شاعر داعب خيوط المطر

  • 5/25/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عثمان حسنقبل أسابيع قليلة مرت الذكرى الثانية عشرة لوفاة الشاعر السوري محمد الماغوط، هذا المبدع الاستثنائي في زمن كان بخيلًا معه، أما هو، فقد كان سخياً، إلى حد حزنه علينا في ضوء القمر، وهو الذي كرس نفسه للشعر وللحياة، فكان جديراً بها، وكانت جديرة به، ناثراً وكاتب مقالة بارعاً، ومسرحياً فذا، رهيفا، وإنسانا، يتوجس من العتمة، ويحزن للشعراء الكبار أمثاله فيرثيهم.ألم يقل في بدر شاكر السياب: «تشبث بقبرك أيها المغفل/ فما الذي تريد أن تراه/ كتبك تباع على الأرصفة/ أيها التعس في حياته وفي موته»«مأساة محمد الماغوط أنه ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط».. هكذا قدمته رفيقة دربه سنية صالح في كتاب يضم أعماله وصدر عن دار المدى عام 1998 مشتملا على دواوينه (حزن في ضوء القمر، الفرح ليس مهنتي، وغرفة بملايين الجدران، وأعمال أخرى كروايته الوحيدة الأرجوحة) وأضافت: «منذ مجموعته الأولى «حزن في ضوء القمر» وهو يحاول إيجاد بعض الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية..».لقد لخصت سنية صالح في تقديمها للكتاب حياة مبدع كرس نفسه للكلمة، وامتطى صهوة الشعر، بل كان يمتطي حلمه، ويغيب، ليس ذلك الغياب الذي يتخلى فيه عن شعوره وعن واقعه، وإنما بمعنى الطموح الملح لخلق وجود بديل عنه.كان الماغوط عاشقا للموسيقى، ومن هواة سماع «فاغنر»، والموسيقى بالنسبة إليه، كانت كوة أخرى، يمارس من خلالها شغفه بالحب والحياة، بل لعلها كانت عتبة، يهرب من خلالها إلى النهارات المتوقعة، أو «المحلوم بها» لكي لا يفترسه صخب الواقع، أو تسلبه الجدران الخشنة بعض حنينه للصمت، حين يكون الصمت أجمل موسيقى في العالم.قال يوماً «أشعر أن شيئاً تحطم في أعماقي غير الأضلاع، شيء أهم من العظام، لا يمكن ترميمه على الإطلاق».ظل الماغوط شاعراً شفيفاً، في كل ما كتب من أعمال، وكان صانع كلمات ماهراً، ورائداً من رواد قصيدة النثر، مجدداً في الصورة وفي المعنى، ناقداً وساخراً، وصاحب خيال محلق، يغني للماء، ويحلم بالاستيقاظ مبكراً، كغجري، وساعي بريد يحلم بالخبز والورد، ويداعب خيوط المطر، ويغني للبحارة على الشواطئ، يلملم حطام الشوارع، قبل أن تطمرها الريح، أو يبعثرها الكناسون، وينشد مع تغريد البلابل وزقزقة العصافير.Ohasan005@yahoo.com

مشاركة :