الرباط - يحاول حزب التقدم والاشتراكية المغربي أن يؤسس لمرحلة جديدة من مسيرته يستعيد من خلالها موقعه في المشهد السياسي بالبلاد إلى جانب تحسين صورته، بعدما أضرها تحالفه مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل حكومات سابقة. ويتمسك قطاع واسع من أنصار الحزب بضرورة تغيير القيادة، إذ يرونه عاملا أساسيا لضخ دماء جديدة للحزب وتعزيز الديمقراطية داخله. تنافس في انتخابات الأمانة العامة لحزب التقدم والاشتراكية كل من الأمين العام المنتهية ولايته نبيل بن عبدالله وسعيد فكاك عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، خلال المؤتمر العاشر للحزب الذي التأم الجمعة والسبت تحت شعار “نفس ديمقراطي جديد”. وقال بن عبدالله إن حزبه اعتاد على الممارسة الديمقراطية الشريفة في ظل تواجد ترشيحين لقيادة الحزب. فيما اعتبر فكاك أن ترشحه جاء لعدة أسباب خاصة معارضته لترشح بن عبدالله لولاية ثالثة على رأس الحزب، مرجعا ذلك إلى أن طول تحمل المسؤولية السياسية يخلق الكثير من المشكلات للحزب ويعطي صورة سلبية عنه. وأشار فكاك، عقب افتتاح المؤتمر السبت، إلى أن الشباب لن يتحمس للعمل السياسي مع بقاء بنعبدالله لسنوات على رأس الحزب. واعتبر أن الأمر قد يبين أن ليس هناك طاقات في الحزب، مشددا على أن من شأن التداول وتغيير القيادات أن يعطي دماء جديدة للحزب ويقوي الديمقراطية داخله وأيضا يعزز دور الحزب في المشهد السياسي. وقال أحمد كجي عضو اللجنة المركزية للتقدم والاشتراكية، لـ”العرب”، إنه لم يسبق للحزب أن عرف تنافسا حقيقيا على مستوى قيادته مثل ما يعيشه في المؤتمر الحالي. وأوضح كجي أن “مرد ذلك إلى أن المنافس هذه المرة للأمين العام المنتهية ولايته شخص استثنائي بجميع المقاييس كون سعيد فكاك مناضلا مخضرما عايش مرحلة التجاذب بين الفرقاء السياسيين خلال ما يعرف بسنوات الرصاص ومرحلة التوافقات السياسية الكبرى والمصالحة مع الماضي والاعتراف والانفتاح المتبادل بين الدولة والقوى السياسية الوطنية والديمقراطية”. قيادي من حزب التقدم والاشتراكية يقول إنه لم يسبق للحزب أن عرف تنافسا حقيقيا على مستوى قيادته مثل ما يعيشه في المؤتمر الحالي وشدد نبيل بن عبدالله، في تصريح للصحافة، على أنه “سنخرج مجددا بقيادة موحدة لبلورة المضامين التي يراهن عليها الحزب خلال المرحلة المقبلة”. ويراهن بن عبدالله على قيادته للحزب لولاية أخرى رغم المنافسة القوية من طرف غريمه، واعتراضات تيارات داخل الحزب واتهامه بأن المؤتمرين المنتدبين لانتخاب هياكل وقيادة الحزب “تم اختيارهم على المقاس”. وأكد محمد ياوحي عضو اللجنة المركزية للتقدم والاشتراكية، لـ”العرب”، أن سعيد فكاك لم يكن يرتهن في قراراته لأحد وكان يفوض للرفاق في المكتب الوطني صلاحيات واسعة في التسيير. وكان حزب التقدم والاشتراكية قد عرف هبوطا حادا في عدد المقاعد داخل البرلمان بعد انتخابات أكتوبر 2016، أثر على تموقعه. وقال بنعبدالله إن نتائج “الحزب كانت صادمة ولم تعكس الوزن السياسي والانتخابي لحزبنا”، معتبرا أنه “تم حرمان حزبنا من مقاعد عديدة، في ما يبدو ضريبة سياسية عن مواقفه وتوجهاته وتعاقداته”، مشيرا إلى أن العمليةَ الانتخابية شابها اختلال وممارسات مشينة وخارجة عن القانون. وبرر نبيل بن عبدالله مشاركة حزبه في حكومتي 2012 و2016، التي قادها حزب العدالة والتنمية بأن فلسفة المشاركة السياسية “انبت على فلسفة مواصلة الإصلاح في كنف الاستقرار على أُسس برنامج محددة الحكم فيها هو العمل والإنجاز وخدمة المصلحة الوطنية العامة”. وتابع بن عبدالله قائلا إن حزبه لم يتخذ أي قرار حكومي كان فيه مساس بالحقوق أو الحريات أو بالمجال والمكتسبات الديمقراطية؛ بل بينت تجربة المشاركة في الحكومة أن حزب التقدم والاشتراكية ظل يقظا بخصوص كل ما من شأنه مخالفة التوجه القيمي الديمقراطي والتحديثي وعن شعار المؤتمر، “نفس ديمقراطي جديد”، قال بن عبدالله إنه “خطاب موجه إلى جميع الفرقاء السياسيين: يوجهه إلى حلفائه في الأغلبية كما يوجهه إلى الحكومة وإلى كل شرائح المجتمع المغربي على أساس أن يكون هناك وعي قوي بضرورة هذا النفس الديمقراطي الجديد”. وخرجت عدة أصوات من داخل حزب التقدم والاشتراكية تناقض الخط السياسي الذي نهجه الحزب بقيادة بنعبدالله، خصوصا بعد دخوله في تحالف مع حزب العدالة والتنمية منذ حكومة عبدالإله بن كيران وإلى حد الآن، وتم رفع دعوى قضائية من طرف تيار “قادمون” داخل الحزب، المعارض ضد الأمين العام المنتهية ولايته لأجل إيقاف أشغال المؤتمر على اعتبار أنه قام بإقصاء وتهميش كل معارض لسياسته. وفي اللقاء الذي جمع قيادتي حزبي العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، الاثنين الماضي، أكد الحزبان على التعاون والتنسيق بينهما ومواصلة العمل لإنجاح التجربة الحكومية الحالية. وقال مراقبون إن العدالة والتنمية يستفيد من تواجد التقدم والاشتراكية بجانبه داخل الحكومة ومساندا له من داخل البرلمان في تمرير العديد من السياسات وخصوصا ذات الطابع الاقتصادي، رغم اختلاف المرجعيتين فالتحالف بين الحزبين لا يزال قائما خصوصا مع اختيار حزب الاستقلال موقع المعارضة. ودافع بن عبدالله عن تحالف حزبه مع العدالة والتنمية. وفسر التقارب بين الحزبين بالدفاع عن الديمقراطية وأحكام دستور 2011. كما أكد أن حزبه أثر في العدالة والتنمية الذي أدخل قيما جديدة في مقاربته السياسية، في المقابل ظل التقدم والاشتراكية حزبا يساريا اشتراكيا وحداثيا.
مشاركة :