تطوير المناهج أكبر تحد يواجه التعليم الأزهري في مصر

  • 5/15/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - تذهب العديد من المؤشرات في مصر إلى أن التعليم الأزهري قارب على الاندثار، في ظل ثورة التغيير التي تقودها الحكومة لإصلاح التعليم العام ونسف المنظومة القائمة واعتماد مقاربة أخرى تهدف إلى تخريج طلاب يملكون أفكارا ومهارات وخبرات عصرية تواكب التطورات العلمية الحديثة. وساعد على وجاهة هذا التمشي الرفض القاطع من قيادات الأزهر لإقرار نظام تعليمي جديد يضاهي الذي أقرته الحكومة مؤخرا، وينتظر تطبيقه في الصفوف الأولى من مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوية العامة مع بداية العام الدراسي الجديد في سبتمبر المقبل. وكان طارق شوقي، وزير التربية والتعليم المصري، قال خلال اجتماعه بأعضاء لجنة التعليم في مجلس النواب إن “هناك مشاورات لدمج التعليم الأزهري مع نظيره العام، بحيث تكون المواد الدينية اختيارية.. أعتقد أن الوصول إلى هذه الخطوة سوف يكون أمرا جيدا”. وأوحى حديث وزير التعليم، رغم نفيه في اليوم التالي تحت ضغط من الأزهر، أن هناك نيّة أو تفكيرا من جهات حكومية لتغيير واقع التعليم الأزهري، بعدما وصل إلى مستويات قياسية من التراجع والغياب عن مواكبة العصر، وإصرار المسؤولين فيه على التمسك بمناهج قديمة تجاوزها الزمن. طارق شوقي: مشاورات لدمج التعليم الأزهري بالعام لتكون المواد الدينية اختيارية طارق شوقي: مشاورات لدمج التعليم الأزهري بالعام لتكون المواد الدينية اختيارية وقال عباس شومان، وكيل الأزهر في بيان صحافي تعقيبا على ما نسب لوزير التعليم من تصريحات، إن “التعليم الأزهري بخصوصيته يقف إلى جانب التعليم العام ليشكلا تنوعا لا مثيل له في بلد آخر من العالم ولا يمكن المساس بأحدهما إلا في مجال التطوير والتحديث”. وأكد مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم لـ”العرب”، أن “جهات حكومية تفكر بشكل جاد في وضع حد لتدهور التعليم الأزهري، لكنها لا تريد أن تصطدم بمؤسسة الأزهر، وحديث الوزير طارق شوقي يحمل هذا المدلول.. صحيح أنه نفى الدمج لكن هناك نية للتغيير حتى لو طال التنفيذ”. ولا يتمتع التعليم الأزهري في مصر بالتنافس بين الطلاب، ما يغري بعض الميسورين والباحثين عن الشهادات فقط للالتحاق به، لأن الحاصلين على أي نتيجة يدخلون المرحلة التي تليها دون تنسيق وفق الأكثر في المجاميع، وهناك سهولة في الالتحاق بكليات الأزهر لأنها المسار الجامعي الوحيد أمام الطلاب. أما بخصوص التعليم العام فهناك 500 ألف طالب بمرحلة التعليم الثانوي كل عام، والجامعات الحكومية لا تقبل أكثر من 100 ألف، ما يعني أن هناك طالبا من بين 5 طلاب يدخل جامعة حكومية وفق تنسيق تحدده هذه المجاميع، وهذا يجعل طلاب الثانوية العامة يتنافسون لضمان مقعد في الجامعات الحكومية. وتظل أزمة الحكومات المصرية المتعاقبة في محاولة إصلاح وتطوير التعليم الأزهري، فيما يروج بعض قادة وأساتذة الأزهر أن ذلك يستهدف الدين، ما يجبر أي حكومة على التراجع خشية إثارة الغضب ضدها، ونجح الأزهر في استخدام هذه الفزّاعة كسلاح ضد محاولات إصلاح التعليم الأزهري على مدار السنوات الماضية. ويرى مراقبون أنه مع تطبيق نظام التعليم الجديد الذي يقوم على البحث والتعلم الرقمي، وإصرار التعليم الأزهري على التمسك بالمنظومة الحالية، فإن كل التوقعات تشير إلى تراجع أعداد الطلاب الذين يلتحقون بالمعاهد الأزهرية بشكل كبير، في ظل غياب المنافسة بين نظام تعليمي يخاطب العصور القديمة وآخر يحاول التركيز على التعلم وفق متطلبات المستقبل. وميزة نظام التعليم العام الجديد أنه فصل الدين عن أي مناهج علمية، وأصبح مادة منفصلة بذاتها، وهو ما يعتبره بعض قادة وأساتذة الأزهر دعوة إلى “علمانية التعليم المصري”، وهذا لا يتفق مع قواعد الأزهر ومؤسساته التعليمية. وشهدت السنوات الأخيرة تحويل عشرات الآلاف من طلاب التعليم الأزهري إلى نظيره العام، خلال فترة التحويل (فصل الصيف من كل عام)، لصعوبة المناهج وقدمها وكثرتها. واعتادت المعاهد الأزهرية ألا تعلن عن أعداد الطلاب الذين يقومون بتحويل دراستهم للتعليم العام حتى لا تهتز صورتها، ويتوقع مسؤولون بوزارة التربية والتعليم أن تبلغ أعداد طلبات التحويل مع تطبيق النظام الجديد أرقاما غير مسبوقة. وقالت نادية رزق، وهي ولي أمر لطفلين في مرحلة التعليم الابتدائي بمعهد أزهري بالقاهرة، إنها “تنتظر فتح باب التحويل من المعاهد الأزهرية لمدارس التعليم العام لنقل ابنيها، فالمناهج قديمة ومنغلقة وكثيرة للغاية وليست لها علاقة من قريب أو بعيد بمتطلبات العصر، فهي تخاطب الماضي فقط”. وأضافت نادية لـ”العرب” أن المعاهد الأزهرية لن تجد طلابا مع تفعيل نظام التعليم الجديد بالمدارس العامة، لأنها لن تصبح المكان الأنسب لتقديم التعليم، لإصرارها على أن تكون أشبه بكتاتيب القراءة والكتابة وحفظ القرآن والأحاديث النبوية فقط.. الطالب الأزهري لا يمكن له التطور والإبداع أو الخروج عن كل ما هو ديني، كما يشعر بالكبت لأنه يعيش في خندق يمنعه من التحرر والتقدم والارتقاء بالفكر”. عباس شومان: التعليم الأزهري يقف إلى جانب التعليم العام ولا يمكن المساس بأحدهما عباس شومان: التعليم الأزهري يقف إلى جانب التعليم العام ولا يمكن المساس بأحدهما ويوجد بالمعاهد الأزهرية نحو مليوني طالب يتم توزيعهم على أكثر من 10 آلاف معهد، وهؤلاء يدرسون مواد علمية ورياضية قريبة من التي يدرسها نظراؤهم في التعليم العام، بالإضافة إلى مواد دينية عديدة، فمثلا، إن كان طالب التعليم العام يدرس 6 مواد فإن الأزهري قد يدرس 10. وأكد كمال مغيث، الخبير في مركز البحوث التربوية لـ”العرب”، أنه لا بديل عن اقتصار التعليم الأزهري على العلوم الشرعية والدينية التي تؤهل لنوعية محددة من الكليات في ذات التخصص بشكل يخدم الهدف الذي تأسس من أجله الأزهر، ويتعلق بالشرع والدين والفتوى، أما غير ذلك يؤول كليّا للتعليم العام. وأضاف أن نوعية التعليم المقدم لطلاب الأزهر ضد متطلبات العصر والحداثة، لأنه يعتمد على الحفظ والتلقين والتركيز أكثر على النواحي الدينية التراثية في كل المناهج، وبالتالي فإن تمسكه بتدريس مناهج علمية على أسس دينية يعني أنه لا ينوي التطوير لأن ذلك ضد مبادئه. ويقول مؤيدون لهذا الطرح، إن دمج التعليم الأزهري بالعام ليس إشكالية، لكنه يتطلب إرادة سياسية وحكومية وبرلمانية قويّة تستطيع أن تتصدى لفكرة استثمار بعض قادة الأزهر لوجود معاهد وكليات أزهرية مالكة لنظام تعليمي معيّن لتعظيم نفوذ المؤسسة الدينية في مصر. وأوضح هؤلاء، أنه إذا كان طريق الدمج حافلا بالأزمات، فإن الحل الوسط للبدء في تأسيس منهج يراعي مقتضيات العصر، ويكون الدين مفردة منفصلة في التعليم الأزهري، لا حاكما لكل المناهج، على أن تتدخل الحكومة عبر جهات بحثية وخبراء وتربويين من خارج الأزهر لإقرار ذلك، مثلما تفعل في التعليم العام والجامعات، باعتبار أن تطوير منظومة التعليم مصلحة وطنية لا علاقة لها باستقلال الأزهر.

مشاركة :