*ففي غيرهم متسَعٌ لك*

  • 6/21/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إنْ كان الإنسان مميزًا في مجال ما، مبدعًا فيه، فعليه أن يكون قادرا على تقييم نفسه، وتقدير ذاته، ليضع نفسه في المكان الصحيح، حيث يناسبها ويلائمها، فتقييم الإنسان نفسه هو أرفع درجات التقييم، فنفسك التي بين جنبيك تستحق منك أن تضعها في الموضع الذي يحقق كرامتها، ويحفظ قدرها، ويليق بها. لذا قد يعاني أحدنا عندما لا يجد تقييما من الآخرين لِمَا يقدمه من علم يفيد الناس، ومعرفة تنفع الآخرين، فيكون هنا قد دخل في مربع الحسرة والندم والألم الممض. ولكن إنْ كان حصيفا، فينبغي أن يعلم أن له عزاءً في جوانب شتى، منها: أنه حينما فعل ما فعل، ما كان ينتظر ثناءً، ولا شكرًا من أحد، وإنما فعله من باب تزكية العلم، وتحصيل الأجر، ونشر المعرفة؛ حتى لا يكون كاتما للعلم، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سُئل عن علم يعلمه، فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار …) وليعلم أنّ العلم فضلٌ آتاه الله له، ونعمة اختصه الله بها، فنشْرُه من باب التحدث بنعمة الله. كذلك له في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد عاداه أهل مكة، وضيَّقوا عليه، فلجأ للطائف؛ بحثا عن بقعة أخرى يبث فيها نورَه، لكنهم رفضوا الاستجابة له، بل آذوه ورجموه بالحجارة، هنا دعاه ربُّ العزة إلى رحلة تُنسِيه ذلك الهم، وتمحو عنه تلك المعاناة، فكأنَّ مفاد الرسالة الضمنية أنْ يا محمد، إنْ جفاك أهل الأرض، فأهل السماء ينتظرونك، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون. كذلك من باب تعزية النفس أن يتذكر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أوذي من قومه أشد الإيذاء، وفَقَدَ عمه وزوجته، فأنزل الله عليه سورة يوسف دفعة واحدة؛ حتى يسليه، فكأنَّ الرسالة مفادها: إنْ كان قومك فعلوا بك ذلك، فهناك نبيٌّ فعل به إخوته أشد مما حاق بك، وإن أحزنك فقْدُ عمِّك وزوجتك فتأسَّ بفقد نبي الله يعقوب عليه السلام لابنه يوسف عليه السلام. ومما يسليه أيضا، ويسرِّي عنه أن يرى الغريب يحتويه ويحتفي به، ويقيِّم علمه، ويقدِّر معرفته، فذلك شيء مريح للنفس، رغم أن الدهشة تعلوه أحيانا؛ فيتساءل: لماذا يرى الغريب ما لا يراه القريب؟ّ أليس هو الأوْلى؟! وقبل كل ذلك، فليتذكَّر أنَّ مَن بحث عن رضا الله ثم أرضى نفسه، فلا عليه من أحد آخر. فلا يجعل هذا التجاهل من المقربين مثبِّطا له، ولا يتركه يحبطه، فكثيرون لا يرون جمالا؛ لأنَّ نفوسهم ليست جميلة: *والذي نفسه بغير جمال* *لا يرى في الوجود شيئا جميلا* وليتذكر أن زامر الحي لا يُطرِب، هو لا يطرب حَيَّهُ، ولكنَّ أحياءً بعيدة تتراقص طربا مما يقدمه، وذلك يكفيه. وليتذكر أنْ لا كرامة لنبيٍّ في قومه، ولكنَّ أقوامًا آخرين يحتفون به إنْ وفَد عليهم، ولنا في استقبال أهل المدينة وإيثارهم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي اختيار النجاشي ملجأً، والحبشة مهاجَرا للمسلمين الأوائل، خير مثال يجعل الفرد يطمئن لما هو فيه؛ فأهل مكة لم يؤمنوا، وآمَن أهل المدينة، والإسلام دخل الحبشةالبعيدة قبل أن يدخل المدينة.

مشاركة :