فرضت طبيعة المستجدات والتحولات الراهنة على الصعيد السياسي إقليميا وعالميا، تغيّرا ملموسا في توجهات السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان وولي عهده، الأمر الذي نتج عنه حضورا قويا بعيدا عن الدبلوماسية الهادئة للسياسة الخارجية في إطار ثوابت راسخة لنهج هذه السياسة، مع الأخذ بعين الاعتبار تقدير متغيرات ومآلات ما تقتضيه الأوضاع حاضرا وما ينعكس عليها مستقبلا، بما يحقق مصالحها الاستراتيجية وحماية أمنها الوطني وتعزيزا لدورها المحوري في المنطقة.كما نلمس تغيّرا في آلية الدبلوماسية السعودية، محققة تأثيرا نشطا وجوهريا في تشكيل استراتيجيات العلاقات الدولية مع جميع دول العالم، ما أضفى بعدا جديدا لأدواتها وتوجهاتها، وجاءت مكاشفة رجل الوقائع والمهمات السياسية الأمير بندر بن سلطان، لتؤكد أن الصمت وغض الطرف في سبيل إبقاء النموذج الأمثل لشكل العلاقات في ظل المزايدات وتمادي الإساءة لن يجديا نفعا، ولتوضع النقاط على الحروف بالوثائق والبراهين على الملأ، ممن حملوا على عاتقهم إيجاد الحلول بالمساعي الدؤوبة للقضية الفلسطينية، قاطعا الطريق لكل من يهمه الأمر بحنكته المعهودة، مفادها كل الاحتمالات ممكنة سواء في ذات القضية أو القضايا الأخرى.ومن الأدوات الدبلوماسية التي تلعب دورا بارزا في الاستراتيجيات الدبلوماسية أداة القوة الناعمة، التي في ظل توجهات الرؤية الواعدة في المجال السياسي يمكنها تحقيق تأثير موازٍ للدبلوماسية التقليدية وربما أعمق وأبلغ بحضورها الذي يمثل ثقل مكانة السعودية اقتصاديا وثقافيا وسياسيا على المستوى الدولي، في ظل التطور التقني المتنامي في كل العالم، يمكن استثمارها والعمل عليها ثقافيا وأيديولوجيا وإعلاميا لتحقق نتائجها على المدى البعيد مع شعوب العالم الذين يمكن مخاطبتهم من خلال أبنائهم وأسرهم ممن يقطنون على أرض الدولة من فئات الوافدين العاملين في مجالات الطب والهندسة والتقنية والتدريس الجامعي، وغيرها من القطاعات المستفيدة من خبراتهم المهنية، فلو تم وضع خطط برامج مخصصة لهم يمكن خلالها تحقيق الأهداف من أرض الواقع الذي تعايشوا مع أهله، وفقا لسياسات وتقاليد وقوانين الدولة.كما يمكن لفتح باب الابتعاث في مجالات التعليم والتدريب لنا، أن يسهم في جعل المبتعثين سفراء لنا في بلدانهم، وهذا من أهم وسائل القوة الناعمة بعد تأثير وسائل الإعلام التي تسهم في بسط النفوذ الذي يحقق التقارب الثقافي والاجتماعي، اللذين هما من أسس التوافق السياسي بين الدول.توظيف القوة الناعمة في السياسة الخارجية لعدد من الدول مكّنها من الانتشار، الذي جعل ثقافتها وقيمها بوابة الدخول لمجتمعاتها والتعرف عليها، حتى وإن لم يسبق لنا زيارتها، فحضورها المؤثر المتمركز على إبرازها ساهم في رسم الصورة المراد إيصالها، وذلك اجتماعيا وثقافيا.أما على الصعيد السياسي والعلاقات الدولية، تؤكد التحالفات والمبادرات أن العلاقة بين قوة الدول الناعمة وإنجازاتها في تحقيق مصالحها وجهان لعملة واحدة.فما تتمتع به السعودية يحقق لها إنجازات لا تقل أهمية وتأثيرا عما حققته، وما يمكن أن تسعى له توجهات خطط وآليات السياسة الخارجية في تعزيز دورها بشكل إيجابي كما هو معهود عنها ومنها إقليميا وعالميا.
مشاركة :