أزمة قطر تمر بمرحلة من أصعب وأخطر أدوارها بالنسبة لقطر نفسها، وهي حدث جلل لم تتصوره منذ استقلالها في عام 1971 ودخولها كدولة مؤسس بمجلس التعاون في الثمانينيّات، وأصبحت قطر في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها مجلس بسبب الازمة القطرية وطريقة ادارتها للازمة، عامل هدم لأهم أسباب إنشائه لحماية أمن الخليج العربي وكيانه واستقلاله الوطني للتصدي للأطماع الايرانية الفارسية التاريخية قبل الاسلام، والمد البعثي العراقي الذي من أهم مبادئه تغيير الانظمة الخليجية (الرجعية) كما أطلق عليها اصحاب الأيدولوجيات الشيوعية والبعثية في تلك الفترة وشكلت هاجساً وقلقاً للدول الخليجية الصغيرة المستقلة حديثاً من الاستعمار البريطاني في السبعينيات، إضافة الى تداعيات الصراع على النفوذ والسيطرة في منطقة الخليج العربي بين العراق وإيران وما انتهت اليه من حرب دامت ثمان سنوات بينهما، وما آلت اليه من نتائج ادت الى قيام صدام حسين بأكبر خطأ في التاريخ الحديث بغزوه لدولة الكويت واحتلالها وانتهاك سيادتها في اعتداء سافر على كل مواثيق الامم المتحدة ضارباً عرض الحائط ركائز الأمن القومي العربي وما انتهت اليه مغامرته المجنونة من عودة الكويت دولة عربية حرة بفضل التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة والدعم السعودي اللامحدود لهذا التحالف وما قدمته المملكة العربية السعودية بالذات من تسهيلات لوجستية ومالية وبشرية هائلة التي لولاها لما تم إسدال الستار عن مغامرة صدام حسين التي لا تغتفر ولا يمكن نسيانها في سجل التاريخ العالمي. وقد استطاع مجلس التعاون أمام تلك التحديات وبفضل الحد الأدنى من التنسيق والاتفاقات التي تمت بين أعضاءه من الوقوف امام هذه المخاطر والاطماع وأمام «توسانامي» التغيير الذي أطاح بالعديد من الانظمة العربية عام 2011 ومانتج عنه من إنهاء نظرية الأمن القومي العربي - كما حدث عند غزو صدام حسين للكويت - بعد ان أصبحت الجامعة العربية الأداة التي تم من خلالها دعم ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن وما أدت اليه - حتى الآن - من خراب ودمار وزعزعة الأمن والاستقرار على امتداد الوطن العربي من مشرقه الى مغربه الذي كان فيه لدولة قطر الدور المحوري في ادارة عاصفة التغيير بما لديها من مال وامتلاكها لوسائل الحرب الإعلانية الحديثة المتمثّلة بالفضائيات وعلى وجه الخصوص «قناتي الجزيرة عربي وإنجليزي» ودورهما المهم في تأجيج الفوضى والخراب وسفك الدماء في الشارع العربي، وما قامت به القيادة القطرية من مؤامرات استهدفت الإطاحة بالانظمة الشرعية لشقيقاتها دول مجلس التعاون كالبحرين والكويت والسعودية والإمارات التي بدأت في الانكشاف عندما إطاحة قطر بالرئيس معمر القذافي وتسريبه لأشرطة التآمر قبل اغتياله. هذه الاشرطة وغيرها من التسجيلات أوضحت بجلاء حجم المؤامرة القطرية على خلفية الانتقام الشخصي من ادعاءات القيادة القطرية بتخطيط شقيقاتها لانقلاب ضد الحكم عام 1995، والحلم القطري الذي قدمه الأمريكان كطعم لاستغلال قطر بأنها ستحكم العالم العربي من باب الربيع العربي الذي وجد فيه الاخوان المسلمون فرصة ذهبية لإقامة انظمة تعددية تدين بالولاء لمرشدها المقيم في قطر. لقد وجدت القوى الدولية والإقليمية في أوضاع البيت العربي نقاط ضعف كبيرة شجعتهم بالتدخل في شؤون العرب الداخلية تحت شعارات وأسباب جديدة، إلا ان شعارات حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير، أصبحت الوسيلة التي وضعت كل تواريخ علاقات الصداقة واستراتيجيات المصالح المشتركة بين دول مجلس التعاون وإيران في فترة وصول الديمقراطيين برئاسة باراك اوباما للبيت الابيض على رفوف العلاقات المنسية ولتصبح قضايا حقوق الانسان، المعيار الأساس الذي تقوم عليه أسس العلاقات الثنائية والدولية التي استغلتها الدول الكبرى لتحقيق أهدافها ومصالحها وتوجيهها حسب خططها وأهدافها في المنطقة العربية مستغلة في ذلك أدوات بل دول لتنفيذها بالانابة عنها ومنها: أولاً: تطلعات دولة قطر الصغيرة في الحجم والكبيرة في الطموحات بقيادة الامة العربية المفككة بما لديها من مال وثروات طائلة، واستخدام كل الطرق لتحقيق هذه الطموحات ومنها تمويل الارهاب والعنف لخلق حالة من التوتر وانعدام الامن والاستقرار في المنطقة العربية برمتها، اضافة الى رغبة قيادتها في الانتقام من تداعيات المحاولة الانقلابية التي تعرضت لها عام 1995 وادعاءاتها بدعم عدد من دول المجلس لهذه المحاولة. ثانياً: أطماع ايران في إعادة سيطرتها ونفوذها على الساحل الجنوبي للخليج العربي والبلاد العربية، التي تتضح من الممارسات الفعلية الحالية بالأرض العربية في العراق الذي يعتبر مقاطعة إيرانية وسوريا التى تتواجد قواتها لقمع تطلعات الشعب السوري وآماله في إقامة نظام تعددي ديمقراطي ولبنان المحتل من حزب الله الإرهابي وقطاع غزه التى تسير قيادتها ضمن المخطط الايراني واليمن الذي أراد منها الايرانيون ان يحكموا الطوق على السعودية من الجنوب ليتحقق حلم الهلال الشيعي الذي أشار اليه الملك الأردني عبدالله الثاني، والتصريحات التي يدلي بها كبار المسؤولين الإيرانيين عندما يقول السيد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى منذ فترة ليست بعيدة بالنص: «الكويت تشكل عمقاً استراتيجياً لن نتنازل عنه، وعلى دول الخليج الفارسي ألا تعرقل طموحات ايران العظمى وإلا فإن العرب سينحسرون الى مكة كما كانوا قبل 1500 عام». ثالثاً: استغلال الطائفية والمذهبية السنية الشيعية كركنٍ أساسي للتفرقة المجتمعيه وإلغاء حالة التسامح والمودة وقبول الآخر القائمة بين اطياف المجتمعات العربية سواء ما يحدث في مصر بدعم الاخوان المسلمين، او ما يجري في دول الخليج باستغلال الشيعة والسنة على حد سواء عن طريق الشحن الإعلامي والانفاق الباذخ على البرامج الاخبارية الملفقة والافلام الكاذبة حول حقيقة مايجري من احداث والمحرضة على الفتنة والانشقاق ودعم الارهاب السني والشيعي المتطرف كما هو في تنظيم داعش السني وتنظيم الحشد الشعبي الشيعي وحزب الله الإرهابي. وأمام حالة الانقسام الشديد الذي أصاب الامة العربية بسبب التصرفات غير المسؤولة والحلم بأن الدوحة ستكون مركز الدول والشعوب العربية وما أدت اليه من نشوب الازمة القطرية في يونيه 2017 وتداعياتها وتحولها لمجرد قضية صغيرة بالنسبة للدول المقاطعة وليست في سلم أولوياتها، نجد بالمقابل إصراراً قطرياً على إثارتها وبحثها في أي اجتماع او مؤتمر إقليمي او دولي وقيامها باعتراض الطيران الاماراتي على أجواء البحرين في تحرك يوضح أهدافاً بعيدة المدى تتعلق بالشكوى المرفوعة منها الى المنظمة الدولية للطيران المدني حول الخطر الذي تتعرض له سلامة الطيران المدني بسبب اختراق الطائرات المدنية الاماراتيه للمجال الجوي القطري حسب ما تدعيه، اذا أضفنا الى ذلك رفع ايران لشعار تصدير الثورة وبرنامجها النووي الذي يزعزع الأمن القومي العربي مباشرة وتدريب ايران للعناصر الإرهابية وتشكيل المجموعات والحشود الشعبية الطائفية لزعزعة الأمن والاستقرار في الخليج والمنطقة العربية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، فإن ذلك يتطلب وقفة مراجعة حقيقية بعد انفجار الوضع في البيت الخليجي نفسه في 5 يونيه 2017. هذه الوقفة كما أرى يجب تقوم على عدد من العناصر المهمة: • أولاً: اتفاق دول مجلس التعاون على الحد الأدنى لمصالحهم الاستراتيجية ومصدر التهديد المشترك والحد الأدني للخطاب السياسي او الموقف السياسي المشترك تجاه القضايا الدولية والإقليمية. • ثانياً: إنشاء جهاز خليجي مشترك مهمته تقديم الدعم والمساعدات المالية الخارجية لتفادي كل ما يتعلق بالشكوك المتعلقة بالاتهامات الدولية من ان مساعدات دول المجلس المالية يتم تقديمها للمنظمات الإرهابية. • ثالثاً: تفعيل هيئة فض المنازعات المنصوص عليها بالنظام الاساسي لدول مجلس التعاون وتشكيلها من أعضاء مستقلين من ذوي الخبرة والاختصاص للنظر في أية خلافات او تجاوزات تقوم بها اي دولة من الدول الأعضاء سواء في المجال الأمني او السياسي او الاقتصادي وغيرها وتكون أحكامها نافذة. • رابعاً: تشكيل لجنة عليا من الأكاديميين والسياسيين والاقتصاديين المعروفين بالكفاءة والخبرة من أجل إعداد استراتيجية سياسية أمنية تقوم على وضع أسس وركائز العلاقات والتعامل مع الدول الكبرى والاقليمية الآخري التي لديها علاقات ومصالح بدول مجلس التعاون. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :