدقيق في الحسابات ساعدت الشركات المتعددة الجنسيات الوارد ذكرها في الحصول على 548 قرارا حول الضرائب في لوكسمبورغ بين عامي 2002 و2010. كما أنها تكشف تفاصيل الاتفاق الضريبي المسبق الذي يحدد مسبقا كيفية اقتطاع الضريبة على أرباح الشركات، وهي الممارسة التي يجري حولها الاتحاد الأوروبي تحقيقا في حسابات شركتي أمازون وفيات. يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي لا سلطة له على ضرائب الدول الأعضاء لكن بإمكانه إجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بقيام دولة ما بتقديم مساعدة غير قانونية تخرق قواعد السوق الواحدة في الدول الـ28. وتم فتح تحقيقات مشابهة في آيرلندا لعقدها صفقة ضريبية مع عملاق التكنولوجيا «ابل» وهولندا لصفقتها مع «ستاربكس».
مشاركة :