في ردود الفعل الأميركية على النتائج الأولية لانتخابات مجلس النواب العراقي، أبدى مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى من المعنيين بالشأن العراقي ارتياحهم، معتبرين ان النتائج «أظهرت أن غالبية العراقيين ما زالوا يرون دولتهم على أنها دولة مستقلة وغير تابعة لجارتها الجمهورية الاسلامية» في إيران.وقدّم المسؤولون الاميركيون عدداً من الملاحظات يمكن إيجازها على الشكل التالي:أولاً، لفت المسؤولون الاميركيون الى استتباب الأمن بشكل كبير في معظم المحافظات العراقية وعدم تسجيل حالات عنف تذكر، ما سمح للعراقيين بالإدلاء بأصواتهم بعيداً عن الخوف أو التهديد. ثانياً، اعتبر المسؤولون أن «الديموقراطية في معظمها مبنية على التجربة»، وأن «التجربة العراقية ما تزال تنضج أكثر فأكثر». ولفتوا إلى أنه في الدورات الانتخابية الماضية، حصد بعض المرشحين عدداً من المقاعد جعلت كتلهم ضخمة. أما في هذه الانتخابات، فكان لافتاً فشل كل الأقطاب في حيازة عدد من المقاعد يتجاوز الستين. بشكل عام، اعتبر المسؤولون في واشنطن أن قدرة الأقطاب السياسيين العراقيين على حصد المقاعد تراجعت بمعدل النصف، من قرابة 90 مقعداً في 1020 و2014، إلى ما معدله 50 مقعداً في هذه الدورة.ثالثاً، يعتقد المسؤولون الاميركيون أنه بالنظر الى الدورات الانتخابية المتتالية، يمكن القول إن شعبية المرشحين العراقيين تتراجع بسبب قربهم سياسياً من إيران، وتتحسن في حال بعدهم عنها. ولفتوا إلى أن رئيس الحكومة السابق نائب الرئيس الحالي نوري المالكي حاز على قرابة 90 مقعداً في الدورتين الماضيتين، فيما لم يتجاوز عدد المقاعد التي جازها في الدورة الحالية الـ30. وعزوا أداءه الجيد في الماضي إلى موقعه من الايرانيين، على اعتبار أنه في 2010 و2014 تحدّى الإيرانيين وترأس قائمة في مواجهة القائمة التي كانت محسوبة على طهران، فحصد أكبر عدد من المقاعد. على انه منذ خروجه من رئاسة الحكومة، انقلب المالكي سياسياً من ند للايرانيين إلى تابع لهم، وانقلب في مواقفه السياسية من مطالب بمحاكمة الرئيس السوري بشار الأسد بتهم تورطه في تفجيرات طالت بغداد الى مؤيد للأسد ولتسليحه والدفاع عن بقائه في الحكم.وللدلالة على فاعلية الابتعاد عن إيران في تحسين الأداء الانتخابي للمرشحين العراقيين، قال المسؤولون الاميركيون ان رجل الدين مقتدى الصدر زار الرياض، والتقى فيها ولي العهد الامير محمد بن سلمان، في خطوة اعتبر البعض أنها كانت ستؤدي إلى نهاية الصدر سياسياً. «لكن ما حدث هو العكس، فابتعاد الصدر عن إيران، واقترابه من محيط العراق العربي، وتشديده على استقلال العراق وحكومته، ورفعه أولويات مثل مكافحة الفساد وتحصين سيادة الدولة، كلها مواقف يبدو أنها لاقت استحساناً لدى الناخبين العراقيين الذين منحوا الصدر أكبر انتصار انتخابي وسياسي له منذ انهيار نظام صدام حسين في سنة 2003»، وفقاً للتقديرات الأميركية. رابعاً، رأى المسؤولون الاميركيون ان الفوز المحدود للمرشحين العراقيين المقربين من طهران، وهو فوز منحهم أقل من 75 مقعداً من بين مقاعد البرلمان البالغ عددها 329، يشير الى أن قدرة بسط النفوذ الايراني في دول ذات تعداد سكاني كبير، مثل العراق، أصعب بكثير منها في الدول ذات التعداد السكاني الأصغر نسبياً، مثل لبنان.ففي هذا البلد، الذي يبلغ عدد مواطنيه نحو أربعة ملايين نسمة، ربعهم من التابعين للمذهب الشيعي ممن تعوّل عليهم ايران لبسط نفوذها، يمكن لطهران الفوز بولاء معظم هؤلاء بمدهم بتمويل وتسليح وتدريب. لكن الصورة تختلف في العراق، البالغ عدد سكانه نحو 37 مليوناً، نصفهم من الشيعة، حيث يصعب على طهران تمويل عملية بسط نفوذ لمجموعة أكبر من المليوني صوت التي حازها المرشحون العراقيون المحسوبون على طهران، وهو ما يجعل من بسط الأخير نفوذها في العراق أمراً أصعب بكثير منه في لبنان. خامساً، أبدى المسؤولون الأميركيون ارتياحهم لانخراط سنة العراق في العملية السياسية، ولفتوا إلى إمكانية انخراط القائمة التي يترأسها رئيس الحكومة السابق نائب الرئيس الحالي اياد علاوي في تحالف يضم قائمتي الصدر ورئيس الحكومة حيدر العبادي، وهو تحالف، إنْ تمّ، يشي بالتوصل لائتلاف حاكم متنوع. كذلك، رأى المسؤولون الاميركيون ان الانقسام بين الدول السنية في المنطقة، منذ اندلاع الازمة الخليجية قبل نحو عام، أدى لانقسام مماثل في العراق، وهو ما يعني أن السنة لن يقفوا ككتلة متراصة ضد الدخول في أي ائتلاف حاكم، بل إن الكتلة السنية الثانية، التي يقودها رئيس مجلس النواب السابق أسامة النجيفي، قد تنضم الى تحالف حاكم يختلف عن الذي قد ينضم إليه علاوي. بكلام آخر، سيكون في الحكم العراقي كتل شيعية وسنية، وستجلس كذلك في صفوف المعارضة العراقية كتل شيعية وسنية.أخيراً، يقول المسؤولون الأميركيون إن الانتخابات قد تفتح صفحة جديدة بين كردستان وبغداد، وكذلك بين المركز الفيديرالي في العاصمة والمحافظات التي تم تحريرها من حكم تنظيم «داعش»، وهو ما يساهم في تعزيز الحوار السياسي والتفاهمات، بدلاً من المواجهات العنفية.«الديموقراطية عملية تشوبها الكثير من الفوضى، في كل دول العالم، وهي عملية تراكمية يتعلم منها من يمارسونها مع ممارستها أكثر فأكثر، وهو ما نراه يحدث في العراق بما فيه مصلحة العراقيين، ودول الجوار والعالم بشكال عام». نويرت: نعرف مقتدى جيداً واشنطن - ا ف ب - أكّد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن بلاده تحترم نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في العراق على الرغم من فوز الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي قاتل القوات الأميركية خلال الحرب.وقال ماتيس لصحافيين في وزارة الدفاع الأميركية، مساء أول من أمس، «الشعب العراقي أجرى انتخابات. إنها عملية ديموقراطية في الوقت الذي شكّك فيه أشخاص كثيرون في أنّ العراق يُمكنه تولّي مسؤولية نفسه». وأضاف «سننتظر النتائج، النتائج النهائية للانتخابات. ونحن نحترم قرارات الشعب العراقي».من جهتها، أكّدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت أنّ الولايات المتحدة تعتقد أن بإمكانها «الاستمرار» في إقامة «علاقات جيدة» مع الحكومة العراقية المستقبلية. وأضافت: «اننا نعرف جيداً من هو مقتدى الصدر، نعرف ماضيه ومواقفه، لكننا نثق بالحكومة العراقية».
مشاركة :