خياران.. أحلاهما مر

  • 12/2/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

السياسة الخارجية الأميركية تمر اليوم بأحلك مراحل حياتها، فتمادي أميركا في دعم دويلة إسرائيل عرّضها للمساءلة عن أحقية احتلال الأوطان وسلب حقوق الإنسان، وتَسرُّع أميركا في غزو العراق وأفغانستان أفقدها المصداقية، وتسبب في تكبيدها خسائر فادحة فاقت 3 تريليونات دولار، وتنازل أميركا عن بلاد الرافدين وتقديمها على طبق من فضة لصالح المد الطائفي الإيراني أضرم نار الإرهاب، وشجع عصابات الشر من "داعش" و"النصرة" و"القاعدة". اليوم تكرر أميركا أخطاءها وتتمادى في تنازلاتها أمام تحايل ومماطلة إيران في الحد من تطوير برنامجها النووي. فبدلا من حسم مفاوضاتها مع الجانب الإيراني، التي كان من المقرر إنهاؤها في الأسبوع الماضي، وافقت أميركا مرغمة على تمديد فترة المفاوضات لمدة 7 أشهر أخرى، ومنحت إيران 700 مليون دولار شهريا من أموالها المجمدة، لتخرج إيران من هذه المفاوضات بمكاسب حقيقية، إضافة إلى حصولها على دعم روسيا والصين، وتجاوزها للعقوبات الدولية المفروضة عليها. مفارقات السياسة الخارجية الأميركية تجاه إيران تعود إلى عام 1957، عندما رحبت أميركا، رغم تحذيرات الدول الخليجية، بدعم الطموح الإيراني لإنشاء قوة نووية في منتصف القرن الماضي، فأصبحت أميركا الداعم الأول للبرنامج النووي الإيراني والمسهم الأكبر في تحقيق أهدافه المريبة، التي أطلقت عليه إيران: "الذرة من أجل السلام". وفي عام 1967 بدأت إيران أنشتطها النووية ببناء المفاعل الأول بعد 7 سنوات من شرائه من أميركا، وللتعتيم على أهدافها المريبة، وقّعت إيران في 1973 معاهدة الحد من الانتشار النووي، وأنشأت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية. إلا أن تمادي إيران في مساعيها لتطوير منظومة الوقود النووي المتكامل أثار حفيظة الإدارة الأميركية التي عمدت إلى توقيع اتفاق ثنائي مع إيران في 1978، تحصل أميركا بموجبه على حق إعادة تخزين الوقود النووي المستهلك من المفاعلات النووية الإيرانية.‬‬ أما مفارقات الثورة الإيرانية فتعود إلى عام 1979 عندما تولى "الخميني" السلطة، فبدأ عهده بمعارضة الأنشطة النووية كافة لأسباب دينية، ولكنه سرعان ما نقض فتواه الشرعية، وأعاد إطلاق هذه الأنشطة في عام 1984 بعد الحرب العراقية الإيرانية، وعزز علاقات جمهوريته الإسلامية بالدول الشيوعية، مثل الصين وروسيا، فأقلق إسرائيل ودفع أميركا إلى تضييق الخناق على إيران، بغية التوصل إلى تخليها عن طموحاتها النووية.‬ لجأت أميركا إلى مجلس الأمن لفرض 4 مجموعات من العقوبات ضد إيران، أولها في ديسمبر 2006 وآخرها في يونيو 2010، فيما فرض الكونجرس الأميركي والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية 18 نوعا من العقوبات أدت إلى خفض عائدات النفط الإيرانية من 100 مليار إلى 35 مليار دولار سنويا، وخفض قيمة عملتها بنسبة 60%. لرفع هذه العقوبات، حددت مجموعة الدول الكبرى ثمانية شروط رئيسة: أولها أكد على ضرورة التزام إيران بنسبة 5% كحد أقصى لتخصيب اليورانيوم، مع ضرورة التزامها بهذه النسبة لمدة 10 سنوات. وكانت إيران قد رضخت لهذا الشرط طبقا لاتفاق جنيف في نوفمبر عام 2013، إلا أنها رفضت وقف التخصيب لفترة زمنية طويلة. وجاء الشرط الثاني ليطالب إيران بخفض مخزونها من اليورانيوم، الذي رفضته إيران بحجة أن مخزونها الاستراتيجي ضروري لاستمرارية إنتاج الطاقة البديلة. أما الشرط الثالث فكان يطالب إيران بتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي ووحدات الفرز في عملية التخصيب إلى أربعة آلاف جهاز فقط، ولكن إيران أصرت على الاحتفاظ بعدد 19 ألف جهاز. وجاء الشرط الرابع ليحدد أنشطة المفاعلات النووية في محافظتي "أصفهان" و"قم"، ويرغم إيران على تغيير طبيعة عمل هاتين المنشأتين من نشاط التخصيب إلى أنشطة البحث العلمي فقط، مع نقل أجهزة الطرد المركزي المستخدمة إلى منشآت نووية أخرى. وفي الشرط الخامس، أصرت الدول الكبرى على ضرورة قيام إيران بتحديد نوعية وكمية البحوث والتجارب النووية المخبرية التي يقوم بها مركز البحوث في "طهران"، والهادفة إلى تحسين وتطوير أجهزة الطرد المركزي وقدرتها على التخصيب، ولقد تم الاتفاق حول قائمة هذه الأبحاث، وسمح لإيران بممارستها على أن يخضع مركزها للتفتيش دوريا. كما أصرت الدول الكبرى في شرطها السادس على أن تقوم إيران بمعالجة الوقود النووي الذي تستورده من روسيا، بحيث يتم إعادة تصديره إلى روسيا لفرزه وتذويبه حتى لا تستخدمه إيران في أغراضها العسكرية. إلا أن إيران رفضت هذا الشرط مؤكدة على الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي، ومطالبة الدول الكبرى بأن تقتنع بصدق نواياها. ويطالب الشرط السابع إيران بوقف إنتاج مادة البلوتونيوم في مفاعل "أراك" النووي، لما لهذه المادة من استخدام مزدوج مدني وعسكري. ولكن إيران رفضت هذا الطلب المجحف في نظرها. ويأتي الشرط الثامن والأخير مطالبا إيران بالموافقة على عمليات التفتيش المباغتة لمنشآتها النووية، تنفيذا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي سبق أن وافقت عليها. قبل أسبوع نشرت صحيفة "واشنطن بوست" ومجلة "وول ستريت" دراسة أجرتها جمعية "التحالف الإيراني الأميركي"، التي أوضحت أن: "العقوبات المفروضة على إيران لها آثار سلبية خطيرة على الاقتصاد الأميركي تفوق أثرها على الاقتصاد الإيراني بقيمة 175 مليار دولار أميركي، إضافة إلى فقدان أميركا لأكثر من 200 ألف فرصة عمل كل خمس سنوات خلال فترة العقوبات، لذا على أميركا ضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران". مصالحة إيران أو معاداتها خياران أمام السياسة الخارجية الأميركية.. أحلاهما مُر.

مشاركة :