القوة الناعمة مفهوم صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه، أو من خلال استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وهو ما يعني أن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام أصبحت المصداقية من أسس القوة في العصر الحديث. بروز هذا المفهوم في مستويات أعلى دليل على ارتفاع مستويات الوعي بين البشر، فالإرغام كوسيلة للإقناع قد ولّى زمنه، ولا بد من اللجوء إلى وسائل أكثر تحضراً، وذلك عبر الشفافية واحترام عقول الناس، فالإنسان لم يعد كما كان في القرون الوسطى، ومفهوم الأشياء من حوله قد تطور كثيراً. صاغ جوزيف ناي هذا المصطلح في كتابه الصادر عام 1990، ثم قام بتطوير المفهوم في كتابه الصادر عام 2004 بعنوان «القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية»، ويستخدم المصطلح حالياً على نطاق واسع في الشؤون الدولية من قبل المحلّلين والسياسيين . أصبح هذا المفهوم في زمن قياسي من أدوات السياسة الدولية الحالية في العالم فقد تناول الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني أن الصين بحاجة إلى زيادة قوتها الناعمة، وسبق أن عبَّر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن الحاجة إلى تعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق «زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية من الأمن القومي بالدبلوماسية، والاتصالات الإستراتيجية، وتقديم المساعدة الأجنبية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية.. تعني القوة الناعمة على وجه التحديد أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، مما يؤدي بالآخرين إلى تقدير هذه القوة من خلال احترام الأسلوب، والإعجاب به، ثم اتباع إرشاداته. عن ماهية القوة؟ تحدث جوزيف ناي على أنها ببساطة القدرة على التأثير على الآخرين من أجل الحصول على النتائج المرجوة، ويمكن الوصول إلى الهدف إما بالتهديد، الإكراه أو لنسمه العصا، وبأسلوب الترغيب أو الجزرة، أو يمكن التأثير عن طريق جعل الآخرين يرغبون فيما ترغبونه، وهو القدرة على جعل الآخرين يريدون ما تريدونه، لتحصلوا على النتائج الموضوعة دونما ترهيب أو ترغيب، وهو ما يُطلق عليه بالقوة الناعمة. كان مفهوم القوة الناعمة شائعاً كقيمة إنسانية تربوية على مستوى الأفراد، وما زال الفرد القدوة مصدر اهتمام في مجالات تدريس النواحي التربوية في علوم الاجتماع، لكن يبدو أن هذا المفهوم الفردي تجاوزها عندما وجده السياسيون وسيلة مجدية في العلاقات السياسية والدولية. ما صاغه جوزيف ناي هو تطوير عصري للتأثير الفردي للقدوة الحسنة، لكنه ببراعة نقلها إلى مستوى الدولة، وذلك كإطار جاذب للدولة ومؤثّر في سعيها للوصول إلى أهدافها داخلياً وخارجياً، ولفت نظري انتقال هذا المفهوم لبعض الدول العربية من خلال تشكيل إداري لمجالس للقوة الناعمة، وإن كانت تأثيرات القوة الناعمة لا تأتي من خلال القرارات الإدارية، لكنها مؤثّرة عبر الأجواء التنافسية والشفافية والمصداقية التي توفرها الدولة لأفرادها في الداخل ولأصدقائها في الخارج..
مشاركة :