جذور الصراع العربي «الإسرائيلي» وحقائقه

  • 5/25/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عوني فرسخ شهدت مصر منذ تولى السلطة فيها محمد علي سنة 1805 نمواً طردياً في قدراتها الذاتية؛ باستغلاله تنافس فرنسا الاستعماري مع بريطانيا في تشكيل جيش نظامي، وإقامة عدة صناعات، والعديد من مشروعات البنية التحتية. والثابت في تاريخ مصر أنه كلما نمت قدراتها الذاتية تنامى طموحها الإقليمي، خاصة تفاعلها مع المشرق العربي. وقد تجلى ذلك بحملة الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا على بلاد الشام سنة 1831. ما كان له انعكاسات عربية ودولية. فعلى الصعيد العربي لقي الوجود المصري تجاوباً من بعض الزعامات الإقطاعية، كما بالنسبة للأمير بشير الشهابي حاكم جبل لبنان شبه المستقل. فيما عارضته العائلات الإقطاعية، التي مس في الصميم امتيازاتها الاقتصادية ونفوذها الاجتماعي. وبدا وكأنه أسهم في وضع مجتمع بلاد الشام على عتبة التحرر من نظام «الملل» العثماني، وتسبب في تطوره اقتصادياً واجتماعياً، وبشر باحتمالات واعدة. ولقد استفزت أوروبا تجاه المستجدات في المشرق العربي، وتداعياتها على واقع الإمبراطورية العثمانية، خاصة ما بدا من إمكانية حلول قيادة فتية في شخص محمد علي وأسرته محل قيادة آل عثمان، التي شاخت وترهلت، أو قيام «الإمبراطورية العربية»، التي أرق شبحها نوم مترنيخ، المستشار النمساوي داهية القرن التاسع عشر. وفي مواجهة احتمال أحد الخطرين تراجعت حدة التناقضات فيما بين دول أوروبا الاستعمارية؛ لتغدو تناقضات ثانوية فيما بين أعضاء معسكر واحد؛ إذ شكلت بريطانيا وفرنسا وروسيا والنمسا وبروسيا «الإجماع الأوروبي». وكان للبرجوازية اليهودية الأوروبية متنامية القدرات دورها المؤثر في تحقيق ذلك الإجماع؛ وذلك بقيام المليونير اليهودي روتشيلد بحمل ملك فرنسا لويس فليب على التخلي عن حليفه محمد علي والانضمام للحلف الذي تقوده بريطانيا. وبفرض الهزيمة العسكرية على جيش إبراهيم باشا، وحصر نفوذ محمد علي وأسرته في مصر، وإلزامه بمعاهدة 1840 بخفض قواته المسلحة، وتفكيك ترسانته الحربية، يكون «الإجماع الأوروبي» بقيادته البريطانية قد استبقى على الضعف العثماني، وأجهض إمكانية قيام دولة عربية عصرية. وتحسباً لفاعلية مصر القومية والتجاوب العربي معها مستقبلًا، تبنى بالمرستون، وزير خارجية بريطانيا حينها، فكرة إعادة اليهود إلى فلسطين الشائعة في أوروبا يومذاك؛ كي يشكلوا حاجزاً كابحاً لفاعلية مصر القومية، من منطلق أنه ليس مما يخدم الإمبراطورية البريطانية ومخططاتها أن تتكرر تجربة محمد علي، بقيام دولة قوية في مصر، أو قيام اتصال بين مصر والعرب الآخرين. وكنتيجة لدور بريطانيا في تحقيق «الإجماع الأوروبي»، وفي إصدار معاهدة لندن سنة 1840 بالصيغة التي صدرت بها، تعاظم دور مبعوثي بريطانيا في البلاط العثماني، كما لدى إدارات الولايات العثمانية، خاصة في بلاد الشام. وقد حصلت بريطانيا لقاء دعمها السلطة العثمانية على الاعتراف لها بحق «حماية» يهود الإمبراطورية العثمانية. وكانت قد افتتحت سنة 1838 قنصلية لها في القدس. وبضغط بريطاني، مدعوم بمداخلات المصرفيين اليهود، أصدر السلطان عبدالحميد سنة 1849 فرماناً يجيز لليهود شراء الأراضي في فلسطين. والثابت أن النشاط الاستعماري البريطاني والأمريكي لاستيطان فلسطين بمهجرين من يهود أوروبا جرى فيما كانت غالبية يهود أوروبا، نخباً وجمهوراً، يعارضون الهجرة إلى فلسطين، ويعدون أن أرض صهيون الجديدة هي الولايات المتحدة وليست فلسطين. ولم يكن الكثير من اليهود متحمسين لفكرة الهجرة إلى فلسطين، من منظور توراتي، باعتبار أن العودة لا يمكن أن تبدأ إلا بظهور المسيح المخلص.ومما سبق تتضح الحقائق التالية: 1 - كانت القوى الاستعمارية الأوروبية صاحبة المبادرة الاستراتيجية بإقامة الاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين؛ ليكون أداتها في كبح فاعلية مصر القومية، وكحيلولة دون إقامة دولة عربية عصرية تهدد المخططات الاستعمارية. ما يعني أن القوى الاستعمارية هي العدو الأول والأشد خطورة على مصالح الأمة العربية وطموحها المشروع في الوحدة ومواكبة العصر.2- كان دور مصر القومي ولا يزال هو المستهدف أولاً، ما يعني أن الصراع الذي فجرته إقامة «إسرائيل» على الأرض العربية في فلسطين إنما هو صراع عربي - «إسرائيلي» وليس فلسطينياً - «إسرائيلياً» بحال من الأحوال. وهو صراع وجودي مسؤولة عنه الشعوب العربية كافة، وليس شعب فلسطين فقط.

مشاركة :