عاد السياسي الماليزي المخضرم مهاتير محمد، الذي يتمتع بشعبية كبيرة بين الماليزيين، إلى رئاسة الوزراء مجدداً، وهو في ال 92 من العمر، وبعد 15 عاماً من اعتزاله. ويبدو أنه عاد إلى غمار السياسة والقيادة من جديد؛ ليصحح ما وصفه ب «أكبر غلطة في حياتي»، وهي تقاعده. وأدى مهاتير محمد، أمس الخميس، اليمين الدستورية لتولي رئاسة الوزراء في البلاد؛ إثر فوزه الساحق والمفاجئ في الانتخابات، الذي أطاح هيمنة حزب الجبهة الوطنية، التي تتولى الحكم في البلاد منذ أكثر من ستة عقود. وارتدى مهاتير الزي التقليدي للمالاي، وأدى اليمين في القصر الوطني، أمام السلطان محمد الخامس في مراسم بثها التلفزيون الرسمي على الهواء. واصطف مئات الماليزيين على جانبي الطريق المؤدي إلى القصر ولوحوا بأعلام التحالف الذي يقوده مهاتير. وبعد أدائه اليمين، أضاءت الألعاب النارية سماء كوالالمبور التي عمتها الاحتفالات. وفي تغير كبير للمشهد السياسي في ماليزيا، حقق مهاتير فوزاً غير متوقع في الانتخابات التشريعية، التي جرت الأربعاء، على رأس تحالف يضم أحزاباً كانت تعارضه أثناء توليه السلطة خلال عقدين من الزمن. وتقدم بفارق كبير على التحالف الحاكم «باريسان ناسيونال» (الجبهة الوطنية) الذي حكم ماليزيا بشكل غير منقطع منذ استقلال المستعمرة البريطانية السابقة في 1957. وعاد الرجل القوي إلى الساحة السياسية؛ بعدما حكم البلاد على مدى 22 عاماً لتولي السلطة من نجيب رزاق، الذي شوهت صورته فضيحة مالية كبيرة. وكانت المعارضة واجهت معركة كبرى في الانتخابات؛ بسبب محاولات نجيب رزاق التمسك بالسلطة. ودفع الاستياء من ارتفاع كلفة المعيشة وانتشار الفساد بعدد كبير من الناخبين المالاي إلى الانسحاب من «المنظمة الوطنية للمالاي المتحدين» حزب نجيب عبد الرزاق، الذي يشكل أغلبية ضمن الائتلاف الحاكم.مهاتير الطبيب الذي مارس الطب لسبع سنوات قبل أن ينخرط في المناصب التنفيذية، اختلف مع تلميذه (وزير الدفاع الأسبق) رئيس الوزراء نجيب رزاق والحزب الحاكم (أومنو)، فقاد ائتلاف المعارضة «باكاتان هاربان» في المعركة الانتخابية.وأظهرت النتائج الرسمية أن التحالف الذي يقوده مهاتير حصل على 113 مقعداً في البرلمان الذي يضم 222 مقعداً، أي ما يزيد بمقعد واحد على العدد المطلوب؛ لكي يتولى السلطة. ويحظى مهاتير بدعم من مجموعة أحزاب سيؤيد 135 عضواً منها في البرلمان حكومته. وحصل تحالف باريسان الذي يتزعمه نجيب على 79 مقعداً وهو ما يقل بشدة عن 133 مقعداً فاز بها التحالف في الانتخابات التي أجريت في عام 2013 والذي كان آنذاك أسوأ أداء انتخابي للتحالف على الإطلاق.كان مهاتير قد انضم ل «أومنو» في سن 21 عاماً، وظل يمارس الطب لسبع سنوات قبل أن يصبح عضواً في البرلمان عام 1964.وفي عام 1969 فقد مقعده في البرلمان وطرده الحزب بعد كتابته خطاباً مفتوحاً لرئيس الحكومة حينئذ تنكو عبد الرحمن.وكتب لاحقاً كتاباً حمل اسم «معضلة الملايو» تحدث فيه عن تهميش سكان البلاد من المالاي وانتقدهم لقبولهم وضعية المواطن من الدرجة الثانية.وقد حاز في ذلك الوقت دعم القادة الشباب في «أومنو» فعاد للحزب، وانتخب مجدداً في البرلمان، وعين وزيراً للتعليم، وخلال 4 سنوات أصبح نائباً لرئيس الحزب، وفي عام 1981 بات رئيساً للوزراء.وفي ظل حكمه تحولت ماليزيا إلى أحد النمور الآسيوية في التسعينات، وعكس مشروع مثل البرجين التوأم «بيتروناس» طموحات مهاتير محمد، فهو قومي ووطني منفتح وعصري ومتمسك بدينه الإسلامي. وقد صمم مهاتير بنفسه قاعدة برجي بتروناس على شكل الثماني الزخرفي الإسلامي. وقد أكسبته سياساته الوطنية شعبية في ماليزيا. وكان متشدداً ضد الفساد السياسي والإداري والأخلاقي، خاصة وسط المسؤولين السياسيين والتنفيذيين.ورغم أن مهاتير أدخل ماليزيا إلى عصر العولمة إلا أنه لم يكن يتردد في انتقاد الدول الغربية، وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2003 أثار غضب الحكومات الغربية والجماعات اليهودية عندما قال إن اليهود «يحكمون العالم». وكان مهاتير قد أعلن في 2003 أنه يترك منصبه «محبطاً؛ لأنني لم أحقق سوى القليل في مسيرتي السياسية التي أردت جعلها مسيرة ناجحة ومحترمة».ورغم تقاعده لم يترك السياسية. فقد دأب على توجيه الانتقادات علناً لخليفته عبد الله بدوي. وبعد الانتخابات الباهتة للائتلاف الحاكم عام 2008 ترك مهاتير الحزب الحاكم في خطوة اعتبرها الكثيرون ضغطاً على بدوي كي يتنحى. وكان مهاتير قد دعم في البداية رئيس الوزراء نجيب رزاق ثم انقلب عليه واتهمه بالفساد. وعلى إثر ذلك انسحب مع عدد من كبار مؤيديه من أومنو وانضموا للمعارضة عام 2016. وفي يناير/كانون الثاني الماضي أعلن عزمه خوض الانتخابات في سن ال 92. (وكالات)
مشاركة :