لم تأت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في إيران وفق ما كان يشتهيه الاتحاد الأوروبي. ليس هذا فحسب، بل جاء العرض الذي قدمه وزير الخارجية بومبيو متجاوزا الاتفاق النووي وليحمل عنوانا وحيدا: ضرب نفوذ إيران في الشرق الأوسط. بدا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أكثر تشدداً وحزماً من رئيسه ترامب وهو يعرض "الاستراتيجية الجديدة" لبلاده في إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، إذ لخصها بالقول: "لن يكون لإيران مطلقاً اليد الطولى للسيطرة على الشرق الأوسط". وانتظر الاتحاد الأوروبي، وخصوصا محور باريس ولندن وبرلين، خطاب بومبيو الذي وعد بتقديم رؤيته للمرحلة المقبلة. لكن وزير الخارجية الأميركي، المعروف بخطابه المتشدد، لم يمد لهم يد العونً. ليس هذا فحسب، بل طالبهم بـ "دعم" استراتيجية بلاده. ومع إدراكه الصعوبات التي تواجهها الشركات الأوروبية، فقد حذر بشدة الشركات التي ستستمر في القيام بأعمال تجارية في إيران في قطاعات محظورة بموجب العقوبات الأمريكية من أنها "ستتحمل المسؤولية". وفي كلمته، انتقد التهاون في اتفاق 2015 كما يفعل ترامب دائماً. "أقوى عقوبات في التاريخ" وأعلن رئيس الدبلوماسية الأمريكية الجديد أن بلاده ستمارس "ضغوطاً مالية غير مسبوقة على النظام الإيراني" مع فرض "أقوى العقوبات في التاريخ"، مؤكداً أن ذلك "مجرد بداية فقط". كما وعد "بملاحقة عملاء إيران ورديفهم حزب الله حول العالم لسحقهم". وتنتقد واشنطن طهران بشدة بسبب حلفها مع الرئيس بشار الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، والمتمردين الحوثيين في اليمن. ترامب مع نائبه بينس ووزير خارجيته بومبيو، أرشيف. لكن بومبيو أراد ألا يغلق الباب إمام إيران بالمطلق وأبدى انفتاحاً إزاء النظام الإيراني، قائلاً إنه مستعد للتفاوض معه على "اتفاق جديد" أوسع بكثير لكن أكثر صرامة بهدف "تغيير سلوكه". وأضاف أنه "في مقابل القيام بتغييرات كبيرة في إيران، فإن الولايات المتحدة مستعدة" لرفع العقوبات في نهاية المطاف و"اعادة جميع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران" و"دعم" الاقتصاد الإيراني. وأوضح بومبيو أن هذا لن يحدث إلا بعد "تطورات ملموسة يمكن التثبت منها مع مرور الوقت". وحدد قائمة تضم 12 شرطاً قاسياً للتوصل اللي "اتفاقية جديدة". وفي الشق النووي، تتجاوز مطالب الولايات المتحدة اتفاقية عام 2015 . إذ يجب أن توقف ايران كل تخصيب لليورانيوم وتغلق مفاعل الماء الخفيف الخاص بها وتمنح المفتشين الدوليين حق الوصول غير المشروط إلى جميع المواقع في البلاد. وقال إنه يجب على طهران أيضاً وضع حد للصواريخ البالستية وإطلاق أو تطوير صواريخ ذات قدرات نووية. وقف التدخل في نزاعات الشرق الأوسط وأخيراً، شدد بومبيو على ضرورة أن تنسحب إيران من سوريا وتتوقف عن التدخل في نزاعات المنطقة (اليمن) وتمتنع عن دعم ما وصفها بـ "المجموعات الإرهابية". وأن تتوقف عن التدخل في شؤون جيرانها كما هي الحال في العراق أو لبنان، أو أن تهدد الآخرين مثل إسرائيل أو السعودية. واعتبر أن الشروط الـ 12 "قد تبدو غير واقعية"، لكنها مطالب "أساسية". أشاد محللون محافظون مثل مارك دوبوفيتز، من معهد الدفاع عن الديموقراطيات، بهذه "الضغوط القصوى"، التي تذكر بالاستراتيجية الأمريكية تجاه كوريا الشمالية. ويعتبر دوبوفتيز ذلك "خطة بديلة واضحة تقضي بتكثيف الأزمة السياسية والضغوط على السيولة لدى النظام الإيراني لإجباره على تغييرات أساسية مع وعد باتفاق دبلوماسي كبير". خلافاً لذلك في المقابل، ترى "دبلوماسي وركس"، وهي مجموعة ضغط تدافع عن اتفاق عام 2015، أن التهديد بفرض عقوبات غير مسبوقة عرضة لعدم النجاح لأن الحلفاء الأوروبيين ليسوا على استعداد لتأييد ذلك. وأضافت "أنها الرؤية ذاتها التي دافع عنها الصقور منذ عقود وفشلت في الشرق الأوسط". الرئيس حسن روحاني محرج بسبب انسحاب واشنطن من الاتفاق. إيران تتهم واشنطن بتبني الخيارات الخاطئة وعلى الفور جاء الرد الإيراني، إذ رفض الرئيس حسن روحاني "التهديدات" التي وجهها مايك بومبيو، معتبراً أن باقي دول العالم لم تعد ترضى بأن تقرر الولايات المتحدة عنها. وقال في بيان: "إن زمن هذه التصريحات قد ولى". فيما قال وزير خارجيته محمد جواد ظريف إن الولايات المتحدة تكرر "نفس الخيارات الخاطئة". ويشار إلى أن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق المبرم عام 2015 بين الدول الست (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا) وإيران، أثار غضب الأوروبيين الذين حاولوا بدون جدوى التفاوض مع واشنطن للتوصل إلى حلول من شانها أن "تشدد" هذا الاتفاق للتصدي لسلوك إيراني يعتبر "مزعزعاً لاستقرار" المنطقة. أ.ح/ ع.غ (أ ف ب، رويترز)
مشاركة :