لندن – رجح محللون أن تحقق معظم دول الخليج مكاسب كبيرة من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، لكنهم أشاروا إلى أن قطر ستكون أكبر المتضررين بهروبها من عزلتها الاقتصادية إلى أحضان طهران. مع ارتفاع أسعار النفط، تتجه الدول الخليجية الكبرى وخاصة السعودية لتحقيق مكاسب مالية وسياسية من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. ويرى دبلوماسيون أن السعودية كانت ترغب في هبوط أسعار النفط في ظل تخمة المعروض عام 2014، لأسباب بينها أن انخفاض سعر الخام يقلص دخل خصمها اللدود إيران ويحد من قدرتها على تمويل حروب بالوكالة في دول المنطقة. كانت تلك مفاضلة صعبة أضرت أيضا بالاقتصاد السعودي. أما الآن، فقد بات الوضع مثاليا للرياض، إذ يبدو أن قرار ترامب سيقلص على الأرجح دخل إيران النفطي في وقت يفسح فيه المجال أمام دول الخليج لتعزيز صادراتها من الطاقة. وقالت مونيكا مالك كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري إن ذلك قد يعود بالنفع على برنامج الإصلاح السعودي الطموح، الذي يهدف لخلق فرص عمل وصناعات جديدة فضلا عن خفض عجز ضخم في موازنة الدولة. مونيكا مالك: قرار الرئيس الأميركي قد يعود بالنفع على برنامج الإصلاح السعودي الطموح مونيكا مالك: قرار الرئيس الأميركي قد يعود بالنفع على برنامج الإصلاح السعودي الطموح وأضافت أن “السعودية قد تبدأ في زيادة إنتاجها النفطي في وقت أضحت فيه أسعار النفط مرتفعة بالفعل. هذا يوفر لهم مزيدا من الأموال لدعم برنامجهم الاستثماري بينما يتقلص العجز”. وأقر مسؤول اقتصادي لوكالة رويترز أن ارتفاع الدخل النفطي من شأنه تعزيز السيولة في القطاع المصرفي الإماراتي رغم تصاعد التوترات السياسية المرتبطة بإيران. وسيتوقف الأثر الواقع على صادرات النفط الإيرانية على كيفية تعاطي المشترين في آسيا وأوروبا مع العقوبات الأميركية، لكن محللين يتوقعون هبوط الإنتاج بما يتراوح بين 300 ألف ومليون برميل يوميا من نحو 3.8 مليون برميل يوميا. ومن المتوقع أن تسد السعودية جزءا كبيرا في تلك الفجوة، بعد أن أكد مسؤول سعودي الأربعاء أن الرياض ربما تزيد إنتاجها لتعويض أي نقص في المعروض. وتوقعت مالك ارتفاع إيرادات النفط السعودي، التي بلغت 117.3 مليار دولار العام الماضي بما يصل إلى 9 بالمئة هذا العام عن المستوى الذي كانت ستصل إليه دون قرار ترامب. وبناء على تلك التقديرات، من المفترض أن يبلغ متوسط إنتاج النفط السعودي 10.2 مليون برميل يوميا هذا العام بدلا من 9.94 مليون برميل يوميا، وأن تؤدي التوترات المتزايدة إلى ارتفاع متوسط أسعار الخام هذا العام بنحو 3 دولارات للبرميل. لكن قرار ترامب قد يحمل جوانب سلبية أيضا لبعض دول الخليج. فالدول الأوروبية تحاول المحافظة على الاتفاق النووي لكنه قد ينهار تماما مما يثير مخاطر تزايد حدة الصراع في المنطقة. وقال مصرفي إماراتي “هذا سيؤثر على نظرة المستثمرين الأجانب للمنطقة. سيكون هناك المزيد من السلبية وتسليط أكبر للضوء على المخاطر”. وستكون قطر من أكبر الخاسرين بعد أن ارتمت في أحضان إيران وستقلص العقوبات أحد نوافذها القليلة على العالم الخارجي منذ مقاطعتها من قبل السعودية والإمارات ومصر والبحرين بسبب دعمها للإرهاب. وستجد الدوحة صعوبة في مواصلة استرضائها لطهران في ظل تشديد السياسة الأميركية تجاه إيران، خاصة بعد اتهام الرئيس الأميركي للسلطات القطرية مرارا بدعم الإرهاب. وقد تعاني سلطنة عمان، التي كانت تأمل بأن تدعم الاستثمارات الإيرانية خطط التوسع الصناعي. ففي العام الماضي وقع البنك المركزي العماني مذكرة تفاهم مع نظيره الإيراني بهدف تعزيز التجارة. مهرداد عمادي: اضطرابات سوق العملة الإيراني تشبه حالة عدم الاستقرار في فنزويلا مهرداد عمادي: اضطرابات سوق العملة الإيراني تشبه حالة عدم الاستقرار في فنزويلا غير أنه من المتوقع أن يستمر جزء كبير من التجارة مع إيران، ربما من خلال اتفاقات المقايضة التي ازدهرت في ظل العقوبات التي كانت مفروضة قبل أن يدخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ في عام 2016. وقد تتأثر دبي، وهي مركز تقليدي للأنشطة الإيرانية، في وقت أصبحت فيه الشركات أكثر حرصا في المعاملات التجارية مع إيران لأنها ترى مخاطر أكبر لوقوعها تحت طائلة إجراءات قانونية أميركية. وباستثناء تلك التأثيرات السلبية المحدودة فإن دول الخليج الثرية المصدرة للنفط لا تربطها بإيران سوى علاقات استثمارية وتجارية محدودة جدا، وهو ما يعني أن هذه الدول لن تخسر كثيرا. وفقد الريال الإيراني في يوم واحد بعد إعلان ترامب ما يصل إلى ربع قيمته لترتفع خسائره إلى أكثر من 50 بالمئة منذ بداية العام وهو ما يظهر أن الإيرانيين يتوقعون أوقاتا اقتصادية عصيبة. ويعاني الاقتصاد الإيراني قبل قرار ترامب بوقت طويل من ارتفاع معدل البطالة إلى 30 بالمئة أو أكثر من ذلك بين الشباب، ومن نظام مصرفي مثقل بالديون ويشارف على الإفلاس. وينذر القرار الأميركي بانخفاض دخل إيران من الصادرات وانحسار قدرتها على الحصول على العملة الصعبة ومعاناة المصارف من مشاكل قد تؤدي لحدوث أزمة مالية كبيرة. وأشار مهرداد عمادي مدير تحليل مخاطر الطاقة لدى شركة بيتاماتريكس للاستشارات إلى أن الاضطرابات في سوق العملات تشبه حالة عدم الاستقرار التي شهدتها فنزويلا هذا العام. وقال إن “الأمر ببساطة هو أن الاقتصاد الإيراني مثل شاحنة عملاقة عليها حمولة ثقيلة وتسير بمحرك دراجة”.
مشاركة :