لا شك أننا متأخرون بعقود طويلة عن لحق قطار التعليم فى العالم المتقدم، ونحتاج بشدة إلى الانطلاق الآن قبل غدا فى تطبيق إستراتيجية تطوير تدعم رؤية بناء الدولة للمستقبل وتتمشى مع ما يدور في العالم من تطور، من المتفق عليه أن أي إستراتيجية لن تأتى بثمارها إلا بعد فترة زمنية، لذا لا داعى على الإطلاق، وإلى التعجل فى إصدار الأحكام على خطة لم يتم بدايتها حتى الآن، شريطة ان تكون هذه الإستراتيجية قد حظيت بالرؤية المستنيرة والدراسة وحددت هدفها بشكل واضح ومرضي لنا جميعا. ومع ذلك فإن كثير من النقاط تحتاج إلى التعليق والمناقشة المستفيضة كنقدا بناءا بهدف الدعم والتطوير، ولا يعني هذا أيضا أن تكون الغلبة لأقلية أعلى صوتا على حساب الملايين من الأسر الأكثر عددا، لا لشئ سواء أنهم ليسوا من الجمهور صاحب الصوت العالي على مواقع التواصل الاجتماعى، فالتطوير يجب أن يكون لصالح الأغلبية الساحقة من الطلاب، النظام التعليميً الجديد يبدأ تطبيقة من مرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي، في سبتمبر 2018، ومن المقرر أن يحل النظام محل النظام القائم مع تخرج أول دفعة عام 2030، وعلى مدى الأيام القليلة الماضية ثار أولياء الأمور إعتراضا على ما أشيع عن قرر التدريس باللغة العريبة طوال المرحلة الابتدائية لكافة المدارس الحكومية بما فيها المدارس التجريبية لغات، واستثناء المدارس الخاصة للغات من ذلك، وهو ما تداوله البعض على وسائل التواصل الإجتماعي. وهو الأمر الذي إستوجب من الوزير التوضيح مؤكدا أنه لا يوجد شيء اسمه تعريب المناهج ولا يوجد قرار وزارى بهذا المفهوم، وأوضح الوزير، أن اللغة الانجليزية ستُدرّس من مرحلة رياض الأطفال كمادة منفصلة، بينما تُدرّس مواد اللغة العربية، التاريخ، الجغرافيا، العلوم، الرياضيات في باقة متعددة التخصص، وأن الطالب سيدرس اللغة الانجليزية من اليوم الأول في كافة مدارس الدولة حسب النظام الجديد، مشيرًا إلى أن خبراء اللغويات أجمعوا على أن تثبيت اللغة العربية بإعتبارها اللغة الأم يستوجب أن تكون المناهج المطبوعة للباقة متعددة التخصصات باللغة العربية، وهذا بالتوازي مع تعليم اللغة الانجليزية كمادة منفصلة، وأشار إلى أنه سيتم إضافة مصطلحات علمية ورياضية لتدريس اللغة الانجليزية. وعلى الرغم من الثقة التامة في مهنية وخبرة الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، كما إنني أدرك تماما الرؤية التربوية التى بنى عليها قرار الوزير، والتى ترى أنه لا يجب تشتيت الطلاب بتدريس لغات أخرى غير اللغة الأم فى سن مبكر. لكن في إعتقادي أن هذه الرؤية يختلف إطارها العام عن مطلبات سوق العمل الذى يزداد ألة الفرز فيه قسوة وضراوة، وهو أمر كان يستدعى اتخاذ مزيد من التدابير لتعليم اللغة الانجليزية جانبا إلى جنب مع اللغة العربية خصوصا وأن كثير من الدراسات العلمية تؤكد أن تدريس الطفل أكثر من لغة يزيد من مداركه، وعلى الجانب الآخر فمن الضروري البدء فى تنفيذ خطة التطوير للعملية التعليمية. وعلى هذا الأساس فيجب أن تراعى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني تعميق النقاش المجتمعى حول هذه الخطة، وتعزيز هذا النقاش بالمعلومات والدراسات التى تدعم توجه الوزارة، والتى تخبرنا لماذا فضلت الوزارة هذا الاختيار على ذاك وهكذا، لأن خطة التطوير تلك لن تحقق الفائدة المرجوة منها دون ترحيب ودعم أولياء أمور الطلاب كما أن الوزارة مطالبة اليوم وبشدة بفرض مزيد من الرقابة على المدارس الخاصة والدولية، فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن تسمح الوزارة لهذه المدارس باستغلال حالة الغضب التى انتابت البعض، وتعظيم حالة الجدل والبلبلة حول خطة تطوير التعليم، سواء بهدف رفع مصروفاتها دون مبرر أو إشاعة حالة من التحقير للتعليم الحكومى الذى تحاول الوزارة الارتقاء به وتغيير الصورة الشائعة عنه.
مشاركة :