ماكرون .. وحيد يسبح عكس التيار

  • 5/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قلة من القادة الدوليين مظهرهم يثير الإعجاب مثل إيمانويل ماكرون. في الآونة الأخيرة تلقى الرئيس الفرنسي ترحيباً حاراً من الكونجرس الأمريكي. وفي الأسبوع السابق لذلك حصل على المعاملة نفسها من البرلمان الأوروبي. في وقت تبدو فيه أنجيلا ميركل متعبة، وتبدو تيريزا ماي مغلوبة على أمرها، ويبدو دونالد ترمب هائجا، يشع الرئيس الفرنسي بالطاقة والكاريزما والذكاء. أثارت جولته في الولايات المتحدة عناوين الصحف، وجادل عمود في صحيفة "واشنطن بوست" بأن "مصير التحالف الغربي في أيدي ماكرون"، وأعلنت "بوليتيكو" أن ماكرون هو الآن "الزعيم الجديد للعالم الحر".لكن لكي تقود يجب أن يكون لديك أتباع - أو على الأقل حلفاء مقربون. وحتى الآن يناضل ماكرون في هذا الجانب. لديه معجبون في كثير من العواصم الغربية "وحتى في كثير من غرف الأخبار الغربية". لكن لا يوجد دليل يذكر على أنه يستطيع تشكيل تحالفات دولية لتغيير اتجاه الشؤون العالمية.وهذا مهم لأنه يوجد حد لما يمكن لزعيم قوة أوروبية متوسطة الحجم أن يفعله بمفرده. في الأجيال الأخيرة، كان رجال الدولة الفرنسيون والبريطانيون الأكثر فعالية قادرين على وضع أنفسهم صانعين للسياسة الدولية فقط في تحالف مع قادة غربيين مشابهين في التفكير.عمل فرانسوا ميتران، رئيس فرنسا في الثمانينيات، عن كثب مع هيلموت كول في ألمانيا وجاك ديلور، رئيس المفوضية الأوروبية. في الوقت نفسه تقريباً، كانت مارجريت تاتشر تقيم تحالفًا مع رونالد ريجان. في التسعينيات تم تلميع ادعاء توني بلير بأنه زعيم عالمي من خلال تحالفه المعروف باسم "الطريق الثالث" مع بيل كلينتون وجيرهارد شرودر، مستشار ألمانيا سابقا.في المقابل يجد ماكرون - رغم شخصيته الآسرة – صعوبة في إقناع الآخرين باتباع قيادته. بعد رحيله من واشنطن، وصف ترمب نظيره الفرنسي بأنه "شخص رائع". لكن على الرغم من كل هذا الانجذاب والأنس ونفض قشرة الرأس بين الرئيسين، هناك قليل من الأدلة على أن ماكرون كان قادراً على تغيير مواقف ترمب بشأن أي شيء ذي بال.فلا تزال الاختلافات الرئيسية بين الزعيمين - حول إيران وتغير المناخ والحمائية - قائمة. وهذا أمر لا يثير الدهشة، كما أوضح ماكرون في كلمته في واشنطن، فهو وترمب على طرفي الطيف الأيديولوجي.الساحة الأكثر طبيعية للرئيس الفرنسي لبناء تحالفات هي أوروبا. لكن حتى هناك هو معزول بشكل غريب. قدّم ماكرون رهانًا كبيرا حول إقناع ألمانيا باتخاذ الخطوة التالية نحو "اتحاد أكثر قربا"، ولا سيما من خلال الموافقة على إنشاء ميزانية لمنطقة اليورو وإنشاء منصب وزير مالية لمنطقة اليورو. لكن الدفء الذي لا ريب فيه في المشاعر تجاه ماكرون في برلين الرسمية لم يثبت أنه كاف لجعل ألمانيا تتحرك نحوه. الاشتباه في أن خطة ماكرون مجرد طريقة لطيفة لجعل دافعي الضرائب الألمان يمولون دولة فرنسية تعمل فوق طاقتها لا يزال قويا.بدون دعم ألماني قوي ليس لدى ماكرون سوى قليل من البدائل الواضحة. "خروج بريطانيا" يوجد انقساما طبيعيا مع المملكة المتحدة، وهو ما يؤكده الشك البريطاني في أن فرنسا تدفع بالمفوضية الأوروبية نحو اتخاذ موقف متشدد بشكل خاص في المفاوضات.كان البريطانيون ممتنين للغاية للدعم الفرنسي في المواجهة الأخيرة مع روسيا. لكن اللحظات المخصصة للتعاون الاستراتيجي بين بريطانيا وفرنسا، على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ليست أساسا ليكون ماكرون "قائد" التحالف الغربي الجديد.لا تبدو احتمالات فرنسا الأخرى واعدة أكثر. ماكرون غير راغب في وضع نفسه قائدا لفئة أوروبية جنوبية، خشية أن يثير ذلك شكوك ألمانيا بتراخي فرنسا في المالية العامة. إيطاليا التي يهيمن عليها الشعبويون من حركة "خمس نجوم" و"رابطة الشمال"، ليست على أي حال شريكا طبيعيا لفرنسا. في هذه الأثناء، يعكف الهولنديون على تشكيل "رابطة هانزا" غير الرسمية بين دول شمالي أوروبا التي هي حتى أكثر ارتيابا من الألمان في إصلاحات منطقة اليورو المقترحة من ماكرون.أوروبا الوسطى تبدو أسوأ. قاد الرئيس الفرنسي الطريق لإدانة "الديمقراطية السلطوية"، وهي إشارة لا لبس فيها إلى الحكومات الحالية في المجر وبولندا. صراحته وجرأته موضع ترحيب، لكنها لا تكسبه كثيرا من الأصدقاء في مستشاريات أوروبا الوسطى.الجزء الوحيد من الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع فيه ماكرون بتأييد تام هو بروكسل. في ردهات المفوضية الأوروبية، يعتبر الرئيس الفرنسي بطلا. لكن في أماكن أخرى في بروكسل هناك تعقيدات. حقيقة أن ماكرون يتولى قيادة حزب جديد، "الجمهورية إلى الأمام"، تعني أن مؤيديه ليسوا جزءا من هياكل السلطة القائمة في البرلمان الأوروبي – وهذه مشكلة حين يتعلق الأمر بتشكيل القوانين وتوزيع المناصب العليا. الخطر بالنسبة إلى ماكرون هو أنه يمكن أن يكون قائدا لا ينسجم مع العصر الحالي. في بلده، هو مصلح اقتصادي ليبرالي، في وقت لم تكن فيه "الليبرالية الجديدة" أقل رواجا مما هي عليه الآن. كما أنه من أنصار التكامل الأوروبي في وقت تتصاعد فيه موجة مناهضة التكامل الأوروبي عبر الاتحاد الأوروبي. وهو عالمي النظرة وصاحب نزعة دولية في وقت تتصاعد فيه الحمائية والتعصب الوطني.هناك نُبل في كل هذه المواقف، لكن ماكرون ربما كان يسبح ضد تيار التاريخ، بدلا من ركوب الموجة.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: جديون راشمان من لندنpublication date: الاربعاء, مايو 9, 2018 - 03:00

مشاركة :