كغيرهم من أبناء الشعب، يعاني الصحفيون الفلسطينيون (حراس الحقيقة) من مقارفات الاحتلال الإسرائيلي. وفي أوج المواجهات والصدامات، تتضاعف هذه المعاناة التي لم تعد تقتصر على الصحفي بل تجاوزته إلى كل ما يتعلق به من محطات وإذاعات ومقرات. والصحفي الفلسطيني، في سبيل البحث عن المعلومة ومتابعة الحدث، يدفع أثمانا باهظة بحكم طبيعة عمله حيث يجد نفسه –لا محالة– عرضة للأخطار الملازمة للعمليات العسكرية، ومع ذلك نجده بدلا من الهروب من المعركة يبحث عنها. في اليوم العالمي لحرية الصحافة، الثالث من مايو من كل عام، وفي ظل تعاظم «مسيرات العودة» وبالذات على طول حدود قطاع غزة، يتعرض الصحفي الفلسطيني لانتهاك حقيقي من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدم قوة النار التي أدت إلى استشهاد اثنين من الصحفيين نتيجة عمليات الاستهداف المباشرة لهم أثناء تغطية «المسيرات» على حدود القطاع الشرقية، وذلك في محاولات الاحتلال المستمرة لحجب الحقيقة عن العالم، مع تواصل حملة التحريض ضد الصحفيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإسرائيليين، والتي بلغت ذروتها عبر نشر منشورات وتغريدات تحريضية ضد الصحفيين، وتهديدات لهم ودعوات إلى قتل كل صحفي فلسطيني يتواجد بمواقع «المسيرات». بالمناسبة العالمية هذه، رصد مركز «غزة لحرية الإعلام» انتهاكات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري 2018 والتي بلغت (241) انتهاكًا، فيما أظهر تقرير وزارة الإعلام الفلسطينية السنوي أن «عام 2017 شهد (784) انتهاكًا إسرائيليًا بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في الأراضي الفلسطينية مستخدمًا القوة المباشرة والمفرطة لقمع الصحفيين والصحفيات ووسائل الإعلام من أجل إقصائهم وإبعادهم عن الميدان ومنع عمليات التغطية». وهذه المقارفات جعلت «كلا من الصحفيين الميدانيين، والمصورين في مقدمتهم، يدفعون أثمانا باهظة للتمكن من الاستمرار في القيام بأعمالهم المهنية ونقل الحقيقة»، كما بين التقرير أن «معظم انتهاكات الاحتلال خلال 2017 تندرج ضمن الاعتداءات الجسيمة والمركبة وذات التأثير الخطير والعميق على حرية الصحافة، ولا سيما أن مجموعة منها تهدد بتقويض قدرة العديد من المؤسسات وعشرات الصحفيين العاملين فيها على الاستمرار في هذه المهنة وتُخرجهم من هذا الحقل». من جانبه، أكد نقيب الصحفيين الفلسطينيين أنه «في آخر أربع سنوات، ارتكبت قوات الاحتلال عددا كبيرا من الجرائم بحق الإعلام الفلسطيني سقط خلالها 24 شهيدا من الصحفيين الفلسطينيين، بينهم 21 شهيدا في غزة، واثنان بالقدس وواحد في الضفة الغربية». ومؤخرا، وجه «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» شكوى عاجلة لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير حول استهداف الصحفيين على حدود قطاع غزة، مثلما دعا لفتح تحقيق دولي عاجل في استهداف الصحفي الفلسطيني ياسر مرتجى (30 عامًا)، الذي كان يرتدي سترة الصحافة أثناء تغطيته الصحفية «لمسيرات العودة». إن تعمد الاحتلال استهداف الصحفيين يصب في تأكيد حقيقة الإرهاب الإسرائيلي، الأمر الذي بات يتطلب مساءلة الاحتلال. وفي هذا السياق، حسنا ما دعت إليه الأطر والمنظمات النقابية والحقوقية الفلسطينية بشأن تدويل قضية الصحفيين ومطالبة مجلس الأمن الدولي بتطبيق قراره (2222) وما تضمنه من رسائل للدول والمنظمات الإقليمية والمحلية للاستفادة من الممارسات والتجارب والدروس المتصلة بحماية الصحفيين وإدانته لكل أشكال الانتهاكات والاعتداءات ضدهم خلال النزاعات المسلحة، وحثه لاحترام استقلاليتهم المهنية وحقوقهم خلال النزاعات، وإدانته لاستمرار إفلات المعتدين عليهم من العقاب والدعوة إلى مقاضاتهم، من دون مراعاة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكفل حماية الصحفيين أثناء الحروب والأعمال الحربية، وخاصة أن القانون الدولي الإنساني يكفل حماية كاملة للصحفيين، وينص على أن «الصحفيين يتمتعون بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات المسلحة الدولية. وينطبق الشيء نفسه على حالات النزاع غير المسلح». ولأن الأطر الصحفية في قطاع غزة، باتت تملك اليوم الإثباتات الحقيقية والكاملة التي تدين الاحتلال باستهداف الصحفيين بشكل مباشر، جاء التأكيد على ضرورة رفع دعاوى قضائية في المحافل الدولية ضد الاحتلال بتهمة استهداف الصحفيين بشكل متعمد. رغم محاولة الاحتلال إخفاء الحقيقة ومنع الصحفيين من التصوير ونقل حقائق الأحداث، أثبت حراس الحقيقة الفلسطينيون أنفسهم، فنقلوا معاناة شعبهم إلى العالم كافة، ولعبوا ويلعبون دورا كبيرا في تغطية «مسيرات العودة»، وكشفوا جرائم الاحتلال ضدها. ولأن الحقيقة هي أول ضحايا الحروب، بعد أن أضحت الصور والأخبار في عصر المعلومات تؤثر بشكل حاسم في نتائج الأحداث، كان لا بد لإسرائيل من عرقلة الصحفيين عن أداء مهامهم الإعلامية. ختاما، نجدد التأكيد على ضرورة تكثيف وتسريع خطوات الأطر النقابية والقانونية الفلسطينية لاستكمال الملفات القانونية لجرائم الاحتلال بحق الصحفيين، وخاصة في قضيتي استشهاد الصحفيين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، إلى بعض محاكم الدول الأوروبية التي تتيح قوانينها تقديم مثل هذه القضايا، بل ومواصلة البحث عن منافذ قانونية للتقدم لمحكمة الجنايات الدولية.
مشاركة :