يحدث مرض سيلياك للأشخاص الذين لديهم الاستعداد الجيني الوراثي؛ فتتأثر أمعاؤهم عند تعرضها لمادة الجلوتين؛ وهو بروتين موجود في القمح والشعير والشوفان المتواجدين بكثرة في المعجنات؛ مثل: الخبز والبسكويت والمعكرونة وغيرها، فتتوقف الأمعاء الدقيقة عن امتصاص بعض أنواع الطعام، ويصاب المريض بالانتفاخات وكثرة الغازات والإسهال مع الضعف والهزلان.يصيب هذا المرض الكبار والصغار على حد سواء، وإن كانت نسبة إصابته في الصغار أكبر، وربما لا تظهر أي أعراض على بعض المرضى؛ ولكن تكشف التحاليل ضعف امتصاص الأمعاء الدقيقة متأثرة بالجلوتين في الأطعمة التي يتناولها المريض.وتزداد احتمالية ظهور المرض عند المصابين بمتلازمة داون، ومتلازمة تيرنر، ومرضى السكري، الذين يستعملون الأنسولين، وكذلك مرضى الالتهاب المناعي للغدة الدرقية.ويعد السيلياك مرضاً مناعياً ذاتياً، أي أنه ينتج عن رفض الجسم ممثلاً في جهاز المناعة لمادة بروتين الجلوتين، فتهاجم الخلايا الليمفاوية المناعية النتوءات الماصة، التي تملأ جدار الأمعاء الدقيقة عند امتصاصها الجلوتين، فتتآكل نتوءات الأمعاء الدقيقة، ويقل سمكها حتى تتسطح فتضعف ولا تستطيع تأدية وظيفتها.نتناول في هذا الموضوع تفاصيل الإصابة بمرض السيلياك، والعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة به، والأعراض التي تظهر، مع عرض طرق وأساليب الوقاية والعلاج المتاحة والحديثة. سطح أملس يصل طول الأمعاء الدقيقة عند الشخص البالغ حوالي 6 أمتار أو أكثر، وهي ملتفة في شكل طبقات تحت بعضها، وتوجد بها نتوءات لزيادة سطحها وبالتالي زيادة قدرتها على امتصاص المواد الغذائية القادمة على شكل عصارة سائلة من المعدة.وتوجد بخلاف ذلك نتوءات صغيرة للغاية لا ترى إلا بالمجهر، وهي التي تمتص البروتينات والدهنيات وبعض السكريات والأملاح المعدنية والماء والفيتامينات «أ»، «د»، «هـ»، «ك».تضرب الخلايا الليمفاوية هذه النتوءات؛ حيث تحول سطح الأمعاء الدقيقة مع الوقت إلى سطح ناعم وأملس وغير قادر على الامتصاص؛ وذلك يفسر هذا الضعف الذي يصيب المريض؛ جرّاء مرض سيلياك، ويسمى مرض سيلياك بعدة أسماء منها: إسهال السيلياك، والداء البطني، وداء عدم تحمل الجلوتين والداء الزلاقي.لا يعرف الأطباء إلى الآن سبب حدوث هذا المرض؛ ولكن كغيره من أمراض المناعة الذاتية والمكتسبة، فإن السبب يرجع إلى الجينات والوراثة، وبالفعل فإن وجود المرض في أحد أفراد العائلة، يعني احتمالية وجوده في آخرين من نفس العائلة.ويشير وجود توافقات جينية معينة لدى الشخص إلى احتمالية أكبر لإصابته بداء السيلياك، ومهاجمة الجهاز المناعي للأمعاء حال قيامها بدورها الطبيعي بامتصاص الجلوتين. الصغار والكبار تظهر أعراض مرض سيلياك في عمر مبكر عند الأطفال، وهو سن 9 شهور فأكثر أي بعد بدء الأبوين بإطعامه منتجات دقيق القمح، وغيرها من المنتجات التي تحتوي على الجلوتين.ويصاب الطفل بآلام في البطن والوهن والضعف ونقصان الوزن، ويتأخر نموه، ونتيجة لنقص فيتامين «ك» يسهل حدوث نزيف للطفل، ويصعب على الدم التجلط.ويصيب المرض الكبار فيعانون التعب والإجهاد وتقلص العضلات وآلاماً في العظام، وتقرح فم وتشقق اللسان وتنميل أو خدر في الأقدام، وكل هذا نتيجة عدم استفادة الجسم من الطعام الذي يتناوله المريض.وتزيد بالتالي رغبة المريض في الأكل، ولكن أحياناً يحدث العكس، ويفقد المريض شهيته، ويصاب بالغثيان وبإسهال مزمن، أو يصاب بالعكس بالإمساك.وتصبح الفضلات ذات رائحة كريهة وباهتة اللون، وتحتوي على مواد دهنية، مع كثرة الغازات والانتفاخات، ويشعر المريض بعدم القدرة على التركيز.ويلاحظ عليه الشحوب والإرهاق، وتختفي الدورة الشهرية عند النساء، وربما تظهر على المريض أمراض عصبية، وبعض المرضى لا تظهر عليه أي أعراض أولية للمرض؛ ولكن عند معرفته أنه مصاب فعليه الالتزم بالأطعمة الخالية من الجلوتين. تأثير سيئ يؤدي إهمال المريض لعلاج المرض إلى تأثيرات سيئة؛ وذلك بمرور الوقت، فمهما كان نظام المريض غنياً بالعناصر الغذائية فإنها لا تمتص، ولا تفيد جسمه في نهاية المطاف.ويؤدي ذلك إلى إصابة المريض بسوء التغذية، والالتهابات المعوية الشديدة، وضعف العظام كما تصيبها الهشاشة، ويبدو المصاب أقصر؛ لأن المرض يؤدي لحدوث قصر للقامة، إضافة إلى فقدان الوزن المستمر، ويتوقف النمو عند الأطفال.ويصاب المريض بفقر الدم وبتقرح الجلد والحكة، كما يؤثر المرض في قدرة الأمعاء على امتصاص مواد أخرى مثل اللاكتوز المتواجد بمنتجات الألبان، ولا يقدر الجسم امتصاص اللاكتوز حتى يعالج من السيلياك.وتتعرض الأم الحامل للإجهاض؛ نتيجة قلة امتصاص الغذاء، ومن مضاعفات المرض الشديدة سرطانات الأمعاء، وفي حالات محدودة لم تتحسن حالة المريض للعلاج لطول المدة التي ظل فيها مريضاً، وتأخره في العلاج كثيراً أوعدم التزامه به فأصبح الضرر في الأمعاء دائماً. المنظار آخر الحلول تتشابه أعراض مرض سيلياك مع الكثير من الأمراض الأخرى؛ مثل: القولون العصبي والإرهاق المزمن، فيصعب على الطبيب التشخيص بسرعة؛ ولكن مع ذكر المريض للأعراض، يبدأ الطبيب بالفحوص والتحاليل؛ لتحديد نسبة الحديد في الدم ونسبة مضادات الجلوتين في الدم.ويقوم الطبيب بعمل منظار للمعدة، وأخذ عينة من الأمعاء الدقيقة إذا لم تتضح النتيجة؛ حيث يكشف المنظار وجود ضرر في جدارها، ما يؤكد ويشخص مرض سيلياك.يجب على مريض سيلياك أن يمتنع تماماً عن أي غذاء يحتوي ولو على القليل من الجلوتين، فيمتنع عن القمح ومصنعاته من خبز وفطائر وكيك ومعكرونة وكل المعجنات.ويمتنع كذلك عن الشوفان والشعير والبرغل والحنطة، ويتأكد تماماً من خلو كل ما يأكله من هذه المواد. وتبدأ أعراض المرض في الانحسار التدريجي في حال التزامه التام بذلك، ويشعر المريض بالتحسن بعد أيام قليلة.يحتاج شفاء الأمعاء الدقيقة والأنسجة المتآكلة تماماً وعودتها لكامل قدرتها إلى أعوام؛ لذا ربما يلجأ الطبيب إلى المكملات الغذائية والفيتامينات والمعادن؛ لتسريع عودة الجسم لطبيعته ونشاطه، ويلجأ إلى الحقن الوريدية إذا لم تؤد الأقراص دورها. العودة لنقطة الصفر يشير الأطباء إلى أنه لا توجد علاجات دوائية أو جراحية لمرض سيلياك، ولا يوجد حل سوى التوقف التام عن تناول المنتجات التي تحتوي على الجلوتين، وأي خطأ يعود بالمريض إلى نقطة الصفر؛ لذا فعلى المريض الحذر مما يأكله.وتوجد اليوم الكثير من الأطعمة الخالية من الجلوتين، والتي تصنع من دقيق الذرة، أو الأرز وخلافه، وتتوافر أنواع عالية الجودة مما يعني مذاقاً مشابهاً للأطعمة الأصلية، وعلى المريض الحذر من الأكل الذي يتناوله في المطاعم أو الفنادق أو الولائم والحفلات ولا يأكل إلا مما يضمن خلوه وخلو إضافاته وما يضاف إليه من نكهات من الجلوتين. حمية بدون الجلوتين يجب أن يعرف المريض أن التزامه بالابتعاد عن الجلوتين، وما يسمى بالحمية الخالية من الجلوتين يقيه الكثير من الأمراض، وعلى رأسها سرطان المعدة، وعلى الأم التي يصاب صغيرها بداء السيلياك أن تثقف نفسها، وتتعرف بدقة إلى ما يمكن أن يؤذيه ويؤخر نموه، وعلى أقارب المريض القيام بالفحوص عند أي اشتباه في المرض؛ لأنه مرض وراثي تتحكم في ظهوره الجينات.ويتجه المريض إلى الخضراوات والفواكه في صورها الطبيعية، ويبتعد عن المعلبة غير الواضحة مكوناتها، وغير المدون عليها المكونات بوضوح تام.ويلجأ للبيض واللحوم والحليب ومنتجاته، ويبتعد عن المنتجات المتبلة والمعلبة، والتي لا تعرف مكوناتها بدقة، ولا يتناول الخبز إلا إذا كان معداً من دقيق الأرز أو الذرة.يجد مرضى سيلياك اليوم الكثير من الإرشادات والكتب التي تعينهم على الالتزام بحميتهم، وتشرح لهم طرق تحضير الطعام بطرق ومواد غير ضارة لهم، وعليه تحضير طعامه بنفسه أو أسرته التي تعلم بطبيعة مرضه، ولا يلجأ للأطعمة الجاهزة أو المعدة خارج المنزل. سنوات للشفاء تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن مرض سيلياك يصيب نحو 1.06% من أطفال العالم، وترتفع النسبة ارتفاعاً ضئيلاً إلى 1.2% عند البالغين، وتصل النسبة إلى 10% لدى مرضى متلازمة داون ومتلازمة تيرنر ومرضى السكر المعتمدين على الأنسولين.ترتفع نسبة الإصابة بمرض السيلياك في أوروبا الغربية، إذ يصيب شخصاً على الأقل من كل 133 نسمة.تتجاوز دقة تحليل قياس نسبة مضادات الجلوتين في الدم 90% في تأكيد أو نفي الإصابة بداء سيلياك، ويتحسن مريض سيلياك بعد بضعة أسابيع من توقفه عن تناول مصادر الجلوتين، لكن الشفاء التام للأمعاء يستغرق ما بين 2 إلى 3 سنوات.تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة أقل من 10 مليجرامات من الجلوتين لن تضر مريض سيلياك، ولذا فبعض المصانع تشير إلى أن منتجها خالٍ من الجلوتين، رغم احتوائه على أقل من 10 ملجرامات، من أجل ذلك يفضل الطعام المحضر في المنزل لضمان خلوه التام من الجلوتين، وحتى يؤكد لنا العلماء صحة الدراسات.
مشاركة :