لم يكن القرار سهلاً لأنه خطوة يمكن أن تغير مسار حياته كلياً، لكن مايكل دونوفان بدأ يشعر بأن عمله في مجالات العلاقات العامة وتخصصه في مجال العطور تحديداً لم يعد يُشبع طموحاته. كان يعرف أن فهمه للعطور وللسوق أكبر من فهم بعض العملاء الذين تعاون معهم، فضلاً عن أن تعامله مع شخصيات في مجالات مختلفة جعله قادراً على تحليلها وسبر أغوارها.المهم أنه بعد أخذ ورد وكثير من التردد، استجمع شجاعته وأخذ القرار لكي ينتقل إلى الجهة الثانية. وهكذا عوض أن يروج عطور غيره أطلق مجموعة باسم «سانت جايلز» حصرياً في محلات «سلفريدجز» تحمل توقيعه وكل ما اختزنه من خبرات.استغرقته عملية ابتكارها أكثر من عامين لتأتي بالشكل الذي كان يحلم به، ويقول إن ما شجعه «لخوض التجربة أني أصبحت أعرف ما ينقص السوق وما يريده الزبائن على حد سواء. خلال عملي خبيراً كنت لا أقبل أن أمثل أي عطر لا أقتنع به، وأكثر ما كان يثير حفيظتي أن العطور باتت تتشابه في فكرتها وخلاصاتها». بيد أنه لا يخفي إعجابه بعطارين يسبحون ضد التيار ويرفعون شعار التميز مثل فريدريك مال ودومينيك ريبون وغيرهما ممن يكن لهم الاحترام والإعجاب. وربما هذا ما جعله يحذو الطريق نفسها بابتكار عطور بخلاصات ليست جديدة، لكنها حتماً بأفكار مختلفة تساعده في تسويقها بسهولة. قرر مثلاً الابتعاد عن الأسماء الرومانسية والشروحات التقليدية والمتكررة. عوض أن يقول إنه استلهمها من الطبيعة أو من حديقة غناء قال إنه استلهمها من شخصيات وأشخاص إما قرأ لهم أو تعامل معهم خلال مسيرته وما شابه من أمور. من هنا خص كل شخصية بعطر حسب هواياتها أو مهنتها. فهناك مثلاً «ستايليست» (Stylist)، وعطر «رايتر» (Writer) الذي يقول إنه قد يكون أديباً أو محرر أزياء، ورجل الأعمال (The Tycoon) والميكانيكي (The Mechanic) والنجمة أو الممثلة (The Actress). كل واحد منها بمكونات تعكس مميزاته أو ما نطمح إليه.«خبراء الأزياء مثلاً يتميزون بالذوق ويجعلون كل شيء يبدو أنيقاً وجميلاً»، حسب رأيه، لهذا ركز في عطر «The Stylist».على مكونات مثل البرتقال والمانغو وخشب السرو والمسك والفانيلا. ولأن النجوم عموماً يعشقون لفت الأنظار، فإن عطر The Actress جاء يضج بالأنوثة، إذ ابتكره بخلاصات قوية ولافتة من دون ابتذال، بالاعتماد على خلاصات من الزنبق الشرقي تتراقص على نغمات من الفواكه الحمضية والرغموت والريحان وأوراق الطماطم والياسمين المصري، فضلاً عن خشب الصندل والباتشولي والمسك.أما عطر «ذي تايكون» The Tycoon فيعكس شخصية وطموحات رجل أعمال ناجح، وبالتالي جاء يفوح بالقوة والترف، بحيث يمكن أن يأخذ صاحبه من مكان العمل إلى سهرة فخمة. يتكون من خلاصات شجر السرو الممزوجة بخلاصات حمضية مع رشة زنجبيل، إضافة إلى أخشاب معطرة تمنحه دفئاً مثل الفلفل الأسود وجوز الطيب وزهرة الماغنوليا والباتشولي وغيرها.أما عطر The Writer فيتكون من إكليل الجبل، على أساس أنه يُحفز الذاكرة إضافة إلى الزنجبيل والجلد وخشب الصندل وخلاصات أخرى تخلف رائحة مميزة عندما تتفاعل مع بعضها بعضاً.يعلق دونوفان أن أياً من هذه العطور، إن لم تكن تعبر عن شخصية صاحبها، فإنها حتماً تعبر عما يطمح إليه في الحياة أو في لحظة أو في مناسبة معينة. وأضاف: «اكتشفت أن العطر المتميز لا يحتاج إلى مكونات كثيرة، بل فقط إلى ذلك الشعور الذي يبثه في النفس بمجرد أن تشمه أو تضعه، ثم لا ننسى أن لكل واحد منا شخصية فريدة تميزه عن الآخر وأحياناً تتفرع عن شخصيات متعددة تطفو إلى السطح حسب المزاج أو المكان والزمان». من هذا المنظور يحاول مايكل دونوفان أن يسوق لنا عطوراً يريد منها أن تغذي كل هذه الشخصيات والتغيرات التي نمر بها. عطر لا يبث فينا السعادة فحسب بل أيضاً يمنحنا الثقة بالنفس.
مشاركة :