أشعل عود ثقاب طفلك

  • 5/18/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من خلال ابنة شقيقتي، أرسلت ريم صالح آل صلاح مقالًا يحمل العنوان الذي ترونه في الأعلى، طالبة مني الاطلاع عليه وتقدير ما إذا كان صالحًا للنشر أم لا. ريم قارئة سعوديّة وفية تحرص دائما على متابعة جريدة «الأيام» البحرينية، وهي ترى أن جريدة «الأيام» تعبر عما يعتمل داخلها من أفكار تروم تعميمها في المجتمع العربي لكي يتجدد الأمل في نهضة طال أمد انتظارها، ويقظة للعقل العربي الذي طال سباته بل وانحرف به البعض عن جادة الصواب ليربو فيه الخرافة والجهل والتخلف والتعصب وكل العاهات التي تشل لدى الإنسان العربي القدرة على التفكير والتمييز بين الباطل والحق، بين الشر والخير. المقال مكتوب بيد يافعة، ولكنها واعدة بحق، وأرى أنه سيكون لها شأن في مجال تخصصها التربوي الذي يُعنى بالتعليم قبل المدرسي. ومن ثم فإن تناولها لموضوع التعليم قبل المدرسي يشي بخامة تربوية ينبغي رعايتها والاهتمام بها.   اطلعت على مقال ريم صلاح آل صلاح، ووجدت بعد إجراء بعض التعديلات الضرورية أن نشره في الجريدة التي تتابعها هي، أي جريدة «الأيام» الغراء، سيكون مفيدًا لها؛ لأن النشر سيكون تشجيعًا لها، من ناحية، ولأن المقال، من جهة ثانية، سيكون مفيدًا للتربويين المشتغلين في هذه المرحلة الحساسة من مسار الطفل التعليمي. ريم آل صلاح كتبت الآتي:  رياض الأطفال هي المؤسسات التربوية التي يتجه لها الأهل لوضع أطفالهم من بعد سهر وعصار جهد، حيث ينتقل الطفل من بيئة المنزل التي يتلاقفه فيها الأبوان والإخوة والأخواب، ويُلاحظ نمطًا واحدًا من السلوك، ويستمع إلى مفردات وجمل مكررة، إلى مرحلة أخرى يتعرف فيها على بيئة جديدة إضافية ومختلفة، تعتبر أساسية لحياة الطفل؛ إذ بفضل انخراط الطفل فيها واندماجه ضمن عناصرها وتفاعله مع مختلف مكوناتها البشرية والتربوية والتعليمية يبني مزيدًا من الخبرات ويغني رصيده المعرفي والذهني بتجارب حياتية جديدة. إذًا رياض الأطفال، وفق منهجية علمية مدروسة تسير وفق زمن يتعلم فيه الطفل الانضباط، والعيش مع الآخرين، هي بلا شك مرحلة انتقالية فاصلة واصلة بين المنزل والمدرسة، وهذا الموقع في ذاته كفيل بتحويلها إلى مرحلة تعليمية تأهيلية إلزامية من دونها قد تتأثر سلبًا الروابط الحيوية لدى الطفل بين المنزل والمدرسة.   إلى حد الآن مرحلة تعليم ما قبل المدرسة اختيارية حتى يقرر المجتمع إلزاميتها ويتراوح زمنها بين سنتين وثلاث سنوات مهمة جدًا، حيث إنها تتيح للطفل الفرصة لكي يعتمد على نفسه، ويتعرف على كل ما هو مفيد في تغيير حياته وتقوية حواسه الخمس وعضلات يديه وتنمية ذاته وحياته الاجتماعية وأيضًا التعامل مع مهارات جديدة عن طريق اللعب أو التعليم وغيرها الكثير. يجب أن تقدم للأطفال في هذه المرحلة النمائية الحساسة مهارات ونشاطات ذات قيمة وهدف يجب أن نكون غيورين جداً على الوقت المستقطع لهم، أي ينبغي أن يكون الوقت لديهم ذا فائدة حتى يتربوا على تقدير أهمية إدارة الوقت، وفي المقابل يجب أن نكون حذرين وغير متساهلين بشأن أطفالنا علينا أن نحكم بناء بذور العلم لديهم، وأن نشعل رغباتهم، ونوقد حماسهم بالشكل السليم، ونكون حريصين كل الحرص على النأي بهم عن أدوات الفشل وأساليبه، فأطفالنا يجب أن يكونوا كالنحلة لا ترى إلا الأزهار والأشجار ولا تقع إلا على كل ما هو جميل ومفيد.   ومن هنا تكون رعاية الطفل بالشكل السليم بحيث يتم تزويده بالمواقف والمهارات والقيم السلوكية الموجهة والابتكارات الحركية واللغوية واللعب ومشاركته بالأعمال والحوارات والتعليم المفيد الغني بكل ما هو جديد ورعاية الطفل بالعلم وصيانة فطرته وتزويده بمفاهيم شاملة. فمرحلة الروضة يجب أن تكون هي المكان الأمثل لدى الطفل؛ لما تحتويه من أمور مثيرة لعالمه ولما توفره له من اختيارات واكتشافات ومجالات معرفية متجددة متنوعة، ولما تيسره عليه من بناء صداقات لأطفال في سنه، وتوفره له من حب للناس. من هنا ندرك الدور المهم الموكول إلى مربية الأجيال - هذا طبعا بعد دور الأب والأم والأسرة- فواجب المربية أن تضع بالحسبان أن في رياض الأطفال، بلا شك، الكثير من الصعاب والعقبات، وأن عليها مع ذلك أن لا تجعلها تنعكس على أدائها، وأن لا يكون قيامها بدورها التربوي مشروطًا بزوال تلك العقبات، بل عليها أن تتعايش بذكاء مع كل المواقف والأحداث وتتعامل مع الأطفال بود وحب وتتقبل نفسياتهم ومشاعرهم المتقلبة بين الحين والآخر، وتتذكر القول المأثور الآتي: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه» وكل جهد في غير اتجاه الهدف جهد ضائع.   انصتي إلى بوصلة قلبك وتأمليه: أي الأماكن أجمل من رياض الأطفال لترك بصمتك في تربية عقول بيضاء نقية. وضعي أمام عينيك ضميرك الحي واجعلي من طفلك مرآة صادقة لأحاسيسه لكي يُلبِسنا التفاؤل رداءه. يجب أن نزرع العبير في أفواه صغارنا دوماً وأبداً وأن نجعل صغارنا يبحرون في عالمهم ليكتشفوا بأنفسهم طاقاتهم الإبداعية وننمي كل جانب إيجابي في عقولهم النيرة مراعين في كل ذلك ما بينهم من فروق فردية.  علينا نحن كأولياء أمور أن يبحث كل واحد منا عن عود ثقاب طفله؛ ليوقده أملًا في تفجر طاقاته لإضاءة مستقبله، وليس الأمر بعزيز علينا، فمن جاؤوا إلى دنيانا ليزرعوا فينا البسمة أهل لأن نكون معهم في خطواتهم الأولى مساعدًا ورفيقًا وصديقًا ومربيًا يزرع في نفوسهم الغضة الثقــة بالنفــس والتفاؤل وحـب الآخرين.

مشاركة :