بدا لافتاً أن يستشهد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بما تبثه مواقع التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع فيديو عن سورية، وهو يحاول إقناع أعضاء الكونغرس والرأي العام العالمي بمنطقية تحرك بلاده عسكرياً ضد الأسد في جلسة استماع استمرت ساعات وشدت أنظار المترقبين للقرار التاريخي من مختلف بلاد العالم. استشهاد كيري بمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي عن حقيقة الصراع في سورية كان حدثاً استثنائياً وبالغ الدلالة للباحثين في الإعلام الجديد وحجم تأثيره، ليس لكون الظرف الزماني والمكاني للاستشهاد كان حدثاً تاريخياً فحسب، بل لكون الاستشهاد جاء على حساب وسائل الإعلام التقليدي وإمبراطورياته الكبرى في الغرب مثل بي بي سي البريطانية، و سي إن إن الأميركية التي تخصص مساحة واسعة من نشراتها لتغطية الصراع السوري السوري منذ اندلاع شرارته الأولى مطلع العام 2011. يمكن أيضاً قراءة استشهاد جون كيري بمحتوى مواقع التواصل الاجتماعي في الكونغرس بأنه هروب من الاتهامات التي توجه إلى وسائل الإعلام عادة بالانحياز في تغطية صراع معقد كما هو في سورية، لذا لجأ إلى مصدر إعلامي محايد لا تدخل في حسابات نشر محتواه أشهر نظريات الإعلام «نظرية الدعاية الإعلامية ومصافيها الخمس» التي ولدت في الولايات المتحدة الأميركية على يدي الباحثين الأميركيين إدوارد هيرمان ونعومي تشومكسي. وإن بدا للبعض أن قراءة خطاب جون كيري من هذا المنظور تضخيم لكلمة عابرة عن مواقع التواصل الاجتماعي قالها وزير خارجية أميركا في جلسة استماع مليئة بالثرثرة على مدى ساعات، فإن جون كيري نفسه اختار مقدمةً لحديثه في الكونغرس تعزز اليقين بأن استشهاده بمواقع التواصل الاجتماعي لإثبات استخدام قوات النظام السوري أسلحة كيماوية في مجزرة الغوطة كان لمحاولة زيادة فرص الإقناع لحجته؛ إذ قال جون كيري: «إن العالم ينظر إلى جلسة الكونغرس الأميركي هذه الآن لا ليشاهد هل سنتخذ قراراً بتوجيه ضربة عسكرية إلى نظام الرئيس الأسد أم لا، بل ليشاهد كيف سنتخذ هذا القرار». لذا فإن كيفية اتخاذ القرار الأميركي وكيفية فهم المشهد السوري وفهم تفاصيل مزاعم استخدام النظام أسلحة كيماوية، استند، بحسب كيري على جملة من الحقائق على رأسها ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن التقارير الاستخباراتية التي تحدث عنها أيضاً كيري في كلامه أمام الكونغرس. يسهل معرفة تفوق الإعلام الجديد على الإعلام التقليدي في تغطية حرب مثل الحرب السورية إذا عرفنا أن كل القنوات التلفزيونية وأشهر الصحف الغربية الموجودة في سورية الآن لتغطية الصراع يمكن وصفهم مجتمعين بعشرات المراسلين والمصورين، بينما يمكن لكل فرد في الجيش الحر أوالمعارضة السورية بمختلف أطيافها أن يعتبر نفسه مراسلاً أو مصوراً للإعلام الجديد، إذ لا تكلفه تغطية لقطة نادرة سوى استخدام هاتفه الجوال وتحميله المقطع أو الصورة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي. وغداة حديث كيري في الكونغرس ثم أمام مجلس الشيوخ في اليوم التالي نشرت صحيفة الديلي تلغراف مقالاً تتحدث فيه عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على الحكومات وأصحاب القرار السياسي، وكيف أنها كانت سبباً في فشل الحكومة البريطانية في الحصول على تزكية البرلمان للتدخل العسكري في سورية. وقالت كاتبة المقال سو كاميرون: «إن السياسيين أصبحوا مجبرين على بذل جهد أكبر لتبرير قراراتهم ومواقفهم إزاء القضايا المطروحة عليهم». وتابعت في مقالها بأن هزيمة الائتلاف الحكومي في الحصول على تأشيرة البرلمان للتدخل العسكري في سورية أثبتت عدم ثقة الناخبين في السياسيين، وثبت للحكومة أيضاً أنها لا تقدر على مواجهة تيار التواصل الاجتماعي. فقد بين الناس، من خلال مواقع التواصل أنهم لا يثقون في القادة السياسيين وهم يشنون حملة عسكرية على سورية. وأضافت الصحيفة في مقالها أن حصول الناخب على المعلومة يجعل القادة السياسيين بحاجة إلى تبرير مواقفهم وتصريحاتهم. أما إذا عجزت الحكومة عن تقديم أي تبرير لمواقفها فإن ذلك يدفع النواب إلى مخالفة قرارات قيادة الحزب نفسها إذا طلبت منهم التصويت على قضية يرفضها الناخبون في دائرته الانتخابية
مشاركة :