لندن- تسلل اليأس إلى جميع أطراف العلاقات الاقتصادية مع إيران بسبب المخاطر الكبيرة والتشاؤم بشأن إمكانية تحقيق أية مكاسب اقتصادية من تلك العلاقة واستبعاد خروج إيران من الطريق المسدود. ورغم أن حكومات الدول الأوروبية الكبرى تؤكد أنها تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاتفاق النووي إلا أنها لا تخفي عجزها عن حماية شركاتها من سيف العقوبات الأميركية، الذي طال الكثير منها في السنوات الماضية بسبب التعامل مع إيران. وتقول التقارير إن الشركات الكبرى والمصارف بدأت تدير ظهرها لإيران حتى قبل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، بسبب تجاربها المريرة طوال عامين من تخفيف العقوبات. وتعثرت معظم الاستثمارات الأجنبية القليلة التي تدفقت إلى إيران بعد تخفيف العقوبات في يناير 2016 بسبب البيروقراطية والصراعات السياسية وتلقت ضربات قاتلة من انهيار العملة الإيرانية التي فقدت أكثر ثلثي قيمته منذ ذلك الحين. ويشير مراقبون من داخل إيران أن سعر الدولار في السوق السوداء تجاوز 80 ألف ريال في ظل التهافت على العملات الأجنبية، بعد أن بلغ في أجواء التفاؤل بعد رفع العقوبات قبل عامين 27 ألف ريال للدولار. وأعلنت إيران أنها تطالب بضمانات بالحصول على بعض المكاسب للحفاظ على الاتفاق النووي، لكن محللين يقولون إن طموحاتها تنحصر في عدم تقييد صادراتها النفطية لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني المثقل بالمشاكل الخانقة. 80 ألف ريال للدولار سعر العملة الإيرانية بعد أن فقدت ثلثي قيمتها منذ تخفيف العقوبات في 2016 وتبدي الدول الأوروبية حرصا كبيرا على إبقاء الاتفاق النووي وتحاول تقديم ضمانات لشركاتها بمواصلة التعامل مع إيران، لكنها تبدو يائسة من قدرتها على حماية شركاتها من العقوبات الأميركية. وأقر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس هذا الأسبوع بأن الحكومات الأوروبية قلما تمكنت من حماية شركاتها من تلك العقوبات الأميركية وأنه لا يرى حلا سهلا لتلك المعضلة. ويبدو أن الشركات لا تميل إلى التعامل مع إيران حين يكون عليها الاختيار بين مصالحها في سوق الولايات المتحدة الكبير وبين التعامل مع السوق الإيراني الضئيل نسبيا والملغوم بالعقبات والمشاكل. وعرضت واشنطن مهلة تمتد من 90 إلى 180 يوما قبل فرض القيود الجديدة. وأكد وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين أن هدف واشنطن هو فرض “أقصى قدر من العقوبات” على إيران. وترى سوزان مالوني من مركز بروكيغز لسياسة الشرق الأوسط، أن المخاطر التي تتعرض لها الشركات الغربية الكبرى ستصبح شديدة للغاية وأن “التحدي الذي يواجه الأوروبيين هو أن اقتصادهم متداخل جدا مع الولايات المتحدة”. ويعترف مسؤولون تنفيذيون أوروبيون بأنه قد يكون من الصعب على أي شركة لها أعمال وعلاقات مالية مع الولايات المتحدة أن تبقى نشطة في إيران. ويشيرون إلى الغرامة التي وصلت إلى 9 مليارات دولار التي فرضت على مصرف بي.أن.بي باريبا الفرنسي عام 2014 بسبب انتهاك العقوبات المفروضة على إيران وكوبا والسودان. سوزان مالوني: المخاطر التي تتعرض لها الشركات الغربية الكبرى ستصبح شديدة للغاية سوزان مالوني: المخاطر التي تتعرض لها الشركات الغربية الكبرى ستصبح شديدة للغاية وقال مسؤول تنفيذي في صناعة النفط “سيكون الأثر الأولي هو تجميد التجارة مع إيران.. الجميع مدعوم من المصارف الأوروبية التي لن تقدم أي تمويل للتجارة مع إيران، حتى لو أردنا ذلك”. ويتمسك المسؤولون الأوروبيون بالأمل في أن يتمكنوا من التفاوض على استثناء شركات معينة لديها تعاملات مع إيران. ويدرس الاتحاد الأوروبي إحياء ما يسمى “حجب العقوبات” الذي تم استحداثه ردا على إجراءات أميركية ضد إيران وليبيا وكوبا في التسعينات. وهناك خيار آخر هو توفير خطوط تمويل مقوم بغير الدولار لدعم الشركات الأوروبية في إيران، مثل اتفاقية ائتمان بقيمة 5 مليارات يورو وقعتها روما وطهران في يناير لمساعدة الشركات الإيطالية. وحدد دبلوماسيون أوروبيون بنك الاستثمار الأوروبي باعتباره مصدرا محتملا للتمويل، رغم أن هناك العديد من العقبات التي ينبغي تجاوزها لإشراك هذا المصدر. وتقول صحيفة فايننشال تايمز إن بعض مسؤولي الاتحاد الأوروبي أصبحوا يشعرون بنوع من التسليم بعدم إمكانية تفادي معاناة الشركات الأوروبية من العواقب الاقتصادية المترتبة على قرار ترامب. وتساءل أحد المسؤولين الأوروبيين عن الحد الذي يمكن أن تستطيع أوروبا تحمل الألم من شريكها الأميركي. والتهديد الرئيسي الذي تواجهه الشركات في تعرضها للضرر بسبب ما يسمى العقوبات الثانوية، التي تفرض إجراءات عقابية على الشركات والأفراد غير الأمريكيين الذين يتعاملون مع أنظمة مستهدفة من قبل الولايات المتحدة. ولم تستخدم هذه العقوبات بشكل كبير، لكنها تبقى أداة سياسية فعالة. ويرى ديفيد هورن، المحامي المتخصص في العقوبات وقانون مراقبة الصادرات في مكتب ويلمرهال، أن العقوبات الثانوية يمكن استخدامها لتقييد وصول شركة ما إلى النظام المالي الأميركي والمشتريات الحكومية وتمويل ائتمان الصادرات. وأكد أن واشنطن ستستخدم الدبلوماسية لإقناع البلدان الأخرى بأن تحذو حذوها “وهذا أمر سنداهن لأجله، ونلح ونحث عليه”.
مشاركة :