* تبدو إشكالية المصطلح بالنسبة للتطرف كأحد أهم أسباب انتشاره وبقائه حرًا طليقًا، وأحد أشد عوائق محاربته والقضاء عليه.. فالتطرف الذي يعد اليوم أحد أكبر (المطلوبين أمنيًا) من قبل كل دول العالم لا يزال يتنفس ويعيش ويضرب بقوة -للأسف- بفضل اختلافاتنا حوله، والضبابية التي تلفه، وعدم وجود معايير ثابتة وحدود معروفة ومتفق عليها تتم محاسبة كل من يتجاوزها!. * يُعرّف التطرف على أنه تجاوز حد الاعتدال.. وهذا قد يكون صحيحًا في العموم.. لكن الإشكالية تكمن في السؤال: من يقرر حد الاعتدال هذا؟!.. فهو حد نسبي يختلف باختلاف ثقافات الناس وعقائدهم وبيئاتهم وأيديولوجياتهم وتنشئتهم الفكرية.. وما تعده أنت فعلًا متطرفًا، قد لا يراه الآخرون كذلك، هذا التفاوت هو الباب الذي يقتات منه التطرف ويتنفس به المتطرفون!. بالنسبة لي مثلًا تقف داعش اليوم على قمة هرم الإرهاب والتطرف واللا انسانية، وهذا قد لا يكون غريبًا أو مفاجئًا لأحد.. لكن الغريب والمفاجئ والمؤسف في آنٍ أن تجد من أبناء هذا البلد من يتعاطف مع هذه الفرقة الإجرامية، ويجد لها المبررات والأعذار ولا يرى في أعمالها أي خروج أو تطرف، بل ويصل الحال بالبعض إلى دعمها ماديًا ولوجستيًا بناء على فهم وتفسير خاطئ للنصوص الدينية!. * الوسطية إذًا مسألة نسبية.. يجب ألا تترك لتقدير الناس، وإلاّ فالكل سيعتبر نفسه وسطيًا، وسيرمي الآخرين بالتطرف أو التراخي.. الأمر هنا يُشبه كثيرًا قيادتك للسيارة، فمهما كانت سرعتك ستعتبر أي شخص يسير أبطأ من (سرعتك المفضلة) أحمق ومعيقًا للسير، وستنظر لأي شخص يسير أسرع منك متهورًا ومجنونًا!.. لكن عندما تتدخل الدولة وتقرر حدًا نظاميًا للسرعة فإنها تقطع كل الطرق على الاجتهادات والرؤى الشخصية، وتقرر حدًا معلومًا يعاقب ويجرّم كل من يتجاوزه. * مهما كانت قوتك لا يمكنك محاربة الأشباح والأشياء المبهمة وغير المعلومة، لذا فلكي نقضي على التطرف والتشدد والغلو لا بد أولًا أن يتفق المجتمع بكافة طوائفه وشرائحه على حدود ثابتة ومعروفة ومعلنة تحفظ الأمن والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، ويجرّم كل من يتجاوزها.. وإلاّ فسنكون كـ"دون كيشوت" ذلك الفارس الحالم الذي أفنى عمره في محاربة طواحين الهواء. m.albiladi@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :