العراق: إجراء الانتخابات التشريعية وسط انقسامات شعبية عميقة

  • 5/12/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتوجه السبت الناخبون العراقيون للاقتراع في أول انتخابات تشريعية تجرى في البلاد بعد طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من آخر معاقله في العراق. وتجري الانتخابات وسط انقسامات تمزق الجماعات الرئيسية الثلاثة في البلاد، الشيعة والسنة والأكراد. تنطلق السبت 12 مايو/أيار الانتخابات التشريعية العراقية لاختيار نواب الشعب في البرلمان ورئيس الوزراء. فيما بدأ العراقيون في الخارج وقوات الأمن في التصويت اليوم الخميس. وقالت مفوضية الانتخابات إن النتائج ستظهر بعد "ساعات" من إغلاق مراكز الاقتراع. ولأول مرة منذ طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من البلاد يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات ستحدد شكل المساعي التي ستبذل لعلاج الانقسامات العميقة في البلاد وربما تحدث تحولا في توازنات القوى الإقليمية. وتجرى الانتخابات بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني مما أثار توترات بين الحليفين الرئيسيين للعراق وهما طهران وواشنطن. ويسود التوتر بين الجماعات الطائفية والعرقية الثلاث الرئيسية في العراق، وهي الأغلبية الشيعية العربية والأقلية السنية العربية والأكراد، منذ عشرات السنين ومازالت الانقسامات العرقية متأججة بعد مرور 15 عاما على سقوط حكم صدام حسين. وأيا كان الفائز في الانتخابات فإنه سيواجه تحديا يتمثل في إعادة إعمار العراق بعد حرب استمرت أربع سنوات مع تنظيم "الدولة الإسلامية" وإنعاش الاقتصاد المتداعي وتحقيق قدر من التوازن بين مصالح الأطراف الأجنبية القوية والإبقاء على الوحدة الهشة للبلاد في مواجهة توترات طائفية ونزعات انفصالية. لكن كثيرا من الناخبين لا يرون أن الانتخابات ستحدث أي تغيير. المرشحون الأكثر حظا حيدر العبادي ويرى المحللون أن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يتقدم بفارق ضئيل على منافسيه لكن فوزه ليس مضمونا. ورغم إعلانه هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" خلال فترة ولايته الأولى التي استمرت أربع سنوات، وتمكنه من تهدئة التوترات الطائفية التي أججها سلفه، وحفاظه على وحدة العراق في مواجهة مساعي الأكراد للانفصال فإنه يواجه معركة انتخابية شرسة. ويواجه العبادي انتقادات بشأن الفساد الحكومي المستمر والظروف الاقتصادية الصعبة والإجراءات التقشفية التي اتخذتها حكومته لدفع تكاليف قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد تراجع أسعار النفط العالمية. كما أنه لا يمكنه الاعتماد فقط على أصوات طائفته لأن أصوات الأغلبية الشيعية مقسمة على غير العادة هذا العام. وهو يتطلع لحشد التأييد من جماعات أخرى حيث يعتبر كثيرون من طائفة السنة، وليس كلهم، العبادي بديلا أقل طائفية من منافسيه الرئيسيين الشيعيين، وينسبون له الفضل في تحرير مناطقهم من تنظيم "الدولة الإسلامية". لكن العلاقات ليست على ما يرام بين العبادي والأكراد منذ أن فرضت بغداد عقوبات على إقليم كردستان شبه المستقل في أعقاب محاولة فاشلة للاستقلال العام الماضي. وحتى إذا فازت "قائمة النصر" التي تضم مرشحي العبادي بأغلب المقاعد سيتعين عليه خوض مفاوضات معقدة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية. ومنافساه الرئيسيان هما سلفه نوري المالكي، وهادي العامري الذي يقود فصيلا شيعيا مدعوما من إيران. وكلاهما يتمتع بقاعدة ناخبين أكثر حماسا مما لدى العبادي الذي يحظى بتأييد الناخبين البراغماتيين الذين ينظرون إليه باعتباره يتمتع بعلاقات أوثق مع العالم الخارجي وبقبول عابر للطوائف وهو أمر مطلوب لتجنب المزيد من إراقة الدماء ولجذب الاستثمارات. هادي العامري ومثل العبادي، يعتمد العامري على برنامج يرتكز على الانتصار على تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن أسلوب خطابه أكثر جذبا باعتباره كان قائدا ميدانيا في الصفوف الأولى وينظر إليه العديد من الشيعة باعتباره بطل حرب. نوري المالكي أما المالكي الذي نُحي جانبا بعد أن أمضى ثماني سنوات في السلطة بعد أن خسر ثلث مساحة البلاد لصالح تنظيم "الدولة الإسلامية" فيتطلع للعودة. وعلى عكس الرسالة العابرة للطوائف التي يوجهها العبادي، يصور المالكي نفسه مرة أخرى باعتباره البطل الشيعي ويقترح التخلي عن نموذج اقتسام السلطة غير الرسمي المطبق في البلاد والذي يضمن لجميع الأحزاب الرئيسية تمثيلا في الحكومة. نموذج اقتسام السلطة في العراق تُقسم المناصب الحكومية العليا بشكل غير رسمي بين الجماعات الرئيسية في البلاد منذ سقوط صدام حسين في 2003 ونهاية عقود من هيمنة الطائفة السنية. وخُصص منصب رئيس الوزراء وفقا لهذا التقسيم للشيعة فيما خُصص منصب رئيس البرلمان للسنة أما الرئاسة، وهي منصب شرفي، فقد خُصصت للأكراد فيما يختار البرلمان الشخصيات التي تشغل تلك المناصب. وفي انتخابات هذا العام ترشح أكثر من سبعة آلاف شخص في 18 محافظة للتنافس على مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 مقعدا. ويحدد الدستور العراقي مهلة 90 يوما لتشكيل حكومة بعد إعلان نتائج الانتخابات رسميا فيما يطول أمد المساومات السياسية في تلك الفترة. أعباء الحكومة الجديدة وسيكون على الحكومة الجديدة أيضا أن تتعامل مع التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران. وحظي العبادي رئيس الوزراء بالإشادة على حنكته في إدارة المصالح المتعارضة للدولتين الرئيسيتين الداعمتين لبلاده. وبينما حافظت حكومته على علاقات جيدة مع إيران فقد اعتبر هو شخصية متوازنة. ويقول دبلوماسيون غربيون إنه سيكون المرشح الأيسر في التعامل معه. ويعتبر المالكي، الذي دفع القوات الأمريكية للانسحاب، والعامري، الذي يتحدث الفارسية بطلاقة وقضى سنوات في المنفى في إيران خلال عهد صدام، مقربين من طهران أكثر بكثير من العبادي. الانقسامات تعم الجميع تجرى الانتخابات في أجواء من الانقسام والتحرر من الأوهام داخل الجماعات الأساسية الثلاث. وأصوات الشيعة منقسمة في ظل استياء الكثيرين من قادتهم بعد 15 عاما في السلطة لم تُنتج سوى العنف والبطالة فضلا عن بنية تحتية متداعية. وإن كان الشيعة منقسمين بسبب كثرة القادة فإن السنة منقسمون لعدم وجود قيادة، فهم في أسوأ حال، إذ يقبع الملايين منهم في مخيمات للنازحين ولا يملك كثيرون منهم أموالا ويحاولون إعادة بناء منازلهم التي دمرت في مدن تحولت إلى أنقاض، ويشعرون بأنهم موصومون بشكل جماعي بالتعاطف مع تنظيم "الدولة الإسلامية". وفقد القادة السياسيون السنة الذين تقلدوا مناصب في الحكومة ثقة الناس إلى حد كبير وليس هناك قيادة قومية سنية ولا هيكل حزبي. أما الأكراد فيحملون قادتهم مسؤولية المقامرة بحكم ذاتي حصلوا عليه بصعوبة من أجل استفتاء فاشل على الاستقلال وقد يعاقبونهم بمنح. أصواتهم لأحزاب غير تقليدية جديدة تسعى لملء الفراغ، ومن أبرزها "تحالف الديمقراطية والعدالة" بزعامة رئيس وزراء إقليم كردستان السابق برهم صالح، وهو تلميذ الرئيس الراحل جلال الطالباني، ويخوض حملة مناهضة للفساد وهي قضية تحظى باهتمام كبير من كثير من الناخبين الأكراد. لكن مثل تلك الأحزاب بدورها قد تقوض الموقف الكردي الموحد تاريخيا ككتلة مؤثرة تلعب دور صانع الملوك في البرلمان. مخاوف أمنية ويخيم جو من الترقب والخشية وكذلك الاستنفار الأمني على هذه الانتخابات خاصة بعدما هدد تنظيم "الدولة الإسلامية" بمهاجمة مراكز الاقتراع وسط تصاعد الحوادث الأمنية في الآونة الأخيرة في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من قبضة المتشددين.   فرانس24/رويترز نشرت في : 12/05/2018

مشاركة :