من منا لم يسمع حكاية "الأوزة الأم" و"الحسناء النائمة" ومن من الفتيات لم تحلم بأن تكون "سندريلا" التي يتزوجها الأمير، ومن منا لم يحلم في طفولته بأن يكون "عقلة الإصبع" حتى يشاهد الجميع ولا يشاهده أحد، ومن منا لم يحلق مع هذه الحكايا ويعيش داخلها وهو طفل؟ كل هذه الأحلام فجرها داخلنا الشاعر الفرنسي شارل بيرو الذي تمر اليوم 16 مايو ذكرى وفاته، والذي ولد في باريس 12 يناير 1628 وتوفي في 16 مايو 1703 وهو الذي وضع حجر الأساس لنوع حديث في الكتابة الأدبية وسماه بـ حكاية خرافية. وما قدمناه به يعد من أشهر ما كتب. كان شارل أدبيًا متميزا يهوى الكتابة كما أنه كان ميالًا للفلسفة، ترك دراسته إثر شجاره مع أحد أستاذته وكان معه زميل أيضًا، ومنذ ذلك الحين يقرران عدم العودة إلى مقاعد الدراسة من جديد فيتوجه لقراءة الكتاب المقدس ويتمعن في قراءة تاريخ فرنسا وبعض الكتب والمختطفات التي تفيده كثيرًا كدراسة مجانية تنمي ثقافته وتعوضه غيابه عن الدراسة ونتيجة كل المزيج الذي استعمله في دراسته يتمكن من إنشاء كتبه مثل كتاب له يدعى الكتاب السادس من اينييد وكتاب أسوار طروادة. كما استطاع شارل بيرو الوصول لقلوب الملايين من البشر منذ نحو أربعمائة عام، اثر وضعه لمجموعة حكائية كتبها من أجل المساعدة في تربية الأبناء لكي تخدم أهدافا سامية كان يرى من الضرورة طرحها لأطفال المجتمع الفرنسي. وقد لاقت هذه القصص نجاحًا عالميًا لم يتوقعه بيرو ذاته. وتتميز هذه القصص بكونها هادفة ومسلية في الوقت ذاته للقارئ، سواء كان طفلًا أم راشدًا. وتمتاز أيضًا بطابعها الشعبي الذي استقاه من التراث الروائي الشعبي مستخدمًا أسلوب التكرار وموضوع النزاع بين الخير والشر. وقد أعاد بيرو كتابة هذه القصص بأسلوب عفوي وبسيط جعلت منه أول من ابتدع هذا الضرب من القصص التي فاقت شهرتها جميع أعماله الأخرى. هذه القصص التي تشيد بالمتخيّل الشعبي والموروث لشعوب أوروبا، وأبطالها ليسوا سوى صور حديثة لأبطال الأساطير الشعبية، وقد ألبسها بيرّو ثوبًا جديدًا لكي يتجنب رقابة الكنيسة. وعكف البنيويون على دراسة قصص بيرّو وكشفوا عن مفهوم البطل، والبطل الخرافي، والأزمة التي ينبغي للبطل أن يجتازها، والتطور الدرامي الذي يدفع الأحداث إلى الأزمة. ولم تأت شهرة پـِرو من كتابته لهذه القصص وجمعة لها فحسب، بل من الأفكار الجديدة التي طرحها والمشروعات الخصبة التي تطلع فيها إلى المستقبل متفائلًا بالجيل الجديد وبالحداثة.
مشاركة :