تتزايد معاناة العمال الأجانب، الذين يعملون في قطاع الإنشاءات في قطر على الرغم من الوعود بإصلاح أوضاعهم، ويعاني هؤلاء ظروف عمل غير آدمية، وإقصاء وحقوقاً منعدمة، وتعاملاً عنصرياً يزدري إنسانيتهم في غياب تام عن أجهزة العدالة في ما يجعلهم يلجأون للبحث عن العدالة فيما وراء حدود الدوحة. ومن بين هؤلاء العمال أصحاب الحظ السيئ مئات العمال الذين يعملون لتحويل ضاحية مشيرب، وهي مدينة جديدة في الدوحة، إلى منطقة فنادق، وشقق فاخرة ومركز مالي يشبه «وول ستريت»، بكلفة إجمالية قدرها 5.5 مليار دولار، وفقاً لتقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية. وعلى بُعد 10 دقائق فقط بالسيارة من المكتب الجديد لمنظمة «العمل الدولية» في العاصمة القطرية، يشرح «نابين» (20 عاماً)، الذي طلب استخدام اسم مستعار؛ لحماية هويته مثل سائر زملائه الذين يتحدثون للإعلام بحذر، كيف لم يدفع صاحب العمل أجره منذ شهرين.وبينما تسعى الشركات القطرية إلى جذب عمال نيبال بالترويج إلى حد أدنى للأجور يصل إلى 1100 ريال قطري شهرياً (300 دولار، 250 يورو)، يقول «نابين»: إنه يعيش بمبلغ أقل بكثير في واحدة من أغنى دول العالم. وأضاف: «في بلدي وعدت ب1100 (ريال)، ولكن في الشهرين الماضيين لم أحصل على راتبي، لقد أعطوني 100 ريال مقدماً».وأشار «نابين» إلى أنه لا يستطيع شراء الطعام، واضطر إلى تناول الطعام في معسكر العمل؛ حيث يقدمون الدجاج منتهي الصلاحية.من جانبه، تقدم سومون، وهو نجار من بنجلاديش، بشكوى في المحكمة ضد شركته، وما زال ينتظر بعد مرور عام. وقال: إن شركته رفضت تسليمه تصريح إقامته، ودفع 7000 ريال للحصول على تصريح إقامة، ولكن الشركة لم تجهزه، مضيفاً: قلت لهم أعطوني التصريح، أنا في حاجة إليه للسفر؛ ولكن لم أحصل على أي شيء. وتابع الشاب البالغ من العمر (24 عاماً): «إذا استطعت الحصول على التصريح الخاص فسوف أغادر». كما يشتكي العديد من العمال من مضايقات الشرطة التي تطالب بأموال من أولئك الذين ليست لديهم رواتب، ويقولون إن زميلاً غير محظوظ تم ترحيله مباشرة إلى خارج البلاد عندما لم يتمكن من الحصول على تصريح إقامته.ولا يزال آخرون، بما في ذلك بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، يشككون في أن تعهدات الإصلاح لم يتم الوفاء بها إلى حد كبير، كما لم يتم التعامل مع الوعود السابقة لإنهاء نظام تأشيرات الخروج.وتعكس محنة العمال في «مشيرب» العشرات من القصص المحزنة للعديد من العمال التي انتشرت منذ أن سلم الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قطر حق تنظيم نهائيات كأس العالم 2022. كما تظهر أن الإصلاحات المعمول بها بما في ذلك قانون يضمن دفع الأجور بالكامل فشلت في حماية الفئات الأكثر ضعفاً.وبالعودة إلى مشيرب، قال «أشيك»، إن أولئك الذين من المفترض أنهم الأكثر تأثراً بالإصلاحات الأخيرة لم يسمعوا شيئاً عنها، بينما يقول سومون، إن الحد الأدنى للأجور ينبغي رفعه إلى 1500 ريال؛ للسماح لمن يبنون قطر بالاستمتاع بحياة كريمة. في السياق، قالت صحيفة «كاتماندو بوست» النيبالية في افتتاحية بعنوان «النيباليون في قطر»، إن العمال المهاجرين يعيشون في ظل نظام إقصاء وعزلة دون أي حماية لحقوق الإنسان. وأشارت إلى أن نقص العمالة في قطر اشتد بعد أن قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تنظيم كأس العالم 2022 بالدوحة؛ حيث سد النيباليون الفراغ بسرعة، ومعظمهم من العمال غير المهرة؛ حيث يشكلون أكبر مجموعة من العمال المهاجرين في البلاد.ولفتت إلى أن قطر استوعبت أكثر من 600 ألف عامل مهاجر نيبالي، أي 85% من القوى العاملة المهاجرة في قطر. وأمام التحويلات المالية القليلة إلى أسرهم، يدفع العمال النيباليون في قطر ثمناً باهظاً، فهؤلاء يعيشون تحت اسم «حالة الاستثناء» ضمن نظام رسمي للاستبعاد دون أي مطالبة قانونية بحقوق الإنسان وحمايتها. وأوضحت الصحيفة النيبالية، أن السبب وراء سوء المعاملة المؤسسية واستغلال النيباليين وغيرهم من العمال المهاجرين يكمن جزئياً في رؤية النظام القطري الذي ينظر إلى المهاجرين الذين ينحدرون من بلدان نامية نسبياً بازدراء وتحامل عنصري قوي. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية في مارس/آذار، فإن عدد الوفيات غير الطبيعية بين العمال المهاجرين، التي تتعلق في الغالب بأعمال بناء كأس العالم 2022، وصل إلى 1800 منذ عام 2014؛ ومن المتوقع أن يرتفع إلى 7 آلاف مع انطلاق كأس العالم في 2022. وبينما لا يذكر التقرير العدد الدقيق لوفيات المهاجرين النيباليين، فإنه من المنطقي القول إنها يجب أن تكون عالية جداً.
مشاركة :