الكوريتان.. هل سرقتا الأضواء من القمة الصينية- الهندية؟

  • 5/8/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي كان العالم فيه منشغلاً بوقائع القمة التاريخية بين زعيمي الكوريتين (كيم جونج أون ونظيره الجنوبي مون جاي إن ) في المنطقة منزوعة السلاح بين بلديهما، كانت هناك قمة آسيوية أخرى تنعقد في منطقة ووهان الصينية بين زعيمي قطبين آسيويين كبيرين (شي جينبينج ونظيره الهندي ناريندرا مودي)، بشكل غير رسمي وبصورة حميمية تمثلت في شربهما الشاي الصيني الأخضر، ثم تنزههما معاً حول دار الضيافة، قبل أن يستقلا قارباً نهرياً بمفردهما دون أي مرافق. صحيح أن القمة الأخيرة لم تكن في أهمية القمة الأولى؛ لأن الهند والصين رغم خلافاتهما الحدودية المعروفة وتنازعهما السيادة على أكثر من منطقة وتنافسهما المحموم في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية، لم تصلا إلى حافة الحرب، ولم تهدد إحداهما الأخرى بالإزالة من الخريطة، أي على غرار ما فعله «كيم جونج أون» ضد جارته الجنوبية وحليفة الأخيرة الرئيسية، ممثلة في الولايات المتحدة الأميركية، على مدى أشهر وسنوات طويلة. لكن الصحيح أيضاً هو أن تخفيف التوتر بين الهند والصين من خلال الاتصالات على أعلى المستويات، وبناء العلاقات الشخصية بين زعيمي البلدين، من شأنه خلق التفاؤل والأمل لدى شعبيهما حول السلام والاستقرار في آسيا والعالم بأسره. ومن المعروف أن رئيس الحكومة الهندية من أشد المعجبين بالنموذج الاقتصادي الصيني منذ أن كان رئيساً لحكومة ولاية غوجرات، بدليل أن أول زيارة خارجية له بعد تسلمه السلطة في نيودلهي سنة 2014 كانت للصين، حيث قيل وقتها إن مودي ذهب إلى هناك للاطلاع والاستفادة من التجربة التنموية الصينية. ولم يمض سوى وقت قصير بعد ذلك إلا ونظيره الصيني يرد له الزيارة. ويبدو «مودي» اليوم متحمساً للاستفادة قبل غيره من الوعود التي أطلقها نظيره الصيني في يناير المنصرم حول عزمه إجراء «انفتاح مدهش» هذا العام، شاملاً فتح قطاعات البنوك والسندات والتأمين وإزالة القيود على الاستثمار الأجنبي كلياً، وذلك ضمن خططه المدافعة عن العولمة وبمناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين لانتقال البلاد من النظام الشيوعي المغلق. يعرف المطلعون على خفايا العلاقات الهندية ــ الصينية أنها مرت هذا العام بمنعطفات سلبية عدة. فنيودلهي واصلت لا اكتراثها ــ كي لا نقول معارضتها ــ لمشروع بكين الطموح المعروف بطريق الحرير أو «حزام واحد طريق واحد»، والذي تسعى الصين من ورائه إلى البروز والتواجد القوي على الساحة الدولية، بينما تكمن المعارضة الهندية للمشروع في مرور فرع منه في أراضي كشمير الباكستانية التي تطالب الهند بالسيادة عليها. ونيودلهي من جهة ثانية انخرطت في مشروع مضاد لكبح جماح التطلعات الصينية في المحيط الهندي بالتعاون مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. وهي من جهة ثالثة منزعجة من الحمى الصينية بإنشاء قواعد عسكرية لها في دول تعتبرها الهند ضمن مناطق نفوذها الاستراتيجي مثل سريلانكا وبورما، وذلك من خلال تكثيف المساعدات والقروض لتلك الدول ومدها بالأسلحة والتقنيات الصينية، حتى إذا عجزت عن سداد ما عليها من ديون فرضت عليها البديل، وهو منحها قواعد عسكرية. وقد كان آخر ضحايا هذه السياسة الصينية هما: جزر المالديف الحليفة الاستراتيجية التقليدية للهند وشريكتها في منظمة سارك لدول جنوب آسيا، ثم جمهورية سيشيل التي رفضت مؤخراً خططاً لإنشاء قواعد عسكرية هندية على أراضيها من بعد أن كانت قد أعطت موافقتها. عدا ما سبق، بدت نيودلهي مزعجة كثيراً من محاولات بكين التدخل في الشؤون الداخلية لدول حليفة لها مثل مملكة بوتان الجبلية المعزولة بهدف جرها إلى مناطق النفوذ الصيني، وكادت الأمور أن تصل إلى حد الصدام المسلح بين العملاقين النوويين في منطقة «دوكلام» الحدودية في جبال الهملايا قبل بضعة أشهر، لولا تغلب الحكمة في آخر لحظة. في المقابل، بدت الصين، طوال الأشهر الماضية، مستاءة من التحالف الهندي الأميركي الياباني الأسترالي المفترض، ومن الاتفاق الهندي ــ الفيتنامي حول سماح هانوي للهند بإقامة منصات ومحطات أقمار صناعية هندية على أراضيها لأهداف الرصد والكشف وجمع المعلومات عن التحركات العسكرية في مياه بحر الصين الجنوبي، ناهيك عن استيائها من استضافة الهند للعديد من معارضي «التبت»، وعلى رأسهم «الدلاي لاما»، واستيائها من الدور الهندي المتعاظم في أفغانستان الذي تشتكي منه باكستان حليفة الصين الرئيسية في جنوب آسيا. لكل هذه الأسباب والعوامل كانت قمة «شي جينبينج ــ ناريندرا مودي» مهمة لجهة خلق الثقة وفتح صفحة جديدة من التعاون بين القطبين الآسيويين الكبيرين في ملفات الأمن والاقتصاد ومحاربة الإرهاب ومسألة التنافس على قيادة آسيا. ذلك أن التعاون هنا سيصب بالتأكيد لصالح الأمن والسلام والاستقرار العالمي، رغم أن البيان المشترك للقمة تحاشى الحديث عن الخلافات الحدودية المزمنة على طول نحو 4 آلاف كيلومتر. وفي اعتقادي أن تأجيل الحديث عن تلك الخلافات كان متعمداً؛ لأن من شأن التطرق إليها في هذا المنعطف خلق عقبة كأداء في طريق التعاون. غير أن وزير الخارجية الصيني «كون شوان يو» عبر على هامش اجتماع القمة عن أمله بإيجاد تسوية عادلة ترضي البلدين والشعبين للنزاع الحدودي، كما عبر عن أمله بأن تعلن نيودلهي موقفاً حاسماً حول تبعية إقليم التيبت للصين.

مشاركة :