إيزابيل ماندرو | منذ 5 ساعات في 16 مايو 2018 - اخر تحديث في 15 مايو 2018 / 21:56 ليست روسيا رسمياً في حال حرب، ولكنها ترى أن الأعداء يطوقونها أينما نظرت. ويغذي الكرملين هذا الحسبان، وهو كان وراء بعث الجيش الروسي من أنقاض سلفه السوفياتي منذ عام 2007 الى اليوم. وأطلق أناتولي سيرديوكوف، وزير الدفاع الروسي بين 2007-2012، وهو أول مدني يعين في مثل هذا المنصب، عملية إصلاح الجيش الروسي، وقلّص مدة الخدمة العسكرية إلى عام واحد بعدما كانت عامين. ولكن مع خلفه، سيرغي شويغو، وهو المؤتمِر بأوامر بوتين الصدوق، قطع الجيش الروسي شوطاً كبيراً في التحديث. فهو كان معداً للحروب التقليدية، وانتقل في وقت قصير إلى مرحلة الحروب الهجينة التي صاغ أسسها النظرية قائد الأركان حينها، الجنرال فاليري غيراسيموف، ووصفها بـ «الحروب غير المعلنة». وساهم نزاعان بارزان في تسريع وتيرة تحول الجيش الروسي: ضم القرم في 2014، وما تلاها من قتال في الدونباس في شرق أوكرانيا بين الانفصاليين الموالين لروسيا وبين كييف؛ وبدء التدخل العسكري الروسي في سورية في 2015. وفي الحالين، تدور مواجهة عسكرية وسياسية مع الغرب بوساطة حلفاء روسيا. ولا يخفى أن الجيش الروسي حاز قدرة على الحركة السريعة والأداء الناجع... فالعسكريون والضباط منظمون ومنضبطون وغير سكارى على خلاف أسلافهم في 2008، يلاحظ ألكسندر غولتز، صاحب «الإصلاح العسكري والعسكرة الروسيين». وليس هناك ما يجمع الجيش الروسي اليوم بما كان عليه في 2008 حين تدخله في جورجيا ورعايته انشقاق منطقتين انفصاليتين عنها، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، واعتراف موسكو باستقلالهما. ولم يعد الجيش الروسي في حاجة إلى الاستعانة بنقل قواته كلها الى ميدان المعارك ولا إلى التوسل بوسائل بائتة، يقول قسطنطين ماكيانكو، نائب مدير مركز التحليل الإستراتيجي والتكنولوجي في موسكو. وأُرسل دورياً وبالمناوبة والتعاقب الشطر الأكبر من الضباط الروس والقيادات الوسطى والعليا في سلاحي الجور والبر الى سورية. فاللفتانت جنرال، ألكسندر لابين، على سبيل المثل، كان آمر القوات الروسية، الى وقت قريب، قبل ترقيته في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم الى قائد المنطقة الوسطى، وهي واحدة من المناطق العسكرية الروسية الأربع. وفي خطاب ألقاه في 16 نيسان (أبريل) الماضي أمام عمال شركة استخراج المعادن والتعدين، قال:» على رغم معارضة الدول الغربية، شنت روسيا بالتعاون مع إيران عملية إنسانية لا نظير لها في حلب». ولا يخفى أن القصد بـ «عملية إنسانية» هو سقوط معقل المعارضة السورية الأبرز في حلب في كانون الأول (ديسمبر) 2016، إثر6 أشهر من الحصار والقصف المتواصل. وفي نهاية 2017، وصل عدد الضباط والجنود الروس الذين خدموا في سورية الى 48 ألف جندي، وفق فلادمير بوتين. وهذا أوسع انتشار روسي عسكري ما وراء الحدود منذ حرب أفغانستان. والخسائر البشرية معتدلة، لا تزيد عن 82 جندياً وجنرال واحد، فاليري أسابوف الذي سقط وهو يقود القوات السورية على ضفاف الفرات. ولم يكن أسابوف يرتدي شارات رتبته العسكرية. ولكن الخسائر تبلغ أكثر من 103 وفق تقديرات مسؤولين روس. وللمرة الأولى في تاريخ التدخل الخارجي الروسي، وإلى القوات الخاصة، وقوات نزع الألغام، والملاحين، والبحارة، والمستشارين، وضباط الاستخبارات وفرق الهندسة العسكرية، استعانت موسكو بفرق الشرطة العسكرية. ويعرف هؤلاء بأصحاب القبعات الحمر الجديدة. وجندت هذه القوات شطراً راجحاً من قوات «سيبتناز»، القوات الخاصة الشيشانية والإنغوشية. وساهم هؤلاء العسكريون في تنظيم دوريات وجمع المعلومات الاستخبارية، وفاوضوا الثوار، وأشرفوا على أعمال الإخلاء ونقل الثوار من منطقة إلى أخرى، وتوزيع المساعدات الغذائية. وصوِّرت عمليات توزيع المساعدات هذه، واستمالت بعض السوريين. ولم يفت الروس إخفاقات الأميركيين في العراق، وأولوها الدراسة والعناية، واستخلصوا عبرها: فأنشأت روسيا في شباط (فبراير) 2016 «مركز مصالحة اطراف النزاع على أراضي الجمهورية العربية السورية»، على رأسه اللواء يوري إيفتشوشنكو. ويقع هذا المركز في القاعدة الروسية في حميميم، على مقربة من دمشق، ويبث يومياً على وجه التقريب بياناً عن الأوضاع في مناطق «وقف التصعيد». والإمداد من الجنوب الروسي الى هذه القاعدة- وهي تتمتع بحصانة كاملة شأن قاعدة طرطوس على المتوسط- لا يتوقف. وتصف وسائل الإعلام هذه القدرات اللوجيسيتية بـ «السيريان إكسبريس» (القطار السريع السوري). والحق يُقال فاجأت هذه السرعة المراقبين. فعلى سبيل المثل، في شباط 2014، نجحت القوات الخاصة الروسية، وهي كانت «مقنعة، أي تسترت على هويتها ولم ترفع شاراتها على بدلاتها أو آلياتها، في السيطرة على أكثر من مبنى إستراتيجي في القرم بين ليلة وضحاها. وتترافق هذه السرعة والليونة في الحركة المستجدة مع تجهيز الجنود المشاة بمعدات فردية «راتنيك»، أي حربية، مع أجهزة تواصل محمولة وأجهزة مؤشرات لايزر، والمناظير الليلية، وسترة حماية باليستية، وحقيبة ظهر مجهزة. وتضاهي اليوم تجهيزات الجنود الروس نظراءهم الغربيين. وفي فرق النخب، المظليون كلهم مجهزون بمثل هذه المعدات، في وقت لم يترك الجيش الروسي تجهيزات جنوده البدائية إلا في 2010. ولم يمض أكثر من عقد على اضطرار جنرال روسي إلى استعارة هاتف خليوي من صحافي في الطريق نحو جورجيا ليتواصل مع رجاله. و «للمرة الأولى في تاريخ روسيا، الإمبراطورية والسوفياتية على حد سواء، تُدرج القيادات العسكرية تجهيزات الجنود، شأن المعدات، في سلم أولوياتها»، يلاحظ روسلان بوخوف، مدير مركز التحيلات الإستراتيجية والتكنولوجية. ومع هذه التغيرات وعمليات التحديث، زادت شعبية الجيش الروسي، وزادت ثقة الروس فيه من 31 في المئة في 2005 إلى 58 في المئة اليوم، ويرى 84 في المئة من الروس أنه قادر على الدفاع عن البلاد، بعد ان اقتصرت النسبة هذه على 52 في المئة في 2005. وزاد مرسوم أصدره فلادمير بوتين- بدأ العمل فيه مطلع العام الحالي- عديد الجيش الى أكثر من مليون وتسع مئة جندي، منهم مليون ونيف يرتدون بزات. وهذه الأرقام تجعل الجيش الروسي ثاني أكبر الجيوش في العالم، بعد الجيش الصيني. وكان الجيش الروسي خسر حوالى 45 في المئة من قدراته العسكرية إثر تقسيم القوات على الجمهوريات السوفياتية السابقة، ولكنه اليوم استعاد شطراً راجحاً من قدراته. وأول القطع الحربية الروسية التي اتجهت إلى سورية كان سلاح الجو الحديث، وهو مجهز بأجهزة رصد، مع درعين صاروخيين، «أس 300» و «أس 400»، لجبه صواريخ أرض – جو أو بحر- جو. واختبرت روسيا طائرات الدرون في الدونباس الأوكرانية، وفي سورية. واليوم، ثمة كتيبة خاصة بهذه الطائرات في كولومنا Kolomna على بعد 100 كلم من جنوب شرقي موسكو. وتأمل روسيا بجني أرباح تدخلها في سورية من طريق إبرام عقود تسلح وعقود تجارة في المجالين الزراعي (بيع القمح...) والصناعي في الشرق الأوسط. والمشاريع الروسية في سورية كثيرة، وهي تشمل قطاعات كثيرة: النفط والغاز والفوسفات والكهرباء والنقل، والتجارة... فـ «سورية بلد ثرواته غير محدودة»، قال ديمتري روغوزين، نائب رئيس الوزراء الروسي، حين زيارته دمشق في ختام العام المنصرم. وبلغت موازنة الجيش الروسي 2700 بليون روبل (38 بليون يورو)- في وقت تبلغ الموازنة الفرنسية 34.2 بليون يورو. ولكن العقوبات الغربية تقيّد موازنة الدفاع الروسية، فتقلصت هذه 30 في المئة، بين 2016 و2018. ونسبة المتعاقدين العسكريين تفوق نسبة المجندين إلزامياً. فثمة دواعٍ اقتصادية وإيديولوجية تحول دون بروز جيش مهني. فتحديث الجيش الروسي، وهو يتمتع بما تملكه القوى الكبرى من الأقمار الاصطناعية إلى الأسلحة النووية، لا يزال غير مكتمل، ولم يُنجز بعد. وهو يعاني مشكلات ضخمة، منها النقص في الفرقاطات وعجزه عن منافسة القوات الغربية وحتى اليابانية في هذا المجال. فـ «أسطول البحر الأسود هو في مثابة متحف عائم»، يسرّ إلينا الكولونيل خودارنوك. واختبرت 4 سفن القصف البعيد المدى فأطلقت من بحر قزوين 26 صاروخاً من طراز كاليبر 3M14، فبلغ 22 منها هدفه في سورية. وطوّر الجيش الروسي في سورية كما في أوكرانيا سلاحاً ليس مستجداً: البروباغندا. فهو يمطر المشاهدين بسيل من صور مزعومة تظهر فيها إعدامات تنفذها سلطات كييف، وتسجيلات فيديو عن قصفه «الإرهابيين» من المعارضة السورية. وفي سورية، التزم الجيش الروسي حرفياً الهدف الذي حدده الجنرال غيراسيموف: بعث القدرات القتالية لجيش في حال يرثى لها وبسط سلطة بشار الأسد. ولكن من الحسنات المرجوة من العمليات الميدانية العسكرية هي قياس قوة قوى إقليمية أخرى. «يبالغ الغرب في تقدير قوة «حزب الله» والقوات الشبه العسكرية الإيرانية، في وقت لا تخفى رداءة مستوى هذه القوات ولا يخفى عجزها عن بلوغ أهدافها». وروسيا المعاصرة أكثر استعداداً للمواجهة مما كان الاتحاد السوفياتي، وقدرات الأخير كانت تفوق قوة روسيا اليوم.
مشاركة :