مفاهيم خاطئة عن تأخر تطور اللغة عند الأطفال

  • 5/25/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

شهر مايو (أيار) من كل عام هو شهر التوعية باضطرابات السمع والنطق، الذي تركز فيه الجمعيات والهيئات الدولية مثل الهيئة الأميركية للنطق والسمع (ASHA) على إقامة فعاليات ورعاية ندوات ومؤتمرات تهدف لتطوير مجال علاج أمراض النطق، وزيادة الوعي المجتمعي بها.ما مدى إلمام أفراد المجتمع بالعلامات الأولية التي تشير لاحتمال إصابة أحد أطفالهم باضطرابات التواصل؟ وهل المعلومات التي تتوفر لدى أسرة الطفل المصاب موثوقة وصحيحة؟- مؤشرات مبكرةعرضت «صحتك» هذه التساؤلات وسواها على أحد المتخصصين في هذا المجال الدكتور وائل عبد الخالق الدكروري، الأستاذ المساعد بقسم علاج اضطرابات النطق واللغة والسمع بكلية العلوم الطبية التطبيقية بجامعة الملك سعود بالرياض، رئيس قسم اضطرابات التواصل بمجمع عيادات العناية النفسية بالرياض، فأوضح في البداية أن اللغة تمثل واحدة من المهارات الأهم في قائمة المهارات التي تؤثر وتتأثر بباقي النموات عند الأطفال، التي منها على سبيل المثال لا الحصر النمو الاجتماعي، والنمو السلوكي، والنمو النفسي والأكاديمي وغيرها من المهارات التي تتشابك علاقاتها وتأثيراتها.وعن مستوى وعي الأهالي، أشار د. وائل الدكروري إلى تقرير الهيئة الأميركية للنطق والسمع (ASHA)، الذي نشر في الدورية العلمية للهيئة الصادرة بتاريخ الأول من شهر مايو (أيار) الحالي 2018، الذي أشار إلى أن الأهالي ليس لديهم الوعي الكافي بالمؤشرات المبكرة لاضطرابات التواصل عند الأطفال، ولا يدركون بشكل كافٍ فوائد التدخل المبكر، حيث أظهرت نتائج دراسة شارك فيها أكثر من 1100 اختصاصي علاج أمراض نطق ولغة واختصاصي سمعيات أن نحو 70 في المائة من الأهالي ليس لديهم الوعي الكافي بالمؤشرات المبكرة لاضطرابات النطق واللغة، كما أظهرت النتائج أن 23 في المائة من الأهالي لم تلفت نظرهم أعراض ضعف السمع التي ظهرت قبل سن 5 سنوات عند أبنائهم.ويعرف تأخر نمو اللغة عند الأطفال بفشل الطفل في اكتساب المهارات اللغوية اللازمة للتواصل والتعلم من دون وجود سبب واضح لذلك، وهنا نقصد انتفاء وجود مسبب محدد مثل ضعف السمع أو قصور الأداء العقلي والذهني أو الاضطرابات النمائية مثل اضطراب طيف التوحد.وتأخر النمو اللغوي يظهر في شكل صعوبة فهم ما يقوله الناس من حوله، وصعوبة التعبير عن المشاعر أو الأفكار. ولقد أظهرت الدراسات وجود طفلين على الأقل في كل فصل دراسي مكون من 30 طالباً يمنعهم تأخر نمو مهارات اللغة من التطور الأكاديمي كباقي أقرانهم.- مفاهيم خاطئةهناك الكثير من المعلومات والأفكار تتداول بين أفراد المجتمع حول تأخر نمو مهارات اللغة عند الأطفال، قد يكون البعض منها مغلوطاً وخاطئاً على الرغم من انتشار هذه المشاكل عند عدد ليس بالقليل من أبنائنا.ومن خلال ممارسته العلاجية والإكلينيكية، أيَّد ذلك الدكتور وائل الدكروري، مضيفاً أن من الواجب على المتخصصين في هذا المجال إلقاء الضوء على هذه المشكلات، بهدف تصحيح تلك المفاهيم السائدة، ونفي الالتباس الدائر حول تأخر نمو اللغة عند الأطفال، واستعرض عدداً من النظريات العلمية، وهي:• نظرية الطفل الكسول أو الشقي: الكثير من الأطفال الذين يعانون من تأخر نمو مهارات اللغة يواجهون صعوبة في فهم ما يقوله الآخرون، خصوصاً عند التحدث بشكل سريع، أو وجود ما يشتت انتباههم في البيئة المحيطة، كما أنهم يواجهون صعوبات في تذكر التوجيهات أو الاستجابة للأسئلة عن طريق اختيار كلمات صحيحة أو صياغات مناسبة. وتكون النتيجة النهائية عدم القدرة على أداء ما يتوقع منهم قوله أو فعله، وهو ما يعتبره الوالدان أو المعلمون عدم استجابة للأمر أو عدم الانتباه لما طلب منهم.ولكون اللغة هي الأداة الأهم للتعبير عن المشاعر والانفعالات، ومن دونها يتعرض الطفل للإحباط، وهو ما يساعد على ظهور هذه السلوكيات متمثلة في تجاهل الطفل لما يقال له، أو عدم الاستجابة المناسبة، وهو ما يفسر وجود مشاكل سلوكية وقصور الانتباه عند الأطفال المتأخرين لغوياً بنسبة تصل للضعف مقارنة بأقرانهم الذين لا يعانون من التأخر في نمو مهارات اللغة. وعليه فمن المنطقي ربط تأخر نمو مهارات اللغة عند الأطفال مع المشاكل السلوكية، أو عدم الاستجابة، بدلاً من وصف الطفل بالكسل أو الشقاوة المفرطة.• نظرية الاجتياز التلقائي: وهو ما يمثل أكثر الأسباب لزيارة طبيب الأطفال للسؤال عن تأخر ظهور الكلمات الأولى، ولكن للأسف يتلقون رسالة مفادها أنه لا داعي للقلق وينصحون بضرورة الانتظار، لأن الطفل سوف يستطيع اجتياز هذه المشكلة من دون مساعدة. وللأسف، نجد دعماً لهذه النظرية من خلال نصائح الأهل والأصدقاء، وحكاياتهم عن أطفال استمروا صامتين لمدة خمس سنوات، وفجأة بدأ الحديث وهم الآن لا يتوقفون عن الكلام!إلا أن الحقائق العلمية ونتائج الأبحاث لا تدعم هذه الادعاءات، بل تدحضها وتحذر من الانتظار، لكون الطفل الذي يعاني من تأخر نمو اللغة سوف يعاني بشكل شبه مستمر من تأخر الأداء الأكاديمي، وقد يستمر القصور اللغوي حتى مراحل البلوغ. وعليه يجب تحفيز الأهل والمختصين، وعلى وجه الخصوص أطباء الأطفال، على سرعة تحويل مثل هذا الطفل إلى اختصاصي علاج اضطراب النطق واللغة المعتمد للتأكد من سلامة المهارات الأساسية لديه، وتكون المساعدة المطلوبة في أسرع وقت ممكن لتفادي قائمة طويلة من المضاعفات على الأمد الطويل والقصير، وتأثيراتها على الطفل.• نظرية عدم جدوى التدخل إذا لم يكن في سن مبكر: لا شك أن التدخل المبكر له دور مهم في تطوير مستويات الأداء، خصوصاً في حالات الاضطرابات النمائية مثل «متلازمة داون» واضطراب «طيف التوحد»، ومن الممكن الادعاء بأن التدخل المبكر فعال بشكل كبير مع جميع الحالات التي تؤثر في نمو مهارات اللغة، ولكن مفهوم «الشفاء» لا يعتبر الهدف لمثل هذه الحالات، وذلك لعدم واقعيته. ولكن تعظيم مستوى الأداء اللغوي خصوصاً، والتواصل عامة يكون هدفاً أكثر واقعية، إلا أن الوضع يختلف عندما يكون التأخر اللغوي غير مرتبط بحالة مرضية بعينها، حيث يكون التدخل العلاجي فعالاً، ويصل لحد الشفاء الكامل، أما التأخر في التدخل العلاجي فسوف يصعب الأمر، ولكنه يظل فعالاً ومؤثراً، ويحسن من مستوى الأداء اللغوي والأكاديمي حتى لو وصل لسن المراهقة. وعليه يجب التراجع أو الإحساس بعدم جدوى التدخل، بل يجب التدخل العلاجي في أي سن لتحسين مستوى الأداء، والتقليل من تأثير ضعف وقصور الأداء اللغوي على باقي المجالات.- التفاعل مع الطفل• نظرية التأثير السلبي للأسرة: يترسخ لدى البعض الربط بين اضطرابات اللغة وقصور التفاعل الاجتماعي بين الطفل ومَن حوله، وهو ما يتمثل في عدم التفاعل أو التحادث مع الطفل. لكن الأبحاث العلمية اعتبرت أن هذا المفهوم خاطئ، حيث إنه لا يمكن اعتبار الأهل مسببين لتأخر النمو اللغوي عند الطفل، حيث أثبتت البحوث أنه في أغلب الحالات التي تظهر فيها أعراض تأخر النمو اللغوي غير المرتبط بحالات اضطرابات نمائية أخرى تكون بسبب عوامل جينية تؤثر على نمو الدماغ في المراحل الأولى. ومن المهم أن نذكر أنه لا توجد لدينا حتى الآن معلومة عن جين معين يمكننا استخدامه لعمل فحص بيولوجي - إكلينيكي لاختبار تأخر نمو اللغة، ولكن قد يصل العلماء لمثل هذه النتائج في المستقبل القريب.ومن الجدير بالذكر أن التفاعل مع الطفل الذي يعاني من تأخر نمو اللغة يعتبر تحدياً للوالدين، حيث إن التفاعل يتطلب مشاركة الطرفين، لكن إذا كان أحد الطرفين صامتاً، أو مشاركته محدودة، والمقصود هنا الطفل، فمن الصعوبة الاستمرار في التفاعل، وهنا يأتي دور اختصاصي علاج أمراض النطق واللغة الذي يساعد الوالدين عن طريق تدريبهما على زيادة فاعلية تفاعلهما مع الطفل لمساعدته على تنمية مهاراته اللغوية.• نظرية أن اللغتين مشكلة أكبر: لم يعد تعرض الطفل لأكثر من لغة منذ بداية مراحل التطور اللغوي وضعاً استثنائياً، أو قليل الحدوث، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، وهو ما يدفع الكثير من الأهل لسؤال الطبيب عند زيارته الاستشارية الأولى، هل يجب أن نستخدم لغة واحدة مع طفلنا المتأخر لغوياً؟ بل ويذكر بعضهم أنهم تلقوا نصائح من بعض أصحاب الاختصاص بضرورة استخدام لغة واحدة مع الطفل.ولكن للأسف فإن مثل هذه النصائح تكون غير دقيقة، وتفتقد لأي أساس علمي، حيث إن البحث العلمي في مجال اكتساب اللغة أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التعرض لنظامين لغويين كالعربية والإنجليزية مثلاً لا يؤدي لوجود تأخر نمو مهارات اللغة، أو اضطراب في مهارات اللغة، بل أثبتت هذه البحوث أن الأهل يجب أن يستخدموا اللغة التي يشعرون بالراحة لاستخدامها، وأن تقديم نظامين لغويين بشرط تطبيق الخطوات الصحيحة المتمثلة في ربط اللغة بالأشخاص والأماكن يدعم نمو اللغتين بشكل إيجابي، بل ويساعد الطفل، حيث إن تعرض الطفل لنظاميين لغويين له العديد من الجوانب الإيجابية على مستوى الاستخدام والمفردات والتراكيب لكلتا اللغتين.أخيراً يؤكد الدكتور وائل الدكروري على أن تأخر نمو اللغة عند الأطفال له أساسيات ثلاثة، وهي: - تأخر نمو اللغة مشكلة تظهر في التحدث والاستماع. - تأخر نمو اللغة مشكلة غير ظاهرة ولكنها منتشرة. - الدعم من قبل اختصاصي علاج أمراض النطق واللغة المعتمد يساعد على تطوير مهارات الطفل، ويقلل أيضاً من التأثير المتوقع على نمو حياة مثل هؤلاء الأطفال وأسرهم في الوقت الحاضر ومستقبلاً.

مشاركة :