القاهرة: «الخليج» افتتحت محطة الإذاعة المصرية في نهاية مايو من عام 1934 وكان صوت الشيخ محمد رفعت أول صوت أرسل من خلالها آيات الله البينات، واستمع الناس إليه وكأنه آت من السماء يحمل كلام الله، ففي هذا العام وعندما ألغيت المحطات الأهلية في مصر، وأنشأت شركة ماركوني الإذاعة المصرية حاول سعيد باشا لطفي التعاقد مع الشيخ رفعت ليتلو القرآن في الإذاعة فرفض، وألح عليه سعيد باشا فقال له: أمهلني أسبوعين، وذهب الشيخ رفعت إلى شيخ الجامع الأزهر في ذلك الوقت ليستفتيه، فأكد له أن إذاعة القرآن ليست حراماً، فبدأ في ترتيل القرآن من إذاعة القاهرة، وكان أول من تلا القرآن الكريم، وسمع صوته الملايين خلال الميكروفون فبدأ القراءة بسورة «الفتح» وظل يقرأ بعد ذلك القرآن مرتين في الأسبوع في مساء الثلاثاء والجمعة.يشير محمد توفيق الخولي في كتابه «قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت» الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، إلى أن التعاقد مع الشيخ رفعت كان لمدة سنتين قابلة للتجديد، وقد اعتبر بعض القراء أن قراءة القرآن بالإذاعة مضللة، حتى حسم الظواهري شيخ الأزهر وقتها الموقف بإصداره فتوى شرعية تفيد بأن قراءة القرآن بالإذاعة ليست محرمة، أو مكروهة، فانضم إلى الإذاعة بعد الشيخ رفعت الشيخ الشعشاعي، ثم أبو شعيشع، ثم اتسعت الدائرة بعد ذلك فشملت عدداً كبيراً من القراء، حتى أفردت الإذاعة المصرية بعد ذلك إذاعة خاصة للقرآن الكريم.يستشهد الكتاب بما ذكره الكاتب الراحل محمود السعدني؛ إذ قال إن الغالبية من الأشرطة التي تذاع لمحمد رفعت لم يكن للإذاعة فضل فيها، بل إن الفضل كله يرجع إلى عشاق الشيخ محمد رفعت، الذين لم يكونوا على صلة صداقة أو معرفة بالشيخ، بل دفعهم الحب الصادق والاعتراف بعبقرية صاحب الصوت إلى تسجيل كل سور القرآن بدون هدف إلا هدف الاحتفاظ بهذا التراث العظيم، فترى أحد الباشوات هو زكريا مهران يحتفظ بتسجيلات الشيخ دون أن يكون قد رأى الشيخ مرة واحدة في حياته. وهناك تاجر وطني كبير وموظف سابق أو عمدة أرياف يحتفظون بالشيء نفسه، لأنهم أدركوا بفطرتهم الفنية السليمة أن هذا الشيء يجب الاحتفاظ به لأنه ثمين، وقد حدث أن قطعت الإذاعة المصرية إرسالها أكثر من مرة لتذيع على الناس بشرى العثور على شريط جديد للشيخ ويذاع الشريط ويكون حديث الناس في كل مكان وسيظل رفعت حديث الأجيال كفنان عملاق إلى زمن بعيد، حيث تكونت جمعيات من محبي الشيخ رفعت ومريديه قاموا بتجميع ما يقرب من 278 أسطوانة تضم 19 سورة مدتها 12 ساعة وقدموها هدية لإثراء المكتبة الإذاعية وفاء منهم للرجل الذي كان أول من قرأ بها عند بداية افتتاحها فتعلقت القلوب بتسجيلاته الشهيرة، وحتى اليوم وبعد رحيله بعشرات السنين مازالت آذان المستمعين على اختلاف ألوانهم تسعى إلى صوته الرخيم.
مشاركة :