القاهرة - الشاعر أحمد فضل شبلول، واحد ممن استجابوا لغواية الرواية، فبعدما شغلت قصائده إثني عشر ديوانا، وأصدر مثلها من كتب استهدفت الطفل وجدناه ييمم شطر الرواية، فينشر روايتين لافتتين ويصدر عددا من الكتب النقدية عن فن الرواية، أحدثها كتاب نقدي بعنوان “محيط وخليج ..عشرون رواية عربية” الصادر مؤخرا في القاهرة عن “وكالة الصحافة العربية-ناشرون”. يذكر شبلول في مقدمته للكتاب أن ”الرواية أصبحت بالفعل ديوان الحياة المعاصرة، حيث أنها استجابت لكل الأوجاع والمآسي والكوابيس والأحلام والآمال الإنسانية”. ففي الرواية نجد حياة موازية للحياة التي نحياها ونعيشها بالفعل، ولكن الحياة في الرواية تخضع لهندسة دقيقة ورؤية عميقة وشخصيات مرسومة بعناية ودقة، كتلك المرسومة في اللوحات الفنية، حيث كل حركة أو لفتة وكل كلمة وكل إيماءة لها حسابها وترجمتها في الرواية، وأعني بطبيعة الحال الرواية الجيدة. ويضم الكتاب قراءات لعشرين رواية عربية، صدر أغلبها خلال العقد الأخير لعشرين كاتبا من اثنتي عشرة دولة عربية، تباينت القراءات في الطول كما اختلفت في منهج التعامل مع الروايات المنتقاة بعناية فتصلح لتكون عينة عشوائية ممثلة لواقع الرواية العربية من المحيط إلى الخليج سواء من حيث تقنيات الكتابة أو من حيث القضايا التي طرحتها، بحيث تشكل الروايات في مجموعها “لوحة شاسعة للواقع العربي الراهن المرتبك بأبعاده التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية”. وكما يقول شبلول عن الرواية القصيرة “الفتيت المبعثر” للعراقي محسن الرملي، وهي الرواية التي ينسبها الناقد لما يسميه بأدب القهر فإنها ”مرآة ليس لما يحدث في العراق فحسب، ولكنها مرآة صادقة وعاكسة لأوضاع عدة في أوطاننا وبلادنا متى اعتلت عرشها شخصية مثل القائد في الرواية، أو شخصية مثل الأخ الأكبر في رواية جورج أورويل ‘1984‘، على سبيل المثال”. الكتاب يضم قراءات لعشرين رواية عربية، صدر أغلبها خلال العقد الأخير لعشرين كاتبا من اثنتي عشرة دولة عربية الحقيقة أن أغلب الروايات التي تناولها الكتاب وليست فقط “الفتيت المبعثر” يمكن النظر إليها باعتبارها مرايا متفاعلة مع حاضرنا العربي، لذا تجلت فيها ولو عن غير قصد القضايا التي تشغل الذهن العربي في منعطفه التاريخي الحالي، فتعاملت نصف الروايات المختارة مع موضوعات الإرهاب والحرب الأهلية وإشكالية الهوية وجدلية الأنا والآخر. يتناول الكتاب رواية “إرهابيس- أرض الإثم والغفران” للروائي الجزائري عزالدين ميهوبي، التي تقدم فانتازيا سياسية من خلال مدينة افتراضية تجمع الكثير من الإرهابيين المشهورين في العالم ومعهم الزعماء والقادة الدكتاتوريين عبر التاريخ. كما حضر موضوع الإرهاب في رواية “خبز وشاي” للأردني أحمد الطراونة الذي اهتم بتحليل الأسباب التي دفعت أحمد إلى التنظيم الإرهابي، من خلال تصوير حال الأسرة الفقيرة التي تكتفي في معظم الأحيان بوجبة “الخبز والشاي” والتي يعمل عائلها في نبش القبور للحصول على محتوياتها من بقايا جثث أو جماجم أو بقايا آثار. وتحضر الحرب الأهلية اللبنانية في روايتين يفصل بين تاريخي صدورهما ربع قرن، الأقدم هي “عودة الذئب إلى العرتوق” رواية اللبناني إلياس الديري، فالشاب سمران الكوراني الذي سافر إلى باريس ليفجر قنبلة في مطار أورلي، يضيع هناك، فالباريسية آسيلا تحكم قبضتها عليه، فيقول لها “امنحيني وجهي الضائع، امنحيني اسما يليق بك”. وهو لا يستطيع أن يكون باريسيا فيعود إلى لبنان دون أن ينفذ العملية المكلف بها، فقامت الجماعة التي أرسلته بتصفيته. أما الثانية فهي رواية إيمان حميدان يونس “باء مثل بيت .. مثل بيروت”، التي استوحت عنوانها من كتاب تعليم حروف اللغة العربية ومفرداتها للأطفال. ضم الكتاب كذلك قراءة لرواية “الحي اللاتيني” لسهيل إدريس، التي صدرت طبعتها الأولى في عام 1953، أي تسبق الروايات الأخرى بنصف قرن، ولا أظن أن تناول تلك الرواية كان عشوائيا، ويبدو مبررا ضمها للكتاب من سطرها الأول هل حقق فتى رواية “الحي اللاتيني” لسهيل إدريس، حلم التغيير الذي كان ينشده، في نهاية الرواية، عندما قال لأمه: بل الآن نبدأ يا أمي، فبعد نصف قرن من أحلام التحرر والتقدم والوحدة .. والحقيقة أن الفتي لم ينجح في تحقيق أي من أحلامه، فمجتمعات الروايات مازالت فقيرة، فلا نحن تحررنا ولا تقدمنا ولا توحدنا كأمة واحدة، بل امتد التناحر إلى أبناء القطر الواحد في حروب أهلية ( لبنان/ العراق/ اليمن) وفقا للروايات المختارة. وقد أشار الكتاب إلى أهم أسباب الفشل متمثلا في الدكتاتورية، وقد عالجت رواية السوري عدنان فرزات ”جمر النكايات” أحد تجلياتها متمثلا في التلاعب بنتائج الانتخابات، لكن ودون قصد كشفت القراءات عن جانب مضمر للدكتاتورية.
مشاركة :