"لعنة الفلسطيني".. شهادة روائية لواقع عربي

  • 12/3/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

توفيق عابد-عمّان يقدم الأديب محمد عبد الله القواسمة في روايته لعنة الفلسطيني بيانا لما يحدث في عالمنا العربي من خلافات طائفية وحروب أهلية ومجازر، ويعزوها لغياب الهدف الحقيقي لقوى الثورة، فالبوصلة وفق أحداث روايته يجب أن تتجه نحو حل القضية الفلسطينية، إذ إن مشاكل المنطقة ناتجة عن النكبة. وتعد الرواية -التي تضم 191 صفحة من القطع المتوسط الصادرة عن دار ورد الأردنية- شهادة لعالم متخيل تدور أحداثه في قرية عربية تدعى عروبة تتوزع على قسمين: الأول يتصل بالطبقة الحاكمة ممثلة في آمر الشرطة، والثاني يتعلق بالطبقة المحكومة وتمثلها عائلة جبر الفلسطيني. وتشتبك الرواية مع القلق الفلسطيني قهر البرد ولا قهر البشر، وهي غنية بصور حوارية ترتقي بالأبعاد النفسية واللحظية للشخصيات. ففي حوار بين خلود وريا، تقول ريا كلمة فلسطيني تعني عند النظام الإرهاب والتخريب، وترد خلود بأن فلسطيني تعني الإنسان الذي يذكر بالمقدس، وفلسطين تتوحد فيها المعاني والمشاعر الإنسانية، وهي رمز لكل مقدس وإنساني. إدانة العنف وتدين الرواية العنف واعتبار الفلسطيني شماعة لتبرير الأخطاء وقهر المرأة، وتمتدح الحب، وتعرض موقف قوى الدين التنويرية التي ترى في المسجد مكانا لأداء دور ثقافي واجتماعي، وليس مكانا للصلاة فقط. ويكتشف القارئ أن الرواية حبلى بالإسقاطات السياسية، فعروبة ليست مجرد قرية متخيلة كما يوحي الكاتب، بل هي موجودة وتنسحب لمفهوم العروبة، فالكاتب يناقشها بتناقضاتها وحالها عبر مجتمع صغير هو تلك القرية المُتخيّلة. وتتفجر الأحداث وفق الرواية عندما يخرج تلاميذ مدرسة ابتدائية إلى الشارع يهتفون بسقوط نظام المدرسة لأن المديرة عاقبتهم بتأخير عودتهم لبيوتهم لعدم التزامهم بالنظام أثناء خروجهم من الصفوف. ومن هذا الحدث تنطلق رسالة الكاتب، فقد فسرت هتافات التلاميذ تفسيرا سياسيا يندد بنظام الحكم بقرية عروبة، فيعتقل الأطفال وتفصل المديرة وتتهم عائلتها عائلة الفلسطيني بعدم الانتماء إلى عروبة بل اكتسبت الاسم لأن أحد أجدادها عاش زمن العثمانيين فترة في فلسطين فأطلق عليه سكان المنطقة الفلسطيني وانتقل الاسم لأحفاده. فهل يريد الكاتب إدانة من يتهمون الفلسطينيين بعدم الانتماء لمجتمعات اللجوء التي عاشوا فيها عقب النكبة؟ لكنه في الوقت ذاته يحذر هؤلاء بأنه ستحل عليهم لعنة الفلسطيني إذا بقي مشردا ومحروما من حريته ووطنه. وتتحدث الرواية عن اشتداد الظلم والقمع في عروبة، ممّا يولد قوى معارضة تطالب بالعدالة وإصلاح النظام السياسي، وهو ما طالب به متظاهرو الميادين العربية، ليقوم النظام بصناعة جماعة رجال الحق -حسب الرواية- تتولى عمليات الخطف والقتل لمساعدته في قمع الاحتجاجات، في إشارة ثانية إلى شبّيحة الأنظمة الذين يقمعون المواطنين. وكأن لسان حال الكاتب يريد القول عبر شخصيات الرواية إن الحل الأمني ليس حلا، وإنه من الأفضل الحوار والتجاوب مع مطالب المواطنين، في تلميح لحاكم يقتل شعبه ويحرق ويدمر ويدّعي أنه انتصر. الطوفان ورغم أن الكاتب غير مطالب بتقديم أو اقتراح حلول فهو ليس مصلحا اجتماعيا أو يمتلك قوة التنفيذ، فإن القواسمة رأى في نهاية روايته أنه مع عجز الناس عن استئصال الظلم تتدخل العناية الإلهية فتأتي بالطوفان الذي يرسل القرية لأعماق الأرض ويهرع الناس من المناطق المجاورة لمعرفة ما حدث، ويطلقون على المكان الذي كان يحمل اسم عروبة اسما جديدا هو لعنة الفلسطيني. وفي حديث خاص للجزيرة نت، قال القواسمة إن البطولة في لعنة الفلسطيني بطولة مجتمع، فالعائلة التي تتمرد على واقعها تمثل الشعب الفلسطيني الذي بنى قرية عروبة، لكنه قوبل بنكران الجميل والقتل، في إشارة إلى ما أنجزه الفلسطينيون في دول الاغتراب. وقال القواسمة إنه لم يتدخل في مسار شخصياته وتركها تمارس حريتها، فالعمل الفني حسب القواسمة صاحب رواية سوق الإرهاب لا يحتمل تدخل المؤلف، بل الأحداث هي من تتكلم، وما هو إلا راصد لحركة الشخصيات وتفاعلها، وبغير ذلك تصبح الرواية منشورا سياسيا. ووفق القواسمة، فمن الضروري أن يقدم الروائي شهادته عن الواقع العربي دون أن يستسلم، وعليه أن يبدي رأيه ويسهم في توجيه الناس لضرورة نبذ العنف والتعصب وإحقاق العدل والمساواة والمواطنة الكاملة.

مشاركة :