أكد الشاعران جاسم الصحيح والدكتور إبراهيم المبارك، أن شعراء الأحساء لم يكن ليحبسوها ويحصروها شعرًا ووصفًا ونظمًا وقصيدًا في النخلة والتمرة والماء، مؤكدين أن دلالات ورمزية وايحاءات استخدام هذه المفردات الثلاث في الشعر الأحسائي تتجاوز إشاراتها الوصفية والحسية إلى العديد من المضامين الشعرية التي تفوق الوصف وتجتاح الخيال، فتجعل من النخيل والتمر والماء، أصواتًا للحياة والوطن والحبيبة والولادة والدفق والعطاء والعمل والإنتاج وربما غيرها. جاء ذلك ضمن مشاركتهما مؤخرًا في إحياء برنامج القهوة الرمضانية السنوية للإعلاميين بالأحساء، الذي تنظمه غرفة الأحساء ممثلة في إدارة الإعلام والنشر، سنويًا، ضمن نشاطات الإدارة في فتح قنوات التواصل وتعزيز التعاون وتكريم شركائها الإعلاميين بالأحساء، وذلك بحضور الأستاذ عبداللطيف العرفج رئيس مجلس إدارة الغرفة والأستاذ عبدالله النشوان أمين عام الغرفة وعدد كبير من الإعلاميين بالأحساء بقاعة الشيخ ناصر الزرعة -رحمه الله-، بمقر الغرفة الرئيسي. وفي بداية الأمسية التي أدارها الإعلامي خالد القحطاني مدير الإعلام والنشر بالغرفة تحدث العرفج مرحبًا بالضيوف ومشيدًا بحضور وتعاون إعلاميي الأحساء ثم تحدث النشوان مؤكدًا على أهمية برنامج القهوة الرمضانية للإعلاميين بالنسبة للغرفة والوسط الإعلامي والثقافي بالأحساء لما تقدمه من إضافة نوعية وأجواء ودية مثمنًا مشاركة الشاعرين الصحيح والمبارك منوهًا بضرورة تفاعل إعلاميي الأحساء مع حملة (لُمُّوا شملي بأسرتي). وقال القحطاني أن برنامج الأمسية هذا العام يجمع للمرة الأولى، مزيجًا متناغمًا من الأصوات المتميزة في الشعر والأدب بالأحساء، ما يثري أجواء اللقاء بتجارب أدبية وشعرية رائدة وجديرة بالعرض والنقاش مؤكدًا على أهمية تشجيع ودعم البرامج والمبادرات الاجتماعية التي تهدف إلى تحسين ذائقة المجتمع، مرحبًا بحفاوة بضيوف الأمسية مستعرضًا بعضًا من جوانب سيرهم الذاتية. وحول بداياتهما الشعرية بيّن جاسم أنها تشبه بدايات كل شاعر أحسائي من خلال البيئة والأمكنة والفعاليات والطقوس والمحافل الدينية والحياتية والاجتماعية وكذلك الاستماع الفطري للشعر والقراءة، ما حفّز بذرة الشعر لديه على التزلزل والتبرعم والتفتح والخروج سنابلًا شعرية شتى، مؤكدًا أن الشعر هو المحصول الرئيسي في المزارع الأحسائية، مبينًا أن الأحساء تتجاوز خارطتها الجغرافية الضيقة إلى خارطتها الأوسع في قلب وذاكرة إنسانها النبيّل. أما الدكتور إبراهيم فيقول: “إن البدايات تشابه بعضها عثرات وزفرات، إلا أنها كانت عنده أسيرة وعسيرة، ولكن مع الوقت وكسب الخبرة والقراءة والاستماع لنصوص متنوعة ثم غربة باردة طويلة من أجل الدراسات العليا، وجدت نفسي أفرغ ما بجوفي وذاكرتي من دفق وجداني وموهبة شعرية، فكتبت وكتبت ثم كتبت.” وتبارى الشاعران خلال الأمسية بتقديم باقة من أجمل قصائدهما، فقال جاسم قصائده “بصمة التوحيد على جبين الوطن”، وهي قصيدة وطنية قوية، وقصيدة “ما وراء الخمسين” ورثائية “بطل توزّع في مشاعر شعبه” وهي قصيدة نبيلة مهداة لروح الدكتور الوزير غازي القصيبي الطاهرة، أما الدكتور إبراهيم فقدّم قصائده “رسالة إلى الوطن” و”أسميك أمي” و”عند أطراف الثلاثين” و”رسالة إلى أمي”. وعن الشعر والأحساء أبان الصحيح أنها واحة النخيل والطاقة التي يتحد فيها هوى الشعراء مع قامات النخيل الباسقات، ومجرات البحار السود في باطن أرضها التي تنبت شعراءَ، مثلما تنبت النخيل والزيت، وحيث تجري فيها بحور القصيد، كما تجري مياه الساقية، وحيث يرتشف الأطفال في المهد حبّ الأبجدية، وموسيقى بحور الشعر، ووزن القافيات، كما يرضعون حبّ الأرض، مؤكدًا أن الحصول على الجوائز مسؤولية وتكليف وليس تشريف لأن الوصول على القمة في الشعر لا معني له سوى البحث عن قمم جديدة، مبينًا أن الشعر هو القمة التي لا توصل ولا تدرك. ومن جهته أوضح الشاعر المبارك أن الأحساء قديمًا كانت ذات طابع خاص، لأن رغد العيش فيها، جعل بيوتها ومجالسها ومدارسها وأزقتها عامرة بالعلم والحب والعطاء والثقافة، فأنجبت العلماء والشعراء الذين فُتنوا وهاُموا بها عشقًا، مشيرًا إلى أن غازي القصيبي لم يكن وحده الذي ارتمى في عشق أرض الأحساء، واعتبرها أمه، فكذلك أخي جاسم الصحيح، وكذلك أنا وغيرنا كثير، مؤكدًا على تزايد الإقبال على الشعر كتابة واستماعًا واستمتاعًا في الأحساء متمنيًا أن تواكب هذا الأمر حركة نقدية هادفة تثري المشهد الشعري الراهن. وبيّن الصحيح أنه تمنى كل شعر مجيّد وجميل أن يكون له، ولكنه يحمد الله أكثر أنه قد كتب وظهر، فالأهم عنده أن يكتب ويحفظ للإنسانية جمعاء، مبينًا أن لا علاقة بين المال والشعر، فقد تكون غنيًا وأبن أثرياء وشاعرًا مجيدًا في نفس الوقت كأمير الشعراء أحمد شوقي، وقد تكون فقيرًا معدمًا ولكن شاعرًا كبيرًا، موضحًا أن الشعر في جوهره وأوله وأخره هو موهبة ودفق وجداني يحتاج إلى قليل من الصنعة والمهارة والحياكة للوفاء بمتطلبات الشكل الشعري. وأشار الصحيح إلى أن الشعر بطبعه وأصله “أناني”، يريدك أن تكون له وحدك، لذلك ربما اتخذت قرار الاستقالة من عملي في شركة أرامكو السعودية منذ وقت مبكر حتى أتفرغ له، لافتًا إلى أن الشعر ليس له نهاية والكتابة الإبداعية ليس لها حد فهي كالحقيقية تمامًا سنظل نلهث ورائها دائمًا، مبينًا أنه لم يفكّر قطّ بالأشكال والقوالب الشعرية بل يظل يبحث دائمًا عن استخلاص الجوهر من أعماق الرؤية في القصيدة. وفي نهاية الأمسية قام بعض الحاضرين بتقديم عدد من الأسئلة والمداخلات حول مستقبل الشعر والحركة النقدية في الأحساء، ثم قام رئيس الغرفة والأمين العام بتكريم الضيوف بدرع الغرفة التذكاري وكذلك الزملاء الإعلاميين بهدايا تقديرية. يُشار إلى أن برنامج القهوة الرمضانية للإعلاميين بالأحساء أصبح تقليدًا مُتبعًا لدى الغرفة منذ سنوات، لما بات يمثله من فرصة متميزة لتوفير أجواء اللقاء والنقاش والحوار وتبادل الأفكار وعرض التجارب الحياتية والمهنية الإعلامية والإبداعية الملهمة وتعزيز الوعي بأهمية الثقافة والآداب والفنون في عملية التنمية المستدامة.
مشاركة :