تنتج الكثير من الاضطرابات والمشاكل الصحية نتيجة حدوث خلل في التوازن الهرموني في جسم الشخص، وتزايدت في الآونة الأخيرة، الأمراض الناجمة ذات الصلة بالهرمونات، ويوجد العديد من العوامل والمسببات التي تؤدي إلى حدوث هذه الاضطرابات وفقدان التوازن الهرموني لدى الكثير من الأشخاص سواء الرجال أو السيدات.يؤثر نمط الحياة الحديثة على التوازن الهرموني، مثل دخول الكيماويات في صناعات الأغذية وانتشار الملوثات في كل مكان بالهواء أو الماء أو المأكولات، وأدى الخلل الذي حدث في التوازن الهرموني إلى الإصابة ببعض الأمراض، ومنها تكيس الثدي وسرطان المبيض وعنق الرحم والثدي، وارتفعت نسب حدوث العقم ومرض البطانة الرحمية وظهرت الأورام الليفية، لدرجة أن معدل ارتفاع الإصابة بمرض سرطان الثدي ارتفع إلى مستويات خطيرة لم تكن بنفس القدر في السنوات الماضية، كما تراجعت أعداد الحيوانات المنوية لدى الذكور بنسبة 55% في فترة الـ 25 سنة الأخيرة، وارتفع معدل الإصابة بأمراض سرطان البروستاتا وتضخمها وسرطان الخصية، وزادت نسبة العيوب والتشوهات الخلقية في الجهاز التناسلي، وسوف نتناول في هذا الموضوع الأسباب التي تؤدي إلى حدوث مشكلة الخلل في التوازن الهرموني بالجسم، والأبحاث والدراسات الحديثة التي اهتمت بهذا الشأن، وتقديم التوصيات التي يمكن أن تفيد في تعديل هذه المشكلة والوقاية منها.سلبيات الصناعيةيؤثر تناول الهرمونات الصناعية أو التعويضية أو المخلقة بكل أنواعها على عملية التوازن الطبيعي في الجسم، فالمرأة حين تتناول هرمون البروجسترون الصناعي من أجل استمرار التخصيب والحمل، أو تنظيم الدورة الشهرية والحفاظ على حالة العظام القوية، وبعض الوظائف المهمة الأخرى في جسم المرأة، ولأن هذه الجرعة التي تتناولها تصبح كبيرة للغاية عن المعدل الطبيعي الذي ينتجه الجسم، فهي في الواقع تشبه البروجسترون الطبيعي ولكنها مكونة من مواد كيميائية، وبالتالي تؤدي إلى حدوث ارتباك وخلل في الكيمياء الحيوية للجسم، بما يعني أنها تعتبر مواد سامة تدخل الجسم وتحدث خللاً في طبيعته الهرمونية، وثبت أنها أحد مسببات زيادة فرص الإصابة بمرض سرطان الثدي، وأيضاً نفس الخلل تسببه الإستروجينات الصناعية عند تناولها، وبالتالي تفقد المرأة التوازن الفطري والطبيعي المنظم لعمل هذه الهرمونات، ما يؤدي في النهاية إلى الإصابة بالكثير من الخلل والاضطرابات الصحية والنفسية أيضاً، وهذا التدخل البشري في عمل الهرمونات، له إيجابيات ولكن له سلبيات متعددة تكتشفها الكثير من الأبحاث والدراسات الحديثة.انتشار المواد الكيميائيةتوصل عدد من الباحثين إلى أن المواد الكيميائية المنتشرة في الكثير من المواد والغذاء، لها تأثير سلبي للغاية على الأجهزة التناسلية وعملية التخصيب، رغم نمط الحياة الحديث الذي يتميز بالرفاهية والرعاية والتقدم الصحي، وكل المميزات في سبل العلاج والكشوف الطبية الحديثة، وهو ما يسبب خطورة حقيقية على قدرة الأشخاص على التناسل، ويشير هؤلاء الباحثين إلى أن المواد الكيميائية الشائعة توجد في الماء والهواء والمأكولات، وتعمل على إفساد التوازن الهرموني وتحويل مساره الطبيعي إلى اتجاه مضر، ومن هذه المواد الكيميائية المبيدات الحشرية ومنها أنواع كثيرة مثل: مادة دي دي تي و توكسافين و الليندان وغيرهم، بالإضافة إلى استعمال الكثير من المواد البلاستيكية التي دخلت في تغليف كل المنتجات، وأصبح لا غنى عنها في التعامل اليومي، ومن هذه المواد الفثلات ومركبات البيسفينول وأنواع أخرى من هذه المواد، ومن المواد الصناعية التي تستخدم بكثرة مركبات الديوكسينات هي من الملوثات البيئية التي تنتمي إلى المجموعة القذرة، وهي من المواد الكيميائية الخطيرة وتعرف بالملوثات العضوية الثابتة، ومن الأدوية الإستروجينات المخلقة، وغالبية هذه الملوثات الكيميائية تؤدي دوراً قريباً مما يفعله الإستروجين في الجسم، ويعتبر الإستروجين هرموناً يحفز نمو بعض الأنسجة ذات الحساسية الهرمونية، وفي حالة امتصاص هذه المواد الكيماوية بجانب الإستروجين الطبيعي والذي ينتجه الجسم، بالإضافة إلى ما تتناوله النساء من الإستروجين الموجود في حبوب منع الحمل أو مثل العلاج الهرموني التعويضي، وكل هذه المواد تؤدي إلى زيادة تغيير الإستروجين في جسم الشخص، وبالتالي تزيد نمو الأنسجة الحساسة ويرتفع خطر الإصابة بأمراض السرطانات التي تتعلق بزيادة الهرمونات، وتأثير هذه المواد والمركبات الكيميائية لا يكون مباشراً، وتقوم بعمل ارتباك في الإشارات الهرمونية الجسدية، وبالتالي يحدث تغييراً في وظائف الخصوبة والنمو التناسلي، وارتباك الهرمونات يؤثر في قدرة الجسم على التكيف والاستجابة للعوامل البيئية الأخرى.العقم والبلوغ المبكريتعرض الأشخاص بصفة مستمرة إلى هذه المواد والمركبات الكيميائية الملوثة والمربكة لعمل الهرمونات، مما يؤدي إلى حدوث بعض التغيرات للهرمونات أثناء فترات الحمل ونمو الجنين في بطن الأم، ويمكن أن تصل هذه التغييرات إلى حدوث عقم لدى الجنين في المستقبل، وأيضاً يصبح معرّضاً أكثر للإصابة بأمراض السرطان بعد الوصول إلى سن البلوغ، أي أن هذه المركبات والمواد الكيميائية الموجودة في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، تسبب حالة من ضعف التكاثر بل يمكن أن تؤدي إلى مشكلة انخفاض ضخم ومخيف في أعداد البشر، إذا استمرت هذه الحالة من التلوث الكيميائي الفج، كما أدت هذه المشكلة إلى حدوث ظاهرة جديدة، وهي بلوغ الإناث بشكل مبكر عن الموعد الطبيعي، وحسب دراسة أمريكية حديثة ذكرت أن بدايات البلوغ لدى الفتيات أصبح يظهر في عمر التاسعة، وكان يحدث في سن أكبر من ذلك في الماضي، وفي المملكة المتحدة يبدأ سن النضج في عمر 10 سنوات، وكان يظهر في البلد نفسه في سن 14 عاماً في القرن السابق، ويفسر الباحثون ذلك بأنه عندما قاموا بتعريض فئران التجارب لمعدلات أعلى من المستوى الطبيعي لهرمون الإستروجين وهي في مرحلة الأجنة، فإن بلوغها في المستقبل كان أسرع في سن مبكرة عن العمر الطبيعي والتقليدي لها في البلوغ، ما يشير أن هناك خللاً حدث في الهرمونات بصفة عامة في الأجيال الناشئة.ارتباك التكيفثبت أن التعرض لهذه المركبات الكيميائية يسبب العديد من السلبيات الأخرى، ومنها فقدان الشخص للقدرة على التكيف الطبيعي والفطري مع مستجدات وتغييرات البيئة المحيطة، أي أن هذه المواد تعمل في جسم الشخص بمنزلة مضاد للتكيف، لأنها تؤدي إلى اضطراب ملحوظ في عمل شبكة الأعصاب وأيضاً الهرمونات والمناعة، وهي الأدوات التي يستخدمها الجسم في التعايش والتكيف مع حالات الطبيعة المتغيرة والمتقلبة، والتي تعمل على توفيق الوضع والحصول على حالة صحية جيدة تقاوم التغيرات، ومع قلة العناصر الغذائية التي تساهم أيضاً بجزء في هذا التكيف، ومنها المعادن الضرورية والفيتامينات والدهون المفيدة والمواد المضادة للأكسدة وغيرها التي تعمل على تخليص الجسم من النفايات والسموم، من أجل الحفاظ على التوازن الهرموني داخل الجسم، وبالتالي مع زيادة هذه المركبات الكيميائية ونقص العوامل الأخرى التي تساعد على التوازن، يحدث تدهور مستمر في الصحة وضعف عام وشيخوخة مبكرة، كما يعتقد الباحثون أن هذه البيئة الملوثة تؤدي إلى حدوث حالة اضطراب وارتباك واضح ومستمر في الكيمياء الحيوية الطبيعية داخل الجسم، نتيجة قدرة هذه المواد على التعامل مع مستقبلات الهرمونات، مما يسبب حدوث تغير في مقدرة الجينات على الاتصال بخلايا الجسم وصدور التعبير الجيني الطبيعي، وهذه الآلية مهمة للبقاء في حالة صحية جيدة، بل رصد الباحثون أن بعض هذه المركبات الكيميائية يمكن أن توقف عمل مستقبلات الهرمون بشكل كلي، كما تعمل في الحالات عمل هذه الهرمونات، بالإضافة إلى أن بعض هذه الكيماويات تؤثر في الرسائل الهرمونية وتحدث لها حالة ارتباك كبيرة، وكيمياء الجسم لا تتوافق مع التعرض لهذه المركبات الكيميائية، وتضر كلاًّ من الرسائل ومستقبلات الهرمون. أمراض السرطان تشير دراسة حديثة إلى أن الهرمونات المخلقة التي تقوم بدور الهرمون الطبيعي، لها تأثير مضر للغاية في الأشخاص، وخاصة هرمون الإستروجين الذي تم تخليقه صناعياً، وهذا الهرمون تم إعطاؤه لعدد من السيدات والحوامل في تجربة لمعرفة مدى تأثيره في الصحة العامة لمدة 5 سنوات، وظهرت بعض النتائج المثيرة للدهشة، حيث ارتفعت معدلات الإصابة بأمراض السرطان، مثل سرطان المهبل وحدوث خلل كبير في تطور الأعضاء التناسلية، كما ظهر أيضاً أن الأطفال الذكور المولودين من الأمهات التي تناولت هذا الهرمون، حدث لهم عيوب متباينة في الأعضاء الذكرية، بل تعرض الكثير منهم للوفاة، وأصيب عدد آخر منهم بحالة العقم الكاملة، كما أن هناك خطورة كبيرة من الكميات التي يمكن أن يتناولها الشخص من هذه الهرمونات الاصطناعية أو غير الطبيعية، وما تسببه من حدوث خلل في الاتزان، بينها وبين الأنواع الأخرى من الهرمونات، وتكشف الدراسة أن كمية الهرمون في قرص صغير من حبوب مانع الحمل تفوق بشكل كبير الكمية التي يفرزها الجسم بشكل طبيعي، وبالتالي يحدث فقدان للتوازن الطبيعي بين هرمون البروجسترون مع هرمون الإستروجين في الجسم، وينجم عن ذلك مشاكل صحية مستمرة.
مشاركة :