عندما تضيق الفرجة بين الحياة والموت وتتحول البلاد كلها إلى ساحة معركة

  • 5/15/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

ترقيط الكلام عندما يتناقل ذوو الأخبار سطوراً مفادها تنظيم اجتماع ضم الملك أو من في حكمه ووزراء دفاعه وأركان حربه ومستشاريه، ينوّهون إلى ارتداء الجبهة الملكية اللباس العسكري دلالة الحزم أو برهان وضع الخطط الحربية موضع التمحيص والمباشرة، آن يتهدد البلاد خطر أو يحيق بالأمة مأزق. فلا يُقال مثلاً أنّ الحاكم بأمر زوجته أو بأمر أصدقائه في مجلس التعاون اللصوصي، قد التقى بأركان حربه وهو يرتدي منامته الحريرية أو سرواله الفضي أو "تي ــ شيرته" القطني المطبوع عليه أرنب الـ"بلاي بوي"، إذ يناسب هذا الخبر استعداده للنوم على مندرجات القصة التي ستروى له إن كانت ليلى والذئب تحديداً أو إيفانكا والدراجات النارية وليس استعداداً خالصاً للدفاع عن حياض الأمة. واللباس العسكري هذا أمرٌ من مجلوبات الضبط والانضباط الخاصّين بالجيوش الحربية. فلا ترتدي الفرق المسرحية لباساً مبرقعاً وهم يعيدون تمثيل محنة هاملت مثلاً، ولا يتباهى موسيقيون بالأرومة المرقطة وهم يعزفون موسيقا تقول أن القمر يقف برفقة قمر آخر على باب موصود أو أن الحبايب ذهبوا شمالاً ولم يقوموا بتوديعنا أبداً. ولا يرتدي المقرئ الرصين بذة مموّهة وهو يتلو الآي القرآني في مقبرة صامتة، إذاً ما بال الأشجار في بلادي تتباهى بترقيط زيتونها وليمونها ونسغها الأخضر وما بال السمك يتهادى في المتوسط المسكين بلباس صحراوي وكلاشنكوف مذخّر؟عسكرة النهار، سرقة الليل في استطالة الحروب أهلية كانت أم تحريرية أم بين بين، لتبديد العدو المتربص بحدود البلاد أو لتثبيت أركان حكم مهتز كسنّ لبني، تنتشر رائحة العسكرة لتطال كل ذرّة هواء بحيث نتنفس أوكسجيناً مخلوطاً برائحة البارود ونشرب ماءً ساماً، كما لو أنّ ذرة الأوكسجين كفّت عن اتحادها المفاجئ بذرتي هيدروجين وإنما بثنائية الموت والبارود. وتنتشر اللغة الحربية في الأغاني كما لو استبدلت أحرف العلة بسبطانات فاغرة، بحيث يفتح المغني فمه فتتناثر الطلقات الدامية. واللباس الحربي في بعضه استجلاب حديث لشؤون الهيبة ودلالة اختلاف الترتيب في صنوف الأسلحة المختلفة، وتصنيع وطني على هنّات دور الأزياء، والمأمول منه إضفاء شعور بالوحدة والزهو على تجمع يكاد لا يجمع شيء بينه وإشاعة المهابة والخوف في نفوس أرانب لا تقوى على مضغ جزرها، لكنه في البلاد المنكوبة بحروبها الطارئة أصبح رمزاً لسرقة الحياة من الحياة، وترهيبا فظا لنجوم الليل وقمر أيار، فرأينا كيف يقف ذو الرقطة على باب الفرن فيأخذ خبزه أولاً ولسان حاله يقول: أعطني أرغفتي سريعا فلدي حرب أشعلها عما قليل أو يرقص في حفل ماجن فيسحر الموسيقا على إيقاع خطوته المحسوبة بدقة حسّابي النظام المنضم أو يتمشىّ على مهل برفقة فاتنة سمينة على الشارع البحري ببندقية لامعة وكوب قهوة سريعة التحضير.أقوال جاهزة شاركغردتنتشر اللغة الحربية في الأغاني كما لو استبدلت أحرف العلة بسبطانات فاغرة، بحيث يفتح المغني فمه فتتناثر الطلقات الدامية ويحدثنا الجوّابة أبو جوليان اليقطيني في مخطوطه (عسكرة كيس الصفن) عن بلاد في أنحاء الشام ارتدى فيها العصفور لباساً مرقطاً وخرج ليزقزق في الفراغ المطير وعن شجرة زيتون برقعها الحزن فصارت تثمر مسحوقاً زيتياً وعن نساء ورجال رقطٍ ينجبون ألماً خاكياً ويتعهدونه بالعناية ليصبح يأساً يانعاً، وعن كمائن محبوكة لاقتناص الضفادع النهرية وتخليصها من نقيقها الملطّخ. لكنها بلاد مختلقة فحسب، أنتجتها حروب عتيقة وتجارة بخسة ولا يجدر بنا البناء على مخلفاتها كما لا يجدر بنا قبول كلام سكّير أفّاق كأبي جوليان اليقطيني هذا.اللباس الرسمي في الأحلام جاء في مخطوط تفسير الأحلام لأبنة أبي الأضراس المقلّمة: تكون الملابس النظامية محمودة في المنام سواء كانت ملابس الجند أو رجال الأمن أو العسس، شريطة أن تكون نظيفة و لائقة غير ممزقة أو مترهلة. وإذا رأت العذراء في نومها رجلا ببذة رسمية، فهو دليلها إلى افتضاض قريب، وإذا أتى ذلك لامرأة متزوجة أو حامل فهو نذير لقرب ولادة الذكر المأمول، من ذلك أن في بعض نواحي بلادنا عندما تبشر الداية الأب بولادة ذكر تقول له: مبروك أتاك الشرطي أو عنصر المخابرات، لتحفّزه على تعظيم المكافأة بفرحته، أو تقول له: أتتك عروس الشرطي أو العنصر، لتمتص خيبته وتخبره أنه لا يزال يستطيع الاقتراب من وزارة الداخلية عبر المصاهرة. أكمل القراءة أما إذا رأت الأرملة ذاك في نومها فهو إشارة لقرب رواج بضاعة كاسدة وطلب فوري وهذا شأن تجاري بحت في محسوبات هذا الزمان والعلم عند الله. وبينما تكون الدلالة محمودة في المنام الهنيء تنقلب إلى نقيضها في شؤون الحياة اليومية، فجاء في حديث شريف قيل أنه موضوع: دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا ذِئْبًا، فَقُلْتُ: أَذِئْبٌ فِي الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَكَلْتُ ابْنَ شُرْطِيٍّ. رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ خُلَيْفٍ الْحَتَاوِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا وَإِنَّمَا أَكَلَ ابْنَهُ فَلَوْ أَكَلَهُ رُفِعَ إِلَى الْعِلِّيِّينَ. فالملبوس العسكري شأن من شؤون الجبهات المشتعلة لا قيافة فيه ليتهادى بائع القهوة على الكورنيش الغربي بارتدائه كتهديد ولا ينبغي أن يبنى عليه إعلاء ليكتسح الحياة الأخرى المستمرّة بفعل القوة النابذة أو بفعل محبي الحياة الأخرى، ذلك أن دوام العسّ والتشريط يرهق النفوس ويصبح من كان عليه الأمل معقوداً لتهيئة الأمان مصدر تهديد آخر وبهذا تضيق الفرجة بين الحياة والموت وتتحول البلاد كلها إلى ساحة معركة وما من خلاص. هذه التدوينة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي رصيف22. محمد دريوس شاعر من سوريا، صدر له: خط صوت منفلش 2008، ثلم في تفاحة طافية 2010، التتمات وتفسير الربع الأول من السيرة الناقصة للأخير 2012، لا شيء مسلّ في الحرب 2015. كلمات مفتاحية الجيش الحرب السلطة التعليقات

مشاركة :