سيكون لقرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران تبعات اقتصادية ملموسة على الشركات الأوروبية خاصة والأجنبية عامة الموجودة في السوق الإيرانية أو التي ترغب في دخولها. فقرار ترامب كان مصحوبا بإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران ومحاسبة كل الشركات – بما فيها الأوروبية – على خرق تلك العقوبات بإبقاء معاملاتها مع إيران. وضع أثار امتعاض شركاء واشنطن الأوروبيين الذين يسعون للتوحد في مواجهة القرار الأمريكي والالتفاف وراء قوانين دولية قديمة "للتحايل" على هذه العقوبات، خصوصا وأن إدارة ترامب أمهلتهم نحو 90 يوما للانسحاب من السوق الإيرانية. ما يثير قلق حلفاء الولايات المتحدة الأوربيين في قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصادر مساء الثلاثاء الماضي، بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ليس فقط الخشية من استئناف طهران لبرنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم، ومن ثم القدرة على الحصول على سلاح نووي قريبا، وإنما أهم ما تخشاه أوروبا هو مصير شركاتها العملاقة – "إيرباص" و"توتال" و"بيجو" و"فولكسفاغن" وغيرها – التي سارعت إلى الدخول للسوق الإيرانية بعد توقيع الاتفاق مع إيران العام 2015. عودة العقوبات الأمريكية الصارمة على إيران وحتى رفعها إلى أعلى مستوياتها، سيجبر هذه الشركات على الخروج من السوق الإيرانية وخسارة عقود تجارية تقدر بمليارات الدولارات. مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أعطى مهلة مدتها بضعة أشهر للشركات الأوروبية للخروج من السوق الإيرانية، فيما صرحت وزارة الخزانة الأمريكية بأن تطبيق العقوبات على العقود القديمة سيسري بعد فترة انتقالية تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر بينما سيكون فوريا على العقود الجديدة. قرار إعادة فرض العقوبات على إيران كان صداه سلبيا على الشركاء الأوروبيين، ما دفع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الأربعاء إلى اعتبار أنه من "غير المقبول" أن تنصب الولايات المتحدة نفسها "شرطيا اقتصاديا للعالم". رد الفعل الفرنسي له ما يبرره، خاصة للعلاقات التجارية الوثيقة التي كانت تربط باريس وطهران في عهد الشاه، ثم مسارعة باريس لتمتين أواصر تلك العلاقات بعد توقيع الاتفاق النووي. ومن بين الشركات الفرنسية الكبرى العاملة في إيران "بيجو-سيتروين" ومنافستها "رينو" وشركة النفط العملاقة "توتال" وعملاق صناعة الطائرات "إيرباص" الذي فاز بطلبيات كبيرة من شركة الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير). الشركات الأوروبية تعد شركة صناعة الطيران الأوروبية "إيرباص" من أكبر الخاسرين من فرض هذه العقوبات، فقد أعلنت من قبل عن عقود مع ناقلين إيرانيين هما "إيران إيرتور" و"طيران زاغروس" لبيع مئة طائرة في المجمل في صفقة تقدر قيمتها بنحو عشرة مليارات دولار. كما أنها لا تملك هامشا كبيرا من المناورة حيال العقوبات الأمريكية نظرا لأنها تمتلك مصانع في الولايات المتحدة وستتعرض لعقوبات قد تحرمها من السوق الأمريكية. لا ننسى أيضا الشركات الأوروبية العملاقة في مجال تصنيع السيارات، كالعملاق الألماني فولكسفاغن الذي أعلن في العام 2017 استئنافه بيع السيارات في إيران للمرة الأولى منذ 17عاما. لكنها قد تضطر الآن للاختيار بين إيران والولايات المتحدة، ثاني أكبر سوق لبيع السيارات في العالم والتي تمتلك فيها حصة لا بأس بها. كما أن شركة صناعة السيارات الفرنسية "بي إس إيه" تنافس بقوة في إيران، حيث تبلغ نسبة حصتها في السوق المحلية حوالى 30 بالمئة. ويبدو أن الشركة ستضطر لإعادة النظر في الهدف الذي أعلنته مؤخرا في يناير/كانون الثاني الماضي عن اهتمامها بالعودة إلى السوق الأمريكية بعد غياب عنه منذ العام 1991. مواطنتها الفرنسية "رينو" ستتضرر أيضا بشكل كبير من العقوبات الأمريكية خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته في السوق الإيرانية ببيعها 160 ألف سيارة العام الماضي فقط. وأمام هذا الموقف الحساس للشركات الفرنسية أصدرت شركة "بيجو-ستروين" بيانا الأربعاء قالت فيه إنها تأمل أن يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفا مشتركا بشأن إيران. وقال متحدث باسم الشركة "شأننا شأن الأطراف الاقتصادية الأخرى، نتابع تطورات الوضع، ونتابع أيضا الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي في هذه القضية" مضيفا أن بيجو تأمل في أن يكون موقف الاتحاد الأوروبي بخصوص إيران "موحدا". كذلك شركة النفط الفرنسية العملاقة "توتال"، فتواجه خطر خسارة عقد بقيمة خمسة مليارات دولار للمساعدة في تطوير حقل غاز بارس الجنوبي. وحذرت "توتال" من أن الاستمرار في المشروع يعتمد على وضع الاتفاق النووي. وليست الشركات الأوروبية في قطاع السفر والسياحة ببعيدة عن العقوبات الأمريكية، وسيتعين على كل من شركتي طيران "بريتيش إيرويز" و"لوفتهانزا" الاختيار بين الإبقاء على رحلاتهما المستأنفة إلى طهران أو المحافظة على رحلاتهما الدولية إلى الولايات المتحدة. وتواجه أيضا سلسلة فنادق "أكور" الفرنسية الخيار ذاته، حيث كانت قد افتتحت فندقا في إيران عام 2015. وتواجه كذلك مجموعات أخرى في قطاع الفنادق على غرار "ميليا هوتيلز إنترناشونال" الإسبانية هذه المعضلة. ماذا ستفعل أوروبا؟ هذا الموقف الحساس دفع بالرئاسة الفرنسية إلى الحديث في محاولة منها لطمأنة تلك الشركات العملاقة، وقال مصدر بها الأربعاء إن فرنسا وشركاءها الأوروبيين سيعملون جاهدين لحماية مصالح شركاتهم في إيران بعد أن قالت الولايات المتحدة إنها ستعيد فرض عقوبات صارمة على طهران. وقال المصدر "من المؤكد أننا سنبذل كل شيء فيما يتعلق بشركاتنا لحماية مصالحها". الشركات الأجنبية الأخرى في إيران ليست الشركات الأوروبية وحدها هي من سيطالها الحظر والعقوبات الأمريكية، فهناك شركات أمريكية عملاقة شدت الرحال إلى السوق الإيرانية بمجرد رفع العقوبات بعد توقيع اتفاق (5+1) مع طهران. هذه الشركات في المقابل ليس لديها أي هامش للمناورة مع حكومتها، وأي محاولة منها لتحدي قرارات ترامب لن تبوء فقط بالفشل بل وخسارة ملايين الدولارات في السوق الأمريكية. من هذه الشركات عملاق صناعة الطائرات العالمي "بوينغ". وكانت بوينغ قد أعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2016 عن اتفاق لبيع 80 طائرة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية بقيمة 16,6 مليار دولار. وأعلنت كذلك عن صفقة في نيسان/أبريل 2017 لبيع 30 طائرة من طراز بوينغ 737 ماكس بقيمة ثلاثة مليارات دولار لشركة طيران "آسمان" مع حقوق شراء 30 أخرى. وأكدت شركة صناعة الطيران أن العقود مع إيران ستشكل دعما لعشرات آلاف الوظائف. ولكن رغم ذلك أفادت الشركة الثلاثاء الماضي أنها ستتبع سياسة الولايات المتحدة حيال إيران. هناك أيضا شركة "جنرال إلكتريك" الأمريكية التي حصلت فروعها خارج الولايات المتحدة منذ 2017 على عقود تبلغ قيمتها ما مجموعه عشرات ملايين الدولارات لمعدات لمشاريع إنتاج الغاز ومصانع الغاز والمواد البتروكيماوية، وفق سندات مالية بتاريخ 1 أيار/مايو الجاري. حسين عمارة نشرت في : 10/05/2018
مشاركة :