المرأة السعودية تخوض معركة افتراضية من أجل حرية اللباس

  • 5/13/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يُلزم المجتمع السعودي النساء بارتداء العباءة في الأماكن العامة تماشيا مع التفسير المحافظ للشريعة الإسلامية، غير أن مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تضج بحملات مثيرة للجدل، تشجع السعوديات على المطالبة بحرية اللباس. وكان المحفز على انتشار مثل هذه الحملات في الوقت الراهن القرارات التي أصدرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، والتي أعادت للمرأة بعض حقوقها المسلوبة، ومنها السماح لها بقيادة السيارة ودخول ملاعب كرة القدم، وقبلهما السماح لها ولأول مرة بالتسجيل كمرشحة وناخبة في الانتخابات البلدية في ديسمبر 2015. ولا يبدو أن موضوع الحجاب في السعودية يمثل أصل المشكلة، بقدر ما هو جزئية من توجه فرض على المجتمع في النظر إلى المرأة وفي التعاطي مع حقوقها، يبدأ من التعليم والعمل والنشاط الاجتماعي ومدونة الحقوق المدنية ودورها أصلا داخل الأسرة، وهي أمور بحاجة أن يشرعها القانون، وليست توجهات لحلقات دينية متشددة.كسر الحظر تأمل السعوديات أن يكون عهد الأمير محمد بن سلمان ثورة للتغيير في واقع المرأة، بعدما أعطى إشارات واضحة على أن السعودية مقبلة على تغير ثقافي واجتماعي واقتصادي، يبدو أنه سيمثل حقبة جديدة في الانفتاح الكبير والحريات العامة بالنسبة للمرأة والمجتمع السعودي ككل. وقد شهدت العاصمة الرياض ولأول مرة في تاريخ السعودية أسبوع الموضة العربي، الذي يأتي في إطار مجموعة من المبادرات تستهدف “انطلاق عهد ثقافي جديد”. ورغم أن التصميمات التي عرضت غلب عليها الاحتشام، إلا أن تنظيم هذا الحدث يعد في حدّ ذاته إضافة إلى الصورة التي يسعى ولي العهد السعودي إلى رسمها عن التوجه الجديد في بلاده، مما حمّس ناشطات لرفع سقف مطالبهن لتمتد إلى حرية اللباس، فنشرت الكثيرات هاشتاغات على موقع تويتر يطالبن فيها برفع الحظر المفروض على زي المرأة، معتبرات أن النقاب لا يمت للدين الإسلامي بصلة، وإنما هو تدخل بحرياتهن الشخصية، وطمس لطموحاتهن في الحياة وأسلوبهن في العيش، وينبغي أن ينعكس ذلك مثله مثل أي طموح آخر في الحياة. وتحت عنوان #النقاب_لا_يمثلني، قالت مغردة تسمي نفسها إيمان “إخفاء لهويتها لا يمثلني… الوجه كرامة وليس عورة”. وقالت مغردة أخرى “محاولة ربط العفة والشرف بغطاء الوجه أصبح شعارا مضروبا ومكشوفا لا قيمة له…”. وكان استطلاع سابق للرأي أجراه معهد جامعة ميتشيغان الأميركية للبحوث الاجتماعية في سبع دول إسلامية، قد كشف عن تفضيل السعوديين ارتداء المرأة للنقاب في الأماكن العامة بنسبة 63 بالمئة وللبرقع بنسبة 11 بالمئة، فيما رأى 3 بالمئة منهم أن كشف المرأة لرأسها في الأماكن العامة هو المظهر الأنسب. وتتعمد البعض من النساء من حين لآخر إلى كسر القواعد العامة للباس المرأة السعودية، إذ أقدمت منذ عامين فتاة تدعى “خلود مودل” على التجول بتنورة وقميص قصيرين في إحدى قرى المملكة، ما استدعى تدخل جهات سعودية لإيقافها، ومع أنها لم تحل إلى المحاكمة، إلا أن ذلك لم يحسم المعركة الشائكة التي تخوضها الكثيرات لتغيير قوانين البلاد الصارمة التي تقضي بارتداء الحجاب في الأماكن العامة. ولطالما كانت في السعودية شرطة دينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، تأسست عام 1940، تقوم بدوريات في الشوارع والأسواق والأماكن العامة للتأكد من تطبيق قواعد الحجاب، وكذلك التأكد من الفصل التام بين الجنسين، إلا أن الأمير محمد بن سلمان تمكن من كبح جماح هذه الهيئة، بعد أن سحب منها سلطة الاعتقال، وألحقها بوزارة الداخلية. حرية شخصية ساهمت التغييرات التي شملت مستويات مختلفة في الدولة والمجتمع، في تغيير الأفكار التي فرضتها التيارات المتشددة على العقول، وبدأ الانفتاح النسبي الذي أصبحت تتمتع به السعودية في عهد الأمير محمد بن سلمان يوفر المزيد من الاهتمام بقضايا المرأة. وفي فبراير الماضي أعلن عبدالله المطلق، أحد كبار رجال الدين وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية، أن “ارتداء العباءة ليس فرضا على المرأة”. إلا أن ذلك لا يعني أن جميع شرائح المجتمع السعودي ترحب بانتقال المرأة من مظهرها التقليدي الذي يتمتع بخصوصية كبيرة ليصبح أكثر تحررا وحداثة. وأثار طرح موضوع حرية اللباس جدلا واسعا على تويتر بوصفه المنبر الأكثر تعبيرا عن آراء الأوساط الاجتماعية في السعودية، فشهد ظهور هاشتاغات تستنكر كسر ضوابط اللباس الشرعي المحتشم للمرأة. وانتشر هاشتاغ #قررت_ألبس_عباية_على_الرأس، يدعو إلى التصدي لما وصفه البعض بـ”الدعوات لنشر العري والفسوق في السعودية”. وقال المغرد عبدالعزيز المرشد أبوعمر “يحاول أهل الفسوق تغيير نساء المجتمع للتبرج والسفور إلى أن ينتهي بالعُري لبلوغ أمنياتهم لكن هذا ولله الحمد ما يزيد نساء المجتمع إلا تمسكا وعودة لفطرتهن بعد علمهن الكامل لمقصد تلك الدعوات الخبيثة…”. وقال مغرد آخر “أقسم برب الكعبة أني كلما رأيت امرأة محتشمة، قد لبست العباءة على الرأس انتابني شعور بالفخر والإجلال والاحترام”. فيما ردت المغردة فاطمة العيسى قائلة “اللباس حرية شخصية أتمنى لو امتلكناها منذ وقت طويل، للأسف المدرسة تفرض حجابا معينا والمجتمع يجُبر المرأة على الخضوع لأدلجته، وتقولين قررت ألبس عباءة! قررت بناء على ماذا، إرضاء للمجتمع الذي ينتقص عفتك بناء على مظهرك…”. وعلى الرغم من أن ردود فعل البعض يمكن وصفها بـ”الصدمة الثقافية”، لاتسامها بالرفض لنمط الحياة غير المألوف الذي تطالب به البعض من السعوديات، لكن هناك وجهات نظر أخرى تؤيد وعلى نطاق واسع حرية الزي واللباس، دعما للحق في التعبير عن الحريات الشخصية. وعلقت الأديبة والكاتبة الصحافية حليمة مظفر على الهاشتاغ بقولها “للمرأة حرية الاختيار للمظهر الذي يناسبها، سواء اختارت أن ترتدي الحجاب على الرأس أو على الكتف أو تنقبت أو تحبذ أن تكون سافرة.. في النهاية ينبغي احترام اختيارها ما دام عن قناعة، من دون انتقاص أو المساس من قيمتها أو تدينها أو كفاءتها والحكم عليها بناء على مظهرها”. الخلفية الثقافية وعلى أرض الواقع فتح موضوع حرية اللباس نقاشا آخر تباينت فيه الآراء بين مدافع عن حرية المرأة في اختيار الملابس التي تعبّر عن هويتها، وبين مشدد على ضرورة ارتدائها للحجاب واحترامها للقيم الدينية والثقافية للبلد الذي تعيش فيه. ورحبت نجلاء البراق الأخصائية النفسية بالحملات المنادية بحرية اللباس، معتبرة أن مثل هذا التغيير آت شاء من شاء وكره من كره، لكنها اعتبرت أنه ليس جميع السعوديات قادرات على الخروج عن ضوابط لباسهن التقليدي بسبب “العرف والممارسة” التي يعززها المعتقد الديني بأن الحجاب فريضة. وقالت البراق لـ”العرب”، “حرية الملبس خطوة رائعة، لكن ليس من السهل أن تتخلى جميع نساء السعودية عن النقاب أو الحجاب وخاصة في المدن والقرى الصغيرة، فالأمر بشكل عام يعتمد على خلفية النساء الثقافية والاجتماعية، فإذا كن من بيئات غير متزمتة فإنه من المستبعد جدا أن يخالفن الأعراف والتقاليد التي تربينا (نحن) عليها”. وأضافت “أعتقد أن (جيل) النساء الأصغر سنا سيرحبن بذلك، وخاصة في ظل موجة الانفتاح التي تشهدها السعودية حاليا، وسيبدأن بارتداء الحجاب الخفيف والعباءات الملونة، ولكن مستقبلا ستكون قواعد اختيارهن لملابسهن أكثر مرونة وسيرتدين ما يناسب ميولهن وليس ما يقال لهن إن عليهن ارتداءه”. أما سعاد الحميدان الشمري (ربة بيت) فقد اتخذت موقف الحياد تجاه الدعوات المطالبة بحرية اللباس قائلة “أنا لا أعارض حرية اللباس وفي نفس الوقت لست معها”. وأضافت الشمري لـ”العرب” مستدركة “لكنني أفضل الالتزام بالزي السعودي والمحافظة على هويتنا وثقافتنا، فالمرأة السعودية تميزت بالحشمة وعُرف عنها التزامها، وأعتقد أن مثل هذه الدعوات ستجد صدى لها بالعاصمة الرياض ومدينتي جدة والدمام، ولكن في منطقة الجنوب ستجد هذه الدعوة اعتراضا كبيرا من طرف المجتمع القبلي عموما”. فيما اعتبرت راوية معلا الأحمدي السفور خروجا عن تعاليم الدين الإسلامي، وانسلاخا عن أعراف المجتمع السعودي وتقاليده. وقالت الأحمدي لـ”العرب”، “ليس من السهل التجرد من اللباس المحتشم الذي يمثل أولا وقبل كل شيء فريضة دينية ويجب على المرأة السعودية الالتزام بتعاليم ما جاء به الإسلام”. وأضافت “لكنني ضد الدعوات المتطرفة المطالبة بضرورة تغطية المرأة لكامل جسدها بما في ذلك وجهها ويداها، لا أعتقد أن هناك أمر من الله يدعو لأن تغطي المرأة وجهها مهما قدم هؤلاء المتشددون من حجج”. دعم ذكوري تبدو ردود الفعل الاجتماعية في السعودية بشأن حرية المرأة في أغلبها إيجابية ومندفعة باتجاه الانفتاح التدريجي ومن بينها حرية اللباس، لكن الخطوة غير المألوفة أن يعير الرجال الاهتمام بقضايا النساء ويناصرون مطالبهن، بل ويتطلعون بأن تذهب التغييرات إلى أبعد مما هو قائم وتسير السعودية على خطى الدول المتقدمة. وشدد الدكتور عبدالرحمن الصبيحي، أخصائي الإرشاد النفسي على أن تقييم المرأة لا يجب أن يبنى على مظهرها الخارجي، الذي لا يمكن أن يعكس حقيقة أخلاقها وطريقة تفكيرها. وقال الصبيحي لـ”العرب”، “منذ زمن طويل كنت أقول إن الله لم يخلق وجه إنسان ليحجبه بداعي العفة ومنع السفور، وما زلت متمسكا برأيي”. وعبر عن اعتقاده بأن المرأة السعودية مقبلة على تحرر منضبط يعطيها الحق في العيش راضية وسعيدة، من دون أن يكون السفور سببا في أي انحراف أخلاقي. وأوضح “الانحلال الأخلاقي لن تمنعه قطعة قماش سوداء تغطي وجه أو رأس امرأة، علما بأن الحجاب استخدم أحيانا لممارسة الدعارة تجنبا للشبهات، واستخدم أيضا كوسيلة لتهريب المتسللين واستخدم لإخفاء الإرهابيين”. وختم الصبيحي بقوله “المرأة السعودية قريبا ستنزع وتتخلص من حجاب العادات والتقاليد البالية الذي فرضتها (جماعة الصحوة) البغيضة التي قتلت سعادتها ومتعتها، كما كل نساء الأرض”. و”الصحوة” تيار إسلامي ظهر في ثمانينات القرن الماضي وفرض أفكاره المتشددة على المجتمع السعودي ومفهومه الخاص للزي النسائي الشرعي. وقال رجل الأعمال عبدالرحمن الحربي “بعيدا عن الاحتقان والاستقطاب بين المؤيدين والرافضين لما يحق ولا يحق للمرأة أن ترتديه، اللباس أولا وقبل كل شيء حرية شخصية، ومن حق المرأة أن تلبس ما يحلو لها، ومن دون تضييق عليها أو المغالاة في وصفها بأوصاف مشينة”. وأضاف الحربي لـ”العرب”، “ردا على حجة من يتهم المرأة بالتساهل في اللهث وراء السفور، أقول إن تعاليم الدين الآمرة بالستر لم تحدد شكلا أو لونا للباس المرأة، بل تركت كامل الحرية لها للاختيار، إضافة إلى أن أمر الحجاب وغطاء الوجه (النقاب) مازالا محل خلاف بين رجال الدين منذ مئات السنين وإلى اليوم لم ينته الجدل بشأنه”. وأوضح “يختلف تعريف اللباس الساتر باختلاف آراء العلماء والمذاهب، ولذلك فالمرأة لها حرية اختيار المظهر الذي تريده، وهذا ما أكده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حين قال ليس لزاما أن ترتدي المرأة عباءة باللون الأسود، وهذا أكبر إشارة على أنها عادة اجتماعية متوارثة ومن السهل تخطيها”. واستدرك الحربي “لكن مثل هذا الأمر سيستغرق وقتا طويلا وإجراءات كثيرة، خاصة إذا ما نظرنا لبعض الجامعات والجهات الحكومية التي تفرض على البنات نوعا معينا من اللباس، مما يزيد في التشبث بهذه العادة وعدم القطع معها”. ولا يبدو أن الرافضين لحرية اللباس سيتقبلون فكرة أن تتحرر المرأة من الوصاية الذكورية وتكون حرة الإرادة في اتخاذ قراراتها بنفسها، وقد تنفد جميع الحجج لإقناعهم بأحقية النساء في ارتداء ما يرضيهن وليس ما يرضي المجتمع. والسؤال الذي يبقى مطروحا في النهاية هل أن المظهر الخارجي هو الذي يؤثر على سلوك المرأة؟ أم أن السلوك هو الذي يؤثر على الملبس؟ وهل هناك فعلا علاقة شرطية بين اللباس المحتشم والسلوك الصالح؟

مشاركة :