العودة إلى حافة الهاوية النووية

  • 3/26/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

خلال حملته الرئاسية لسنة 2016 تجاوز ترامب الخطوط الحمر في مناسبات لا تعد ولا تحصى، وذلك عندما اقترح أن تقوم اليابان وكوريا الجنوبية بتطوير أسلحة نووية خاصة بهما، وذلك كوسيلة للدفاع الذاتي. لقد ألقى باراك أوباما قبل عشر سنوات خلال رحلته الأولى لأوروبا كرئيس للولايات المتحدة الأميركية خطابا تاريخيا في براغ، لقد شعر الجمهور الحاضر بسعادة غامرة عندما وصف أوباما عالما خاليا من الأسلحة النووية بأنه عالم مرغوب فيه وفي متناول اليد، لقد كان هذا الإعلان غير مسبوق لرئيس أميركي وساهم في فوزه بجائزة نوبل للسلام في وقت لاحق من ذلك العام. لقد استخدم أوباما تلك المناسبة لطمأنة الشعب التشيكي– والأوروبيين بشكل عام- بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تدير ظهرها لهم مطلقا، وأن التزامها بمبدأ الدفاع الجماعي بموجب المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلنطي هو التزام دائم وغير مشروط واليوم تبدو تلك الكلمات، وكأنها من آثار العصور الغابرة. لقد شكك خليفة أوباما دونالد ترامب بتلك الدعامة الأساسية للناتو، حيث تخلى عن تقليد دبلوماسي استمر نحو 70 سنة، والأسوأ من ذلك أنه أعلن مؤخرا نيته سحب الولايات المتحدة الأميركية من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى مع روسيا والتي أدت دورا حيويا في ضمان الأمن الأوروبي منذ سنة 1987، وعلى الرغم من أن إدارة أوباما بدأت بعدم إعطاء الأولوية لنزع الأسلحة النووية مع مرور الوقت، فإن ترامب يبدو أنه استبدل الهدف بهدف معاكس تماما وهو إعادة التسلح. في واقع الأمر فإن الاتفاقات الثنائية مثل معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى- وهي من مخلفات فترات لاحقة من الحرب الباردة- لم تعد كافية في عالم اليوم المتعدد الأقطاب، وفي حين تمنع المعاهدة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا من امتلاك صواريخ أرضية يصل مداها إلى 500-5500 كيلومتر (300-3400 ميل) فإن ما يقدر بنسبة 95% من ترسانة الصواريخ الصينية اليوم تتألف من ذلك النوع من الأسلحة على وجه التحديد. بالإضافة إلى ذلك فإن كلا من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا قد اتهمتا بعضهما بانتهاك معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى؛ مما يوحي بأن الاتفاقية قد أصبحت صورية على أي حال لكن الاستراتيجية الأميركية كانت ستكون أكثر عقلانية لو أنها أعادت التأكيد على التزامها بالمعاهدة مما يعني الضغط على روسيا لعمل الشيء نفسه على ضوء انتهاكاتها المفترضة، ولو قامت أميركا باتخاذ هذا الموقف الأخلاقي والمبدئي لكانت في وضع أفضل بكثر من أجل تطبيق هذا النظام على الصين وترسانتها. لكن عوضا عن ذلك فإن مؤلف كتاب فن الصفقة استمع لنصيحة شخص يهوى دائما تمزيق الصفقات، وهو مستشار الأمن القومي لترامب جون بولتون. لقد تخلص جون بولتون من معاهدة الحد من الصواريخ البالستية التي تعود لسنة 1972 وذلك أثناء عمله في إدارة الرئيس جورج بوش الابن سنة 2002 وقد استخدم بولتون منصبه في إدارة ترامب للهجوم على معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى وخطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران، والمرجح أن يكون هدفه القادم هو ستارت جديد. إن معاهدة تخفيض الأسلحة النووية تلك والموقعة من أوباما والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف في براغ سنة 2010 سنتهي صلاحيتها سنة 2021 ما لم يتم التوصل لاتفاق من أجل تجديدها. مع الانهيار المستمر للكيان العالمي المتعلق بالحد من الأسلحة، نجد اليوم أن هناك سباقا جديدا لتطوير أنواع جديدة من الأسلحة النووية. يتم حاليا مناقشة الاستخدام المحتمل لتلك الأسلحة بشكل ينطوي على الطيش مما ينذر بعودة أحلك أيام الحرب الباردة وإن كانت حربا أكثر خطورة، وذلك لأن هناك بلدانا غير خاضعة لمعاهدة عدم الانتشار النووي مثل كوريا الشمالية قد انضمت منذ ذلك الوقت للنادي النووي. خلال السنة الأولى لترامب كرئيس للولايات المتحدة الأميركية تبادل التصريحات العدائية مع زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون مما أدى إلى وصول العلاقات الأميركية الكورية الشمالية إلى درجة عالية من التوتر لم تشهده تلك العلاقات منذ عقود، وفي حين تخلى ترامب منذ ذلك الوقت عن تهديده "بالنار والغضب" وأعطى الدبلوماسية فرصة، فإن نهجه تجاه كوريا الشمالية قد تجاهل جميع أحكام الدبلوماسية الفعالة، ولقد أدى ذلك لظهور نوع آخر من الطيش وهو مشهد الثناء الفارغ. في نهاية المطاف فإن عدم توافر التوافق بين صناع السياسة الخارجية الأميركيين والتوقعات غير المتشابهة لطرفي التفاوض، بالإضافة إلى ميل ترامب للارتجال أدى إلى فشل القمة الأخيرة مع كيم، والآن هناك حاجة عاجلة لإعادة تنظيم الأمور وخاصة إشراك القوى الإقليمية الأخرى، ومنع بولتون وغيره من صقور الإدارة من محاولة تعطيل العملية مجددا. في الوقت نفسه كانت هناك مؤخرا مواجهة عسكرية عبر الحدود بين الهند والباكستان وهما أيضا لم توقعا على اتفاقية منع الانتشار، حيث جاءت تلك المواجهة بعد هجوم إرهابي في الشهر الماضي في ولاية جامو وكشمير الهندية. لقد وصف الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كشمير بأنها "المكان الأكثر خطورة في العالم" علما أن كشمير تقتسمها ثلاث قوى نووية، وهي الهند والباكستان والصين. إن العلاقات الباكستانية الهندية لم تشهد هذا المستوى من التوتر منذ أن كشفت باكستان عن قدرتها النووية للعالم في أواخر التسعينيات والأسوأ من ذلك وكما أظهر انعدام الاستقرار الأخير فإن وجود الأسلحة النووية ليس كافيا لمنع الصراع وعوضا عن ذلك فإن تلك الأسلحة ترفع خطر أن تتصاعد الاشتباكات لتصل الى دمار شامل. أخيراً وفي الشرق الأوسط نشطت إدارة ترامب في زرع بذور الانتشار النووي، إن قرار التخلي عن اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران أتى بنتائج عكسية تماما، حيث عكس ذلك القرار دعم ترامب الأعمى لإسرائيل– وهي دولة أخرى غير موقعة على معاهدة عدم الانتشار– والسعودية، حتى أن إدارة ترامب تستكشف إمكانية تصدير مواد نووية للسعودية بدون وضع الضمانات اللازمة. يبدو أن ترامب غير منزعج من حقيقة أن السعودية لم تستبعد تطوير الأسلحة النووية، ولم تلتزم بنظام صارم للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن أي خطوة خاطئة قد تضع الشرق الأوسط في خضم سباق تسلح نووي، وهذا بحق سيكون أسوأ سيناريو لهذه المنطقة المضطربة. خلال حملته الرئاسية لسنة 2016 تجاوز ترامب الخطوط الحمر في مناسبات لا تعد ولا تحصى، وذلك عندما اقترح أن تقوم اليابان وكوريا الجنوبية بتطوير أسلحة نووية خاصة بهما، وذلك كوسيلة للدفاع الذاتي. إن هذه الفكرة خاطئة تماما، فالمنطق يقول لو حصل المزيد من البلدان على الأسلحة النووية فإن احتمالية استخدام تلك الأسلحة ستزيد. لقد أعطتنا الحرب الباردة لمحة عن المخاطر التي قد تحيق بنا عندما نصبح أشخاصا نعاني ضيق الأفق في سعينا لتحقيق مصالح جيوسياسية تجعلنا نخسر أهم مصلحة جيوسياسية على الإطلاق، وهي الأمن العالمي، وكما أكد أوباما قبل عشر سنوات في براغ فإن الولايات المتحدة الأميركية هي الدولة الوحيدة التي استخدمت أسلحة نووية، وعليه فإن على عاتقها مسؤولية تاريخية بالتحقق من عدم استخدامها مجددا مما يعني انه عندما تقوم الولايات المتحدة الأميركية بالتخلي عن تلك المسؤولية وقيادة حقبة جديدة من الانتشار النووي فإن هذه تعتبر نتيجة مأساوية. * خافير سولانا * ممثل سابق أعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي وأمين عام حلف الناتو، ووزير خارجية إسبانيا، ويعمل حاليا مديراً لمركز إيساد للاقتصاد العالمي والشؤون الجيوسياسية، وهو زميل متميز في معهد بروكنغز وعضو في مجلس الأجنده العالمية عن أوروبا والتابع للمنتدى الاقتصادي العالمي. «بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

مشاركة :