قصص تسامح وتعايش بين اليهود والمسلمين في جزيرة جربة

  • 5/15/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

جربة (تونس) - تحمل الشابة المسلمة سيرين شموعا في يديها وتكتب أمانيها على بيضة، لما كانت ترافق أصدقاء يهودا داخل كنيس الغريبة في جزيرة جربة التونسية لتقاسمهم بعضا من طقوسهم الدينية. سيرين بن سعيد واحدة من عشرات المسلمين ممن أصبحوا يتوجهون سنويا لمشاركة اليهود احتفالاتهم الدينية في أقدم معبد يهودي بأفريقيا، في إشارة قوية إلى التسامح والتعايش بين الأديان في منتجع جربة السياحي، الذي يعيش فيه نحو 1200 يهودي من بين حوالي ألفين يعيشون في تونس، وينتشرون بين جربة ومدينة حلق الوادي وحي لافيات بالعاصمة تونس. وتقول الطبيبة النفسية الشابة سيرين، “أنا هنا لمشاركة الطقوس مع أصدقائي اليهود في تونس الجديدة. تونس التسامح والتعايش وحرية المعتقد. صحيح كل واحد منا له دينه، لكن لدينا العديد من النقاط المشتركة تجمعنا من بينها الوطن والحب والسلام”. ورغم أن يهود جربة تعرضوا لضربة قوية عام 2002 عندما هاجم متشدد يقود شاحنة معبد الغريبة حيث قتل 19 سائحا هناك، إلا أنهم يعيشون بانسجام في المجتمع ولا تكاد تشعر بأي فرق بينهم وبين مسلمي جربة. وهاجر حوالي 100 ألف يهودي من تونس منتصف القرن الماضي بسبب الخوف من الانتقام وأيضا بسبب الفقر. ورغم أن عدد يهود تونس قليل، فإنّ عيشهم بانسجام بعيدا عن العزلة يعتبر قصة تعايش نادرة في العالم العربي. معبد الغريبة، الذي لا يثير لدى الكثير من التونسيين إلا ذكرى هجوم دموي قُتل فيه سياح يهود في العام 2002، أصبح في السنوات الأخيرة رمزا للتسامح والتعايش بين المسلمين واليهود. عندما تطأ قدماك معبد الغريبة اليهودي يستقبلك الشاب المسلم مكرم القعقاع بابتسامة عريضة، ويقدّم غطاء الرأس لزوار المعبد. مكرم حارس المعبد اليهودي الذي يشتغل هناك منذ سبع سنوات يقول “هذا شغلي ومورد رزقي والدين لله وحده.. المهم أن علاقتي جيدة بكل من يزور هذا المكان.. هم يحبونني وأنا أحبهم واشتغل بتفان كي يكون المعبد في أحسن حلة”. رجال الدين المسلمون والسياسيون التونسيون بدءا من رئيس الحكومة وصولا إلى مفتي الجمهورية لا يفوّتون الفرصة للتوجه إلى جربة للتسويق لصورة التسامح والتعايش بين الأديان. التونسي حسن الشلغومي إمام جامع باريس الذي جاء خصيصا لزيارة احتفالات الغريبة قال، بينما كان يصافح حاخاما، “جربة فعلا نموذج حقيقي للتعايش بين المسلمين واليهود.. هذه الجزيرة الهادئة التي تحتضن يهودها ومسلميها بانسجام تعطي رسالة للعالم بأننا يجب أن نترك البغضاء والعداء وأن نتجه فورا للحوار”. ويعيش أغلب اليهود في الحارة الكبرى بجزيرة جربة في بيوت تحاذي جيرانهم المسلمين ويتبادلون الزيارات والهدايا في المناسبات الدينية والأعراس أيضا. ورغم التعايش الهادئ إلا أن المراقبة الأمنية للمنطقة مستمرة هناك لتفادي أي هجمات من المتشددين الإسلاميين. وفي وسط الحارة الكبرى تقع مدرسة يهودية يرتادها حوالي 150 طفلا حيث يتلقون تعاليم اليهودية بعدما ينهون دراستهم بالمدرسة العمومية مع أقرانهم المسلمين. رغم العدد الضئيل لليهود في تونس، إلا أنهم يتميزون بنشاطهم الاقتصادي اللافت، حيث ينشط عدد منهم في قطاع السياحة ووكالات الأسفار والمطاعم وصناعة الحلي. وأنت تدخل المدينة العتيقة بجربة التي تعرف أيضا باسم جزيرة الأحلام، لا يمكنك إلا أن تتوقف عند مقيصص الشباح ذلك الخياط اليهودي الذي يشتغل هناك منذ نحو أربعة عقود في خياطة الجبة التقليدية للمسلمين، وهي لباس يرتديه الرجال في المناسبات الدينية والأعراس. يقول الخياط اليهودي إن كل زبائنه من المسلمين ويحبون إتقانه لمهنته. ويجاور محلّ الشباح محلا لبيع الحلي يملكه مسلم حيث يتبادل الاثنان المزاح بشكل مستمر. يقول الشباح متحدثا من وراء آلة الخياطة القديمة “نحن أخوة وجيران منذ عقود. نحن تونسيون”. وفي المدينة العتيقة أغلب تجار الحلي هم من اليهود ويشتهرون بإتقانهم للحرفة حيث يتدفق عليهم زبائنهم من يهود ومسلمين وسياح. في متجر حلي يملكه الشاب اليهودي سيون داعي تقف امرأة مسلمة تلبس الزيّ التقليدي التونسي وهي تدفع ثمن ما اقتنته من حلي. وتقول يامنة بوزيري، “أنا تعودت منذ سنوات طويلة أن أقتني من هذا المتجر الحلي لأن لا ثقة لي إلا في سيون”. نشاط يهود جربة لا يقتصر على صناعة الحلي التي اشتهروا بها منذ عقود من الزمن، ولكنه يشمل العديد من القطاعات الأخرى. وغير بعيد عن سوق الحلي يقع مطعم يهودي في قلب المدينة العتيقة على واجهته لافتة تحمل اسمه باللغة العربية والعبرية. المطعم الذي يملكه هارون حداد يكتظ منذ الساعة منتصف النهار بزبائنه اليهود والمسلمين، حيث يقدّم أكلات شهية يقبل عليها أغلب تجار وزوّار المنطقة. ويقول الطباخ اليهودي جبرئيال يعيش “في المدينة العتيقة هناك العديد من اليهود.. نقدّم لهم أطباقا تتلاءم مع تعاليم اليهودية وأيضا نعدّ أطباقا تقليدية يحبها المسلمون.. لكن حقيقة هذه كلها تفاصيل لم نعُد ننتبه إليها في جربة، وما يهمّني أنا شخصيا أن تجارتي مربحة وتجد رواجا”.

مشاركة :