التهديد بإلغاء قمة ترامب وكيم والعودة إلى حافة الهاوية

  • 5/20/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في خطوة مفاجئة هددت كوريا الشمالية بالانسحاب من قمة هي الأولى من نوعها بين زعيمها كيم جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترامب في 12 يونيو بسنغافورة، إذا واصلت واشنطن المطالبة بالتخلي عن ترسانتها النووية من جانب واحد. واعتبر النائب الأول لوزير الخارجية الكورية الشمالية كيم كي غوان، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية، أن المطالب الأميركية بشأن نزع السلاح النووي لبلاده تمثل “محاولة مغرضة لإخضاع كوريا الشمالية لمصير ليبيا والعراق”، وأنّ بيونغ يانغ “تشك في أن الولايات المتحدة تريد فعلا تحسين العلاقات من خلال الحوار والتفاوض، وبالتالي قد نجد أنفسنا مضطرين لإعادة النظر في ما إذا كنا سنقبل لقاء القمة المرتقب”. جاء هذا التهديد بعدما ثارت شكوك بشأن إمكانية عقد قمة بين ترامب وكيم، والتي بدت حتى وقت قريب مستحيلة بسبب تبادل الإهانات والتهديدات بين الرئيسين خلال العام الماضي مع تصاعد التوتر بشأن برامج بيونغ يانغ الصاروخية والنووية، وبعدما نددت كوريا الشمالية بإجراء مناورات ماكس ثوندير العسكرية الجوية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في الفترة من 14 إلى 25 مايو الجاري، ووصفتها بأنها “استفزاز عسكري مقصود” و”بروفة لغزو البلاد” و”تحدّ واضح” لـ”إعلان بانمونجوم” الصادر عن قمة الكوريتين التي انعقدت في 27 أبريل الماضي. بناء على ذلك، ألغت بيونغ يانغ محادثات رفيعة المستوى كانت مقررة مع سيول الأربعاء الماضي لتنفيذ “إعلان بانمونجوم”، والذي يتضمن تعهدات بإنهاء الحرب الكورية رسميا والسعي من أجل “النزع التام للأسلحة النووية”. وأثار توقيت التطورات الأخيرة من جانب كوريا الشمالية جدلا كبيرا في أوساط سياسية متعددة. وهناك فريق يرى أن كوريا الشمالية تريد من وراء التهديد بعدم عقد القمة مع ترامب وإلغاء المحادثات المقررة مع الجار الجنوبي، كسب قوة تفاوضية أكبر خلال المرحلة القادمة. ويؤكد فريق آخر أن المواقف الأخيرة لبيونغ يانغ جاءت بعد أن تخطى الأميركيون والكوريون الجنوبيون “الخط الأحمر” الواضح من جانب كوريا الشمالية، ومثل انطلاق المناورات الجوية الأميركية – الكورية الجنوبية تهديدا مباشرا للأمن القومي لها، لأنها تشتمل على 100 طائرة منها قاذفات القنابل الاستراتيجية بي – 52، والمقاتلات الشبح أف – 22، وهذه النوعية من الطائرات قادرة على حمل رؤوس نووية، وشن غارات شديدة الدقة قد تستخدم لتصفية قادة النظام الكوري الشمالي. وأصرت واشنطن على إجراء هذه المناورات مع سيول في الوقت الحالي لتوجيه رسالة قوية إلى كوريا الشمالية بأنها لم تستبعد بعد إمكانية استخدام الخيار العسكري في حال فشلت قمة ترامب وكيم، في إطار استراتيجيتها المعروفة بممارسة “أقصى الضغوط” على بيونغ يانغ لدفعها إلى التخلي عن برامجها النووية والصاروخية. إلغاء قمة سنغافورة سيوجه ضربة قوية لما يمكن اعتباره أكبر إنجاز دبلوماسي لرئاسة ترامب في مواجهة ذلك، يميل قادة كوريا الشمالية إلى العودة من جديد إلى سياسة حافة الهاوية مع واشنطن بعد أن دعم زعيم كوريا الشمالية جهود التهدئة في شبه الجزيرة الكورية منذ بداية العام الحالي. وكان من أبرز هذه الجهود عقد قمة مع نظيره الكوري الجنوبي في 27 أبريل الماضي أسفرت عن تعهد الرئيسين بنزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية. وأعلن الرئيس الكوري الشمالي أيضا عن تفكيك موقع “بونغيي – ري” النووي الشهير في بلاده بحلول 25 مايو الجاري، وفاء منه بتعهده عدم إجراء أي تجارب نووية أخرى، وأفرج عن ثلاثة أميركيين معتقلين في بلاده كبادرة لحسن النية قبل قمته المرتقبة مع الرئيس الأميركي. ويبدو خيار العودة إلى سياسة حافة الهاوية لانتزاع أقصى مكاسب ممكنة من واشنطن، الخيار الوحيد أمام زعيم كوريا الشمالية. فالمفاوضات الجارية خلف الكواليس منذ بداية العام الحالي تبدو صعبة للغاية، وتشير إلى وجود هوة كبيرة في موقف الجانبين، الأميريكي والكوري الشمالي، بشأن عملية تفكيك الأسلحة النووية لدى بيونغ يانغ، والمدى الزمني اللازم لذلك. وترغب الإدارة الأميركية الحالية في تفكيك كافة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها كوريا الشمالية، وتشمل الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية إلى جانب الأسلحة النووية، ونقلها إلى خارج البلاد، ربما إلى فرنسا أو الولايات المتحدة، خلال فترة زمنية لا تزيد عن ستة أشهر. في مقابل ذلك، تقدم واشنطن ثمنا بخسا للغاية، وهو أن تتم إزالة كوريا الشمالية من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفتح الطريق أمامها لفك العزلة الاقتصادية والدبلوماسية المفروضة عليها والحصول على مساعدات غذائية من المجتمع الدولي، خاصة من الصين وكوريا الجنوبية. بالطبع، ترى بيونغ يانغ أن المطالب الأميركية “غير واقعية” وتتسم بـ”الصلف الشديد وعدم الرغبة في إنجاح المفاوضات”، مطالبة بأن يتم تفكيك سلاحها النووي بشكل متدرج، والحصول على ضمانات أمنية بسلامة نظام كيم وبقائه، وإبرام معاهدة سلام بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. ويربك التهديد الكوري الشمالي بإلغاء القمة مع ترامب، أركان البيت الأبيض، ويسهل على الرئيس كيم التراجع عن التنازلات التي قدمها حتى الآن، ففي ما يتعلق بتفكيك موقع بونغي – ري، تستطيع كوريا الشمالية نقل تجاربها النووية إلى موقع آخر بكل سهولة. كما تستطيع أيضا إجراء تجربتها النووية السابعة واستئناف تجاربها الصاروخية طويلة المدى. وسيزداد ارتباك الإدارة الأميركية الحالية تجاه تعاملها مع بيونغ يانغ في الأيام المقبلة في ضوء التأكيدات الواردة إليها من حلفائها في سيول وطوكيو بأنه من المستبعد تماما أن يوافق نظام كيم على الاستغناء عن برنامجه النووي بالكامل، الذي يراه الضامن الوحيد للبقاء في السلطة، مقابل ضمانات أمنية مكتوبة فقط، وإنما ضرورة خفض التواجد العسكري الأميركي، أو ربما ضرورة إنهائه تماما في شبه الجزيرة الكورية، مع عدم وجود ثقة في واشنطن. وشهدت كوريا الشمالية انهيار اتفاقيات أبرمت مع الولايات المتحدة، آخرها خطة العمل المشتركة مع إيران التي انسحب منها الرئيس الأميركي، ما أدى إلى التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة. ومرجح أن يحرص كيم جونغ أون على عقد القمة التاريخية المرتقبة مع نظيره الأميركي في سنغافورة في 12 يونيو المقبل. فهو بحاجة ماسة إلى تخفيف العقوبات لبناء اقتصاده، الذي دخل حالة من “شبه الشلل التام” نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليه. ويرى في واشنطن رئيسا يبدو متحمسا لإثبات مهاراته في عقد الصفقات الكبرى، وإلغاء قمة سنغافورة سيوجه ضربة قوية لما يمكن اعتباره أكبر إنجاز دبلوماسي لرئاسة ترامب.

مشاركة :