حكومة أبوية في العراق بعد خراب الموصل

  • 5/26/2018
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

عمليات استخراج الجثث من تحت أنقاض مدينة الموصل القديمة، بقرار استذكره رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد مدة طويلة من انتهاء العمليات العسكرية، استذكار يثير الأسئلة التي تتجمع كالذباب على العملية السياسية ومهازل الانتخابات ودور قادة الأحزاب والكتل خلال 15 سنة من الاحتلال تم فيها تحويل العراق إلى بركة آسنة تزكم الأنوف بنتانة أفعال وتعاسة أمراض السلطة وخبث عقلها. مازالت العوائل الموصلية المنكوبة تتدبر حالها بصعوبة وكفاح مستميت لاستخراج الجثث من بين الركام الهائل في مدينة قرر العالم أن يحررها من إرهاب تنظيم الدولة في وقت محدد، لإنقاذ ماء وجه المجتمع الدولي. كانت المحصلة شارة النصر إلى أحد زعماء حزب الدعوة وإعادة بعض كرامة الجندية المسفوحة للقوات النظامية في هزيمتها المدوية رغم امتلاكها أرقى الأسلحة وعدة فرق مدربة أمام أعداد قليلة العدد والتسليح في يونيو 2014؛ كما منحت الميليشيات الطائفية قدرة فتح الباب واسعا للمشروع الإيراني لدخول البرلمان المقبل. من يشهد حجم التدمير والمأساة الإنسانية في الموصل يدرك مغزى استخدام كل صنوف الأسلحة بإطلاق نار غير مقيد، رغم معرفة القوات المهاجمة لطبيعة ميدان المعركة وازدحامه بالمدنيين، وإصرارها على عدم ابتكار وتخطيط وتطبيق الوسائل الخاصة التي كان من الممكن توفرها بدعم كبار القادة العسكريين في قوات التحالف، وهي جزء مهم وحيوي في غرفة عمليات الحركات والقطعات الساندة. أسباب التدمير الشامل للمدينة يفضحها الإهمال واللامبالاة بعد إنجاز المهمة. ما يزيد الضغط على الجروح أن النصر كان له مقابل انتخابي والفتح الميليشياوي له مقابل انتخابي أيضا، والقوى الكبرى عززت في إعلامها الثناء على ما بذلته قواتها من دعم للقضاء على الإرهاب دون أن تقدم قتيلا واحدا في المعارك، مقابل آلاف القتلى في صفوف المقاتلين العراقيين والمدنيين في معركة تداخلت فيها النيات الدولية والإقليمية والمحلية لصناعة أبطال فوق أكوام من الجماجم استثمرت في مزاد الاستئثار بالسلطة لتشكيل تحالف الكتلة الأكبر للانطلاق بالبرلمان والحكومة نحو سنوات عجاف أخرى من حياة العراقيين. النظام الإيراني عبر عن علاقته الطيبة برئيس تحالف “سائرون” وعدم ممانعته انتخاب أي رئيس وزراء للحكومة القادمة. لن تفسر هذه التصريحات إلا على ضوء أسلوب النظام وسلوكه طيلة 40 سنة من باطنيته في تصفية حساباته واستباقه لإعداد مسارح جرائمه وإفراغها من الأدلة بخلق مساحات من الفوضى والإرباك وتشظي الاتهامات أشد الطائفيين طائفية من السياسيين المجربين على مدى سنوات الاحتلال وهم كثر، لا يقفون ولو لحظة ليتأملوا ما ارتكبوه من جرائم؛ إذ أنهم يصفون العمل السياسي في العراق بالمعيب وأن التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لا يقبله عقل سليم أو منطق أو ضمير، في ممارسة ميليشياوية لقمع أي استغراب أو علامة تعجب محتملة ضد تقلبات مشروعهم ومصالحهم. زعماء الأحزاب لم ولن يتغيروا بالانتخابات، التغيير حصل في ركاب الدرجة الثانية والثالثة وإضافات في مفردات المشاريع إن كانت عربية أو وطنية، وهؤلاء الزعماء ليست لديهم الشجاعة ليكونوا قادة دولة بكل معنى الكلمة ولا القدرة على امتلاك أخلاق الفرسان ليعيدوا النظر بأشرطة ما أنزلوه من كارثة بالعراق، فالسلطة لهم حماية تبقيهم خارج المحاسبة بحكم الحصانة والتأثير والمنصب وحجم الأتباع، وهي تكليف بأداء المهمات المرسومة لهم. أكيد عند بعضهم لم تكتمل المهمة. يشمل ذلك كل عملاء الاحتلالين الأميركي والإيراني من سياسيي الخارج والداخل المشاركين بالعملية اللعينة، فمنهم من كان مراقبا أو شاهد زور أو راقصا على الحبال، إن كان من الأحزاب الطائفية أو العلمانية، فالكل يدرك الآن أن التحشيد الطائفي والتهميش المتعمد أديا إلى حرب أهلية زُج فيها بالإرهاب كعنصر بديل للمواجهات المباشرة التي استنزفت الإخاء المجتمعي في حفلات الإعدام والقتل على الهوية والمناطقية والتهجير القسري، الذي كان من نتائجه أزياء طائفية موحدة يسهل معها عند الحاجة الاقتتال الجماعي. الفرقاء على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم السياسية شاركوا، بقدر أو بآخر، بأهوال سنوات الاحتلال، وسياسة البكاء على الأطلال لن تبرئهم من جرائم تسويق الطائفية والفساد المالي وانهيار العملية الانتخابية بسقوط مفوضية الانتخابات في أداء مهمتها التي تعتبر سامية في الأعراف الديمقراطية. النحيب على فقدان الأصوات الانتخابية عند بعضهم يختلط مع أصوات المكلومة قلوبهم على أحبتهم من ضحايا الموصل الذين تتوسط قبورهم باحات البيوت الزاخرة بالمعنى والتاريخ وسجايا الناس المثقلة بالألم والوجع والصبر على هذا الانسحاق تحت الركام أو تحت مخطط النكاية بهم. كيف نعلل أسباب خروج السياسيين من المحاصصة الطائفية إلى المشروع الوطني إلا باكتمال المهمة بطرف منتصر، وطرف خاسر يقبع في المخيمات أو في أماكن إيواء تحت خيمة من رحمة سلطة أو مجموعة أو منظمة. خطايا لا تغتفر للعملاء يصعب معها هضم المعادلة الوطنية التي يطرحها تحالف “سائرون” بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر ورهانه على الاحتجاجات في الفوز بعدد من المقاعد يتجاوز بنسبة قليلة مقاعد المشروع الإيراني الذي تمثله الميليشيات. بالإمكان العودة إلى ما أعلنه زعيم كتلة “سائرون” الفائزة بالانتخابات أثناء التظاهرات لجماهيره وتحذيره لهم بما يشبه الوصية لتوقعه محاولة اغتيال تنال من دوره في تحشيد جزء مهم من العراقيين، في قراءة واقعية تقع على خط التحالفات لتشكيل الكتلة الأكبر والحكومة وربطها بما جاء في تغريدته “اليوم أكملت لكم الصورة وأتممت لكم اللمسات الأخيرة بعد أن أكملت المشورة ورضيت لكم الحكومة”، إلى آخر التغريدة بإيحاءات رغم أنها تحيلنا إلى بداية خطوة أولى نحو مشروع وطني جامع، إلا أنها في طياتها تحمل روح النهايات بما يدفعنا للتساؤل عن المخططات السرية لنظام دولة ولاية الفقيه الإيراني الذي بات في وضع الأزمة الأقرب إلى التشخيص والمعالجة أيضا بما ورد من إشارة خطيرة في حديث وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو عندما اتهم الحرس الثوري الإيراني بتنفيذ اغتيالات سرية على امتداد العالم. النظام الإيراني عبر عن علاقته الطيبة برئيس تحالف “سائرون” وعدم ممانعته انتخاب أي رئيس وزراء للحكومة القادمة. لن تفسر هذه التصريحات إلا على ضوء أسلوب النظام وسلوكه طيلة 40 سنة من باطنيته في تصفية حساباته واستباقه لإعداد مسارح جرائمه وإفراغها من الأدلة بخلق مساحات من الفوضى والإرباك وتشظي الاتهامات. إيران تعتبر العراق عمقا استراتيجيا بأرضه وشعبه وبسياسة ملمس الحرير التي تنسجم مع سياسة البكاء على الأطلال؛ لكن حكومة أبوية كالتي يدعو إليها زعيم التحالف الفائز تتطلب أولا إلغاء آثار الاحتلال ليكون بيت العراق آمنا لكل أبنائه، فما أكثر أبناء العراق خارج أبوة الوطن.

مشاركة :