إيمان عطية| في يوم ربيعي مشرق في أمستردام، دخل عشاق السيارات مستودعا مظلما ليتناولوا أسياخ لحم الخروف واحتساء كوكتيل تقدمة من شركة لينك «Lynk & Co»، التي كانت تتباهى بسيارات الدفع الرباعي الجديدة الهجينة. ما بدا وكأنه مجرد اطلاق سيارة جديدة هو في الواقع أكثر من ذلك: فالاحتفال كان لصناعة السيارات الصينية ذات الطموح العالمي. لأول مرة، سيتم تصنيع سيارة تحمل علامة تجارية صينية في أوروبا الغربية لتباع فيها، والهدف النهائي هو أن تصل إلى صالات العرض في الولايات المتحدة. هذه هي الخطة الرئيسية للملياردير لي شوفو، الذي انطلق من تأسيس شركة جيلي غروب لصناعة الثلاجات في الثمانينات إلى امتلاك سيارات فولفو وشركة السيارات الرياضية البريطانية لوتس وشركة لندن لسيارات التاكسي السوداء وأكبر حصة في «دايملر ايه جي»، الشركة التي اخترعت السيارة. ويقود لي طموحات الصين في ترسيخ نفسها بين الدول الثلاث الكبرى في صناعة السيارات العالمية، الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، لتصبح الدول الأربع الكبرى. وقال لي في تصريح لوكالة بلومبرغ نيوز: «أريد للعالم أجمع أن يستمع إلى النغمات التي تولدها جيلي وغيرها من السيارات المصنوعة في الصين.. حلم جيلي هو أن تصبح شركة عالمية وللقيام بذلك يجب علينا الخروج من البلاد». وهو ليس وحيدا في هذا الأمر: فهناك ما لا يقل عن أربع شركات تصنيع سيارات صينية وثلاث شركات مبتدئة مملوكة لشركات صينية، وهي «إس اف موتورز» و«ان. آي. أو» و«بايتون»، تخطط لبيع السيارات في الولايات المتحدة بدءا من العام المقبل. وفي الوقت نفسه، تقوم شركة «بي. واي. دي» المدعومة من وارين بوفيت ببناء حافلات كهربائية في كاليفورنيا، في حين دخلت شركة «بايدو» مع شركة مايكروسوفت و«توم. توم ان في» و«نفيديا كورب» لتأسيس منصة للقيادة الذاتية وتقوم شركة «تو سيمبل» التي تتخذ من بكين مقرا لها باختبار الحفارات الكبيرة ذات القيادة الذاتية في ولاية أريزونا. ومن المتوقع أن تشهد هذه الصناعة المزيد من الاضطرابات، حيث تعمل الصين على تفكيك سياسة معتمدة منذ عقدين من الزمن تحد من الملكية الأجنبية لمشروعات صناعة السيارات عند %50. وقد يؤدي هذا التغيير إلى تحفيز شركات مثل «فولكس فاغن ايه جي وفورد موتور» للسعي وراء حصة أكبر في أكبر سوق للسيارات في العالم، ويسمح لشركة تيسلا بتأسيس وحدة مملوكة لها بالكامل، وقد تتحسن رؤية شركات صناعة السيارات حيال مستقبلها، وقد تشعر الشركات الصينية التي تخشى فقدان المبيعات في الداخل بحافز أكبر للسفر إلى الخارج. وقالت آنا ماري بايسدن رئيسة أبحاث السيارات في لندن لدى مؤسسة بي ام آي ريسيرش، عن صانعي السيارات الصينيين: «انهم في وضع أفضل الآن مما كانوا عليه في أي وقت مضى، وكان لديهم الكثير من الوقت في العمل مع الشركات العالمية وأصبحوا أكثر نضجا». لقد رأينا هذا من قبل الصين في صناعة الهواتف الذكية، اذ استخدمت التحول في التكنولوجيا من الهواتف المحمولة الأساسية إلى أجهزة الكمبيوتر بحجم اليد للسيطرة على الصناعة التحويلية، لتسحق بذلك الشركات التي كانت تهيمن على هذا القطاع في فنلندا والسويد والولايات المتحدة واليابان وألمانيا. في العام الماضي، كانت ثلاث من أفضل خمس شركات لصناعة أجهزة هواتف ذكية في العالم من الصين، وفقا لشركة غارتنر. ومع ذلك، قد تستغرق العملية وقتا أطول لتحقيق نجاح ضارب، بالنظر إلى ولاء المستهلكين للعلامة التجارية الذي كان قائما منذ أن أطلق هنري فورد موديل «تي» في عام 1908. والسؤال: كيف سيقنع صانعو السيارات الصينيون سكان الغرب الأوسط الأميركي بالتخلي عن شاحناتهم من طراز فورد F-150 أو سكان طوكيو للتحول عن استخدام تويوتا؟ يقول دوج بيتس نائب رئيس قسم السيارات في شركة جي دي بيور «شركات صناعة السيارات الصينية تعتزم المجيء، ولكن ما الحاجة التي ستملأها؟ ما الذي سيدفع الناس لشراء سياراتهم؟» ويقول بوب لوتز نائب الرئيس المتقاعد لشركة جنرال موتورز ان السيارات الصينية ربما تتنافس بشكل مباشر مع الموديلات اليابانية والكورية، فالمستهلكون الأميركيون في الغالب يسعون وراء أرخص الصفقات في العلامات التجارية الآسيوية. ويضيف لوتز «اذا بدأوا في الدخول، فلن يكونوا أكثر كفاءة من السيارات الكورية واليابانية، ومن المحتمل أن يحصلوا على حصة من علامات تجارية آسيوية أخرى لأن السيارات ستكون ذات طابع آسيوي أكثر، ولكنهم لن يحصلوا على حصة كبيرة من السوق». ثم هناك الرئيس دونالد ترامب، اذ يزداد التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين حيث تتحرك كلتا الدولتين لفرض التعريفات الجمركية على منتجات بعضهما، وكانت هذه الخطوة متطابقة مع نطاق التعريفات الجمركية الأميركية المقترحة، حيث يهدد ترامب بالتصعيد. هذا لا يعني أن الطريق غير سالكة، فقبل عدة عقود، أخفقت شركة هيونداي موتور الكورية الجنوبية في السوق بسبب محركات سياراتها الضعيفة وهيكل خارجي قابل للصدأ، أما اليوم فتعتبر واحدة من أكبر خمس شركات تصنيع في العالم، وباعت نحو 1.25 مليون سيارة في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، وفقا لتقارير بلومبيرغ انتليجنس. ولدى المجموعة أيضا مصانع في ألاباما وجورجيا. ويقول ماتياس مولر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة فولكس فاغن، أكبر شركة لتصنيع السيارات في أوروبا: «يجب أخذ المنافسين القادمين من الصين مأخذ الجد.. قمت بزيارة الصين لأول مرة في عام 1989، والتطور الذي حدث هناك منذ ذلك الحين مثير للاعجاب فعلا». لا يقتصر التأثير العالمي الزاحف للصناعة الصينية على ايصال سياراتها إلى طرقات الولايات المتحدة وأوروبا. فعلى نفس القدر من الأهمية، بات الصينيون جزءا من مكونات العلامات التجارية الأجنبية عن طريق شراء موردي قطع الغيار وصناعة البطاريات لأسطول المركبات الكهربائية في العالم، وتأمين الامدادات من المعادن التي تعطي تلك البطاريات الحياة. 100 مشروع للقيادة الذاتية بما أن البرمجيات والالكترونيات أصبحت ذات أهمية حاسمة بالنسبة للسيارة كالمحرك تماما، تريد الصين أن تضمن عدم التخلف في هذا السوق أيضا، اذ أعلنت شركة بايدو، مالكة أكبر محرك بحث في البلاد، عن صندوق أبولو بقيمة 1.5 مليار دولار للاستثمار في 100 مشروع للقيادة الذاتية خلال السنوات الثلاث المقبلة. وترى الحكومة الصينية في المركبات الكهربائية أفضل فرصة للاستحواذ على الريادة العالمية في تكنولوجيا توليد الطاقة الجديدة. كما أن تنظيف الهواء الملوث المشبع بالدخان وتقليل الاعتماد على النفط الأجنبي مزايا اضافية. صفقات بـ31 مليار دولار كانت شركات صناعة السيارات مثل جيلي وشيري أوتوموبيل وبي واي دي بدأت الحديث قبل عشر سنوات عن قدرتها على احداث صدع في سوق السيارات في الولايات المتحدة بمجموعة من السيارات منخفضة التكلفة، وهذه الجهود تعثرت، لذلك قامت الصناعة ببناء وجود عالمي من خلال عمليات الاستحواذ. وأعلنت الشركات الصينية عن صفقات في الخارج بقيمة 31 مليار دولار على الأقل خلال السنوات الخمس الماضية، حيث اشترت حصصا في شركات صناعة السيارات ومنتجي قطع الغيار، وفقا لبيانات جمعتها بلومبيرغ. المشتري الأكثر انفاقا هو لي، الذي أنفق ما يقرب من 13 مليار دولار على شراء حصة في شركة دايملر وشركة صناعات الشاحنات فولفو. ودفعت تينسنت هولدينغز ليمتد، أكبر شركة انترنت في آسيا، نحو 1.8 مليار دولار مقابل %5 من تيسلا.
مشاركة :