الثمانيني أبو بسام الكعبي يتمنى أن يدفن في بيارات يافا

  • 5/14/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أزقة المخيمات الفلسطينية الضيقة، والبيوت المتراصة، وضجيج وصخب السكان والمارة كفيلة أن تجعلك تتخيّل مرارة سبعين عاماً عاشها الفلسطيني المشرد من أرضه منذ نكبة عام 1948. تنقلنا بين أزقة كثيرة، حتى وصلنا إلى منزل الثمانيني أبو بسام الكعبي، في مخيم بلاطة للاجئين الواقع ضمن حدود بلدية نابلس، وتأسس عام 1950، وسرعان ما أصبح أكبر مخيمات الضفة الغربية، حيث بلغت مساحته ربع كيلو متر مربع، فيما تجاوز عدد سكانه 23 ألف لاجئ. وما إن وطأت أقدامنا منزله، حتى استقبلنا أبو بسام بحفاوة وترحاب، ورغم تجاوزه 85 عاماً من العمر استطاع أن يلملم خيوط ذاكرته، ليروي لنا تفاصيل لجوء عائلته قبل 70 عاماً من قرية عرب السوالمة الواقعة على ضفاف نهر العوجا، قضاء يافا إلى بلدة دير غسانة قضاء رام الله، ومن ثم إلى مخيم بلاطة. يتحدث الكعبي عن مسقط رأسه بشغف واشتياق إلى بلدته الواقعة على منحنى في نهر العوجا، ويطلق عليها عرب السوالمة، وتعد من أجمل قرى يافا، فأراضيها منبسطة تزرع بالموز والحمضيات والحبوب والخضار. ويتابع «لا وجه للمقارنة بين حياتنا في بيوت متراصة لا تدخلها شمس ولا هواء، وقد أكلت جدرانها الرطوبة، وبين حياتنا في بلدة العوجا ببيت كبير له فناء واسع تحيط به بيارات الموز والبرتقال من جميع الاتجاهات». حلم لم يتحقق يتنهد الحاج أبو بسام عميقاً، ويتذكر وقلبه يتحسر على والده الذي توفي بعد الهجرة بعامين حسرة على بلادهم المغتصبة وأملاكهم وأراضيهم المسلوبة، من دون أن يحقق حلمه بالعودة أو حتى الموت في أحضان بيارات الموز والبرتقال، فقد فارقت روحه الحياه بعد أن اصطحبه بعض الرفاق إلى منطقة تشرف على يافا وشاهد أرضه وبيته وبيارات الحمضيات بالمنظار، فقلبه المتدفق بالحنين لم يتحمل فكرة أن تنهب منه كل ممتلكاته وأن تقتل كل أحلامه بتحقيق حياة كريمة لعائلته بدم بارد، فمات هو بدم بارد. ويواصل حديثه «والدي كان أكبر ملاك للأراضي في منطقة العوجا، فتجاوزت ممتلكاته من الأراضي والمزارع 32 دونماً عدا عن ديوان ومضافة العائلة التي كان يجتمع فيها كل رجال القرية في أفراحهم وأتراحهم». عباءة من عمر النكبة ترتسم على وجه العجوز تضاريس الوطن المنكوب لتروي حكايات 70 عاماً من النكبة، وهو يطالع تارة العشرات من الأوراق التي ما زال يحتفظ بها لتثبت ملكية والده لعشرات الدونمات من الأراضي المهجرة، وتارة أخرى يشير بيده إلى الجرن الخشبي الذي كان يستخدمه والده لطحن القهوة، بينما عيونه تطالع مجموعة من دلّات القهوة التي أحضرها والده من اسطنبول وقد تجاوز عمرها المائة عام، وبصوت تخنقه ذكريات النكبة المرة، يطلب من ابنته أم عاهد التي ترعاه وتدير شؤونه بعد أن توفيت الأم قبل ثلاث سنوات، أن تحضر له العباءة البنية التي ورثها عن والده، ويقول: «هذه العباءة من عمر البلاد ومن عمر النكبة فيها اشتم رائحة الوالد وعبق البرتقال والليمون». جل ما يتمناه الثمانيني أبو بسام الكعبي، أن يدفن في بلدته في بيارات البرتقال، ليشتم عبق النوّار، وليستظل قبره بظل شجرة حرمته عصابات الهاغاناه الصهيونية من أن يتفيأ بظلها حياً.

مشاركة :