يجلس حكّاء القبيلة، المعروف بـ"الجريوت" وسط وجنوب قارة أفريقيا، تحيطه أفراد القبيلة، يتابعون حركة يده وهي تضرب إيقاعاً هادئاً على آلة وترية، يلقون إليه السمع، وهو يروى عن موروث القبيلة، تاريخها، فنونها، آدابها، ينصتون جيداً لوصاياه وهو يحكي لهم ما جرت به وقائع الأيام. أفريقيا، القارة السمراء، أصل العالم، سر الوجود البشري، تحتوي على العديد من الأصول والعرقيات، لديها مادة مروية من العراقة تثقل دفتي كتاب قد يزيد في أهميته عن مرويات ألف ليلة وليلة، من بين هذه الأصول تقع أعيننا على النوبة؛ الماسة التي تكلل جبين كثير من عرقيات القارة. فماذا عن هذه البانوراما الحضارية غير المرئية، التى استهدفها القدر منذ زمن بعيد: بلاد النوبة التي تمتد طولياً على شاطئ نهر النيل وتبدأ حدودها من حول الجندل الأول جنوب أسوان وحتى ما بعد الجندل السادس في السودان. تنقسم النوبة إلى قسمين؛ (كوش)، وهي النوبة العليا أو النوبة السودانية، والنوبة السفلى أو المصرية والتي تسمى في لغة أهلها (واوات) أو (تا ستي)، وكلاهما اسم لها، وفقاً للأديب المصري النوبي حجاج أدّول.أدوّل النوبي الصعيدي الجركسي كتب حجاج أدّول، أحد أكابر أدباء النوبة، القصة القصيرة، والمسرح، والرواية، والمقال الذي أدخله حقل الألغام، و"أثار حوله كثيراً من الإشكاليات في المحافل الدولية، وإن حافظ إجمالاً على وطنية خطابه وقوة حججه في الدفاع عن ثقافة قومه، وحقهم المشروع في الحفاظ عليها"، حسبما سجل الدكتور صلاح فضل في كتابه "سرديات القرن الجديد". يكشف أدّول عن التنوع العرقي داخل النوبة فيقول: "في النوبة روافد عرقية متعددة؛ تركية ومجرية وبوسنية وأذربيجانية وصعيدية". ويضيف: "أصولي العرقية على سبيل المثال تتنوع بين الصعيد والجراكسة؛ فقبيلتي اسمها "المراداب"، مؤسسها هو مراد حفيد الشيخ عبدالجليل وله ضريح في مدينة إسنا موجود حتى الآن، أي أنني صعيدي الأصل، بينما أخوالي من عائلة "جراكوسة"، وأصلهم من الجراكسة."النوبـة في قلب الإسكندرية لم يولد حجاج أدّول بالنوبة، ولم يعش بها، ومع هذا فقد كانت همه الأول والأخير، تبنى الدفاع عنها كثقافة إنسانية لها حق الوجود على خارطة الثقافات العالمية. فمن أين لشخص بهذه الوقائع والأحداث التي روى الكثير منها في رواياته وكتاباته، وماذا عن مصدر معلوماته، وكيف تورط في عشق "النوبة السمراء" ولم يكن نوبي المولد، وما الذى جعله يحمل على عاتقه همومها، إلى جوار آخرين بالطبع، إلى حد كلفه أحياناً عبء نشر بعض كتاباته على نفقته الخاص؟ يجيب أدّول: "ولدت في الإسكندرية عام 1944، وتحديداً في حي محرم بك بمنطقة تسمّى عزبة توماس، أغلب سكانها من النوبيين المهجرين أيضاً من قرية توماس النوبية". يتابع: "الكثافة النوبية بالمنطقة جعلت الصورة كأني بـ"النوبة في قلب الإسكندرية"، تشربت من خلال هذه الصورة نمط الحياة النوبية، وتجرعت من أحاديث الكبار مذاق مأساة النوبة، شعرت بآلامهم وحسرتهم عقب التهجيرات الظالمة". منهم سمع شهادات عن جمال القرية والنيل، كما أسعده الحظ أن يزور النيل وهو طفل ما بين الثامنة والعاشرة من عمره؛ إجازة صيف قضاها مع أمه، كانت الرحلة أسطورية تركت بداخله أثراً عميقاً لايزال يتردد صداه إلى اليوم وهو شيخ في السبعين من عمره. "بعدها قرأت وتعمدت السماع، أكثر ما آلمني إهانة أبي، وجيله، بل والجيل الأكبر منهم خلال التهجيرات الأربعة، فماذا تنتظرون مني غير الغضب؟!" ويضيف: "نحن كنوبيين ضد التهجير، لكن لم نكن يوماً ضد السد، وإن كان بإمكان المسؤولين عما يعرف بـ"التهجير الرابع" آنذاك عام 1964 أن ينقلونا لمنطقة أعلى بالنوبة، كما تم رفع المعابد". لكنهم آثروا "إنقاذ الحجر وإهمال البشر"، على نحو ما سجل إدريس علي، لكن ما حدث أنه تم طرد النوبيين من موطنهم إلى صحراء كوم أمبو، لهذا دخلتُ "أرض الألغام" على نحو ما وصفت، بمنطق "مجبر أخاك لا بطل". يوضح، وتبدو على ملامحه علامات الحيرة: "ممزق أنا بين نوبيتي ومصريتي (جانبٌ مني ظَلم جانباً مني) فماذا أفعل؟ إنها مأساة". يتابع: "كل إنسان منظومة مُركبة، وإن مال لتكوين منها فقد تطرّف وتعنصر، أنا نوبي مصري، سوداني، أفريقي، عربي، بحر متوسطي. ببساطة إنسان ينتمي لكل هذه المعطيات، لكنى أقول بوضوح، الجوهر نوبي، وأرفض أي محاولة تسعى لتجريدي من نوبيتي، فليس من المعقول أن نتخلى عن هويتنا مهما كانت الأسباب، ودائماً لدي مخاوفي من العولمة".أقوال جاهزة شاركغردهم حجاج أدول، ككتاب النوبة قبله، أن يتداخل الأدب النوبي وتاريخه في النسيج الثقافي المصري والسوداني، وأن يمسي ثقافة إنسانية لا عرقية ولا عنصرية شاركغرد"اهتمام العلماء بمصر الفرعونية، والتركيز المستمر عليها جعل العالم ينسى حضارة النوبة"الكتابة للحفاظ على الموروث النوبي دخول أدّول إلى عالم الكتابة جاء متأخراً شأنه فى هذه شأن كثير من أدباء النوبة أمثال يحيى مختار، وإدريس علي وغيرهما، فقد عمل بالعديد من المهن قبل أن يقرر التفرغ للكتابة. إذ عمل بالسد العالي في أسوان خمس سنوات، قضى بعدها 7 سنوات بالجيش المصري منذ عام 1967 وحتى أوائل عام 1974، شارك خلالها في حرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر، ولم يبدأ الكتابة إلا في عام 1984، أي وهو في الأربعين من عمره، حسبما يوثق. أنتج أدّول ما يزيد على الواحد والثلاثين كتاباً، تنوعت بين: 5 مجموعات قصصية، و13 رواية بينها ملحمة من 7 أجزاء حتى الآن، و8 مسرحيات، و9 كتب خصصها لقضية النوبة. بالإضافة إلى 6 نصوص لم تنشر بعد، بينها سيرته الذاتية، ومشاركاته الدؤوبة والمتنوعة سعياً منه للحفاظ على التراث النوبي وتسجيل شهادات هجرات النوبة الأربع. يتدفق منجز أدّول الأدبي منذ مجموعته القصصية "ليالي المسك العتيقة" الصادرة عام 1989، والحاصلة على جائزة الدولة عام 1990، وحتى عام 2018 الذى صدر فيه 3 روايات هي: (جونجي وآلهة الهيمالايا، وانتقام الأبله وحكاية سمكة الصياد، ومأساة الملك علوي). وبالرجوع إلى قائمة مؤلفاته فلن نجد عاماً إلا ونشر أدّول نصاً أو نصين، نوَّع فيهما بين أكثر من جنس أدبي، وهناك ملحمة من سبعة أجزاء منشورة في عام واحد، "حكايات عبد الرحيم الوسيم"، وهي سباعية صدرت في عام 2011. المفارقة هنا أن بعض منجزه نشر على حساب المؤلف كما يسجل، رغم ضيق ذات اليد، وظروفه المالية غير المستقرة التي يعاني تحت وطأتها. فـ"رواية معتوق الخير"، على سبيل المثال، استغرق إنتاجها 13 عاماً، ويرجع السبب، حسبما أخبرنا إلى ضيق الحال واضطراره للتخلي عن الكتابة كلما فرغ بيته من الحد الأدنى للمعيشة، ولولا منحة وزارة الثقافة المصرية لم قدر لهذا العمل أن يرى النور. وقد حصلت الرواية على جائزة ساويرس، وكأن أدول كان ينذر نفسه قرباناً لتبيلغ رسالة النوبة تخوفاً من أن يطمس الزمن ميراث أجداده، وإن بلغت الضريبة حد "قوت بيته".لماذا نسي العرب النوبة وتاريخها؟ في عام 1992، قال الكاتب الراحل أنيس منصور، في عموده الصحفي "مواقف" بجريدة الأهرام، إن "اهتمام العلماء بمصر الفرعونية، والتركيز المستمر عليها جعل العالم ينسى حضارة النوبة التي قامت على مساحة من الأرض على ضفة النيل طولها 1600 كيلومتر فيما بين أسوان والخرطوم، ولاتزال لأبناء النوبة نفس الملامح التى لأجدادهم". عاد أنيس في عام 1997 ليكتب: "بعض السخفاء يتصورون أن اهتمام أمريكا وأوروبا بأهل النوبة سببه أنهم يشجعون على فصل النوبة عن مصر، والحقيقة أنهم يضيفون جديداً إلى تاريخ مصر وعمقها، يضيفون إلى مسار البشرية الأفريقية ومنها إلى البشرية الأوروبية"، حسبما رصد حجاج أدول في كتابه "كتابات منصفة عن النوبة والنوبيين". "كانت المملكة النوبية القديمة تعيش تحت لواء واحد في أحقاب معينة، أما النوبة اليوم فقسمت بين مصر والسودان مع توحد منابع الاثنين كعطاء واحد في أساسهما، "لكننا نقول النوبة السودانية والنوبة المصرية لتحديد الموقع الجغرافي فقط". يتابع أدوّل: "حتى التخصيص على نوبة مصر، ينسحب فقط على المنطقتين الناطقتين بالنوبية والعربية معاً، وهما منطقة الكنوز "المتّوكين"، ومنطقة الفاديجا، أما المنطقة التي تقع بينهما والتي تتحدث العربية فقط، وهي منطقة عرب العليقات فأصولها عربية ترجع إلى قبيلتي ربيعة وجهينة واختلطت سلالتهم بالسلالة النوبية"، وفقما سجل في "ونسة مع الأدب النوبي".في رقصة الأعراس، والطبع، والزي وطقوس التعميد: النوبة نيلية يتجول أدّول بنا في رحلة نيلية في مقال "فسحة مع النوبيين"، ويرصد مظاهر الحياة في النوبة قبل تهجير عام 1964، يقول: "النوبي ابن النيل والنخيل، لا نقول إن النيل شريان حياته الوحيد فقط، بل إن النيل حياته، فبدون النيل لا نوبة، هكذا ببساطة". يستكمل: "أخذ النوبي مكوناته الأساسية من نيله، فلونه غرين نيلي، وسلالته من سلالة النيل، وغضبه غضب وقتي، مثلما ثورة النيل لا تزيد فترتها عن أيام فيضانه ثم يعود هدوئه الطيب". كانت النوبة تـُعمد مولودها في النيل، ويظن أدّول، أن هذه الشعيرة من قبل دخول الديانة المسيحية. يصف المشهد فقول: "تهبط زفة نسائية خالصة بمصاحبة الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، يحملون المولود، وطبقاً كبيراً به عَصيدة لبن بالسكر، ونموذج مركب، يحوي شمعة، وحبوباً، وغلة، وخلاص المولود، وقطعة من ملابس الأم حين ولادتها، وعلى الضفة الأخرى يمسحون الطفل بالمياه المقدسة". أما الغناء والرقص النوبيان فهما ديوان النوبة، و"في الأراجيد، "حفلات العرس النوبي"، تجد النوبيين صفوفاً وأماماهم النساء صفوفاً ووسطهم الساحة التى يقف فيها بضع رجال ومعهم الدفوف يضربون عليها ويغنون لتجيبهم الصفوف كلها رجالاً ونساء، وهم يرقصون متقدمين للأمام والخلف إيحاء بتدفق أمواج النيل". ملابس النوبيين أيضاً متأثرة بالبيئة، فـ"الجرجار" الذي ترتديه المرأة أسود شفاف يظهر من تحته جلباب ملون ليعطي الجرجار هيئة المياه الشفافة وفوق ركبتي المرأة النوبية نجد الجرجار ثنيات متوالية إنها أمواج النيل. والنوبيون في الأصل فلاحون، وأهم منتجاتهم البلح، وأهم أشجارهم بالتالي النخيل، و"لونهم مثلما هو من النيل، هو أيضاً من البلح البني، وقامتهم لا امتلاء فيها، وأسرَّتهم التى ينامون عليها من ساق النخيل، وأيضاً أجزاء عديدة من سواقيهم وغيرها، وأطباقهم الخوصية الملونة الرائعة من الجريد". ينهي أدّول الرحلة أنه بعد تهجير 1964 بسبب بناء السد العالي تغيرت البيئة، حيث "بدأ التغير في كل أمور الحياة النوبية، نظام البيوت والمأكولات والأراجيد، اختلف كل شيء، لكن عبق البيئة القديمة لايزال يعطر جوهم، في قرى التهجير أم قرى النوبة بنيل أسوان أو في المدن الشمالية".الأدب النوبي: منجز خاص في طرح إنساني يحذر أدّول من قراءة الأدب النوبي على أنه أدب عرقي يعبر عن شعب نوبي فقط، ويعدّ هذا ظلماً جهولاً، فهو أدب إنساني، شأنه شأن غيره من الثقافات المتنوعة حول العالم، أدبٌ يعبر عن الشعب النوبي كأحد روافد الجماعة الإنسانية بتداعيات جغرافية وتاريخية ونفسية، يتجاوز الرؤية العنصرية الضيقة لينفتح على رحابة الثقافات الإنسانية، بجذور ومعطيات مصرية، وسودانية إفريقية، وعربية، وبحر متوسطية. يرصد أدّول أن الأدب النوبي كان مقدراً له من واقع منجزه، وغيره من أدباء النوبة، أن يدخل حرم الرواية العالمية، لكن ما منعه من المنافسة العالمية ليس عيباً في ذاته، بل قصوراً في البيئة المحيطة به، من شؤون تتعلق بالنشر والترجمة والإعلام والدراسات النقدية التي تتعامل معه على نحو قاصر دون فهم لأنسنة طرحه وخصوصية منجزه. يمكن تقسيم الأدب النوبى إلى 3 مراحل زمنية، أولها المرحلة الواقعية في نهاية الأربعينيات، ومرحلة الواقعية الممزوجة ببعض الرومانسية نهاية الستينيات، ختاماً بالواقعية السحرية نهاية الثمانينيات. تبدأ الأولى في أواخر الأربعينيات وتحديدا عام 1948، مع صدور ديوان (ظلال النخيل) لمحمد عبد الرحيم إدريس، وهو أول كتاب أدبي نوبي نشر باللغة العربية، ويعدّه أدّول "الممثل الشرعي" للموجة الأولى من الأدب النوبي المعاصر. وتعد "الشمندورة" لمحمد خليل قاسم الصادرة في أواخر الستينيات وتحديداً عام 1968، بداية الموجة الثانية، التي هدرت ودَوت، وتلت الشمندورة إصدارات جيدة خاصة في الشعر، بينها: (سرب البلشون) لمجموعة شعراء نوبيين، أبرزهم عبد الدايم طه، وإبراهيم شعراوي. أما الموجة الثالثة من الأدب النوبي، فبدأت عام 1989 بمجموعة (القمر بوبا) لإبراهيم فهمي، وفيها تداخل أسلوب الواقعية مع غنائية حالمة، فـ"القمر بوبا" حُلية نوبية شهيرة. ثم مجموعة (ليالي المسك العتيقة) لحجاج أدول المنشورة في العام نفسه، إذ نجد بها بدايات تأثر واضحة بالموروث النوبي الأسطوري والخرافي والتشكيلي خاصة المحمول الأسطورى للنيل.أكمل القراءة الوحدة في التعددية ما أروعك يا معبد رمسيس/نفرتاري، ما أروعك يا معبد "أبو سمبل"، وأنت تعلمنا التعددية في الوحدة. تتعدد الآلات والمقامات لتعزفَ متناغمة في أوركسترا واحدة، فاللحن واحد، والوطن واحد، والرب واحد. مقطع من كتاب حجاج أدول ـــ "نوستالجيا نوبية" يستلهم أدوّل من تاريخ مصر القديم ما يبرهن على أن في التعددية تكون وحدة الوطن، وأنه لا يُخشى على وحدة الشعب سوى بـ"الأحادية"، أو القولبة والأشباه، يستشهد بمعبد أبوسمبل؛ هذا المعبد الثنائى (معبد رمسيس/ نفرتارى)، وهو في نفس الوقت معبد واحد. كتب حجاح أدول عن ثقافة النوبة وتواريخها وأساطيرها، إيماناً منه بأن "التعددية الثقافية والعقائدية والإثنية هي خلاص العالم، ففي الإنسانية متسع للجميع" شاركغرد يبرهن أدّول أيضا بأسطورة "إيزيس وأزوريس" وعدوهما "ست"، هذه الأمثولة الفرعونية التي تجسد ثنائية الخير والشر؛ وكما طافت إيزيس قطاعات مصر الستة عشر لجمع أشلاء أوزوريس، بعدما مزقه ست، وهي ترثيه بالدموع النيلية، وبدعم من إله المعرفة "توت"، تتمكن من بعث أوزوريس وتعيده إلى الحياة، وينجب العشيقان حورس، الفارس الذي يتربع العرش لاحقاً. ينتهى أدّول من طرح معادلته الميثيولوجية هذه إلى أن المعرفة تجمع ولا تُفرق، تُوحد لا تُمزق، وعليه فإن "حق التعددية"؛ الثقافية والعقائدية والإثنية هو الحصن الأخير الداعم لوحدة الوطن. ويشير إلى أنه إذا كان ثمة تخوفٌ على سبيل المثال من ملف "أمن مصر المائي"، فإن هذا الملف لن يغلق بأمان إلا عبر وحدة الموروث مع شعوب وادي النيل الذي تربطهم علاقة قوية بأهل النوبة، حسبما سجل في كلمته أثناء الاحتفال باليوم النوبي العالمي بالإسكندرية في 2011. أَولى أدّول جذور مصر الأفريقية اهتمامه منذ منتصف الثمانينيات، حسبما يسجل في كتابه "نوستالجيا نوبية"، وقدم مبادرة سماها "بيت النيل"، أو "بيت أفريقيا"، ليربط بين شمال وجنوب القارة الأفريقية، إدراكاً منه لأهمية الجنوب الأفريقي لمصر، وشعوب وادي النيل منهم على وجه الخصوص. تفيد المبادرة بإقامة مركز ثقافي لجميع شعوب أفريقيا في النوبة، وهي محاكاة لتجربة أثبت نجاحها في المغرب العربي، عبر "مهرجان منطقة "أصيلة" الذي نجح في أن يكون ملتقى ثقافياً واقتصادياً بين أوروبا ودول الشمال الأفريقي. تضمنت مبادرته تفاصيل المشروع، وتحمس لها آنذاك وزير الثقافة المصري فاروق حسني، بينما لم تتشجع قيادات الدولة في التنفيذ، فظل المشروع حبيس الأدراج كأن لم يكن حتى الآن. سألنا أدّول عن رؤيته لمبادرة "بيت أفريقيا" بعد ظهور سد النهضة الإثيوبي على مسرح الأحداث، فقال: "ما كتبته من حوالي ربع قرن، هو أساس العلاقات كما يجب أن تكون؛ الاحترام المتبادل والتداخل الثقافي الذي يمهد للمصالح الاقتصادية المشتركة، غير ذلك لن يسود سوى خطاب العنف والكراهية الذي سيدمر العالم، ويخسر به الجميع". ويختتم: "التعددية الثقافية والعقائدية والإثنية هي خلاص العالم، ففي الإنسانية متسع للجميع". اقرأ أيضاًمحاولات إنقاذ آثار الحضارة النوبية في السودانالمزود: كيف تحوّل هذا النمط الموسيقي من وسيلة لهو للعمّال إلى إيقاع مثير للشبابالهلاك لمَن حاول كشف أسراره... أساطير رواها العرب عن نهر النيل مصطفى سليم صحفي وكاتب مصري، حصل على درجة الماجيستير في الأدب العربي، مؤلف رواية "سـِفر المرايــــا" الحائزة على جائزة دبي الثقافية للإبداع. كلمات مفتاحية التعددية النوبة النيل التعليقات
مشاركة :