منذ نعومة أظفاري، ومن المرحلة الإعدادية، وأنا أقرأ الصحف العربية، وبشكل خاص الصحف والمجلات المصرية والصحف والمجلات الكويتية، التي كانت تصل إلى الرياض في ذلك الوقت، أي على أقل تقدير أقرأ الصحف والمجلات العربية منذ أربعين عاماً. وقد كانت مشكلة الإسكان تتصدر هذه الصحف، وللأسف لم تحل مشكلة الإسكان حتى الآن.ومع تفاقم المشكلة، بدأ تناولها في المسرحيات. فقد تناول هذه المشكلة الفنان حسين عبد الرضا في إحدى مسرحياته، وطرح حلاً بسيطاً، وقال: «لو كان الأمر بيدي لحللت المشكلة في أقل من سنة». ويستطرد الفنان حسين عبد الرضا (رحمه الله) بقوله: «الأراضي عندنا كثيرة، ويمكننا التعاقد مع إحدى الشركات الكورية لبناء الفلل والأبراج، وتقسيطها على المواطنين». الحل البسيط الذي طرحة حسين عبد الرضا لم تأخذ به الحكومات العربية، إذ لم تزل هذه المشكلة تطرح في صحافتنا العربية حتى الآن.مشكلة الإسكان ليست مشكلة توفير سكن للمواطنين فقط، بل هي مشكلة اقتصادية وأخلاقية. فإذا لم يتوفر للمواطن سكن، فقد يلجأ إلى الإخلال بالأمن، عبر السرقة أو بيع الممنوعات أو البحث عن المال بشكل غير أخلاقي. وإذا لم يتوفر للمواطن سكن، فهي واحدة من أكبر المشكلات الاقتصادية، حيث إن هذا المواطن لن يتفرغ للإنتاج أو تكوين عائلة، بل سيشقى في البحث عن الإيجار أو عن لقمة العيش.المنزل أو السكن أو المأوى، قل ما شئت أو عرفه بما شئت، هو وطن المواطن، فإذا توفر المأوى، فإن هذا المواطن سيشعر بالأمن، ويستقر ويتفرغ للإنتاج.وزارة الإسكان السعودية ليست نبتة غريبة في عالمنا العربي، بل يمر عليها ما مر على بقية وزارات الإسكان في عالمنا العربي. وفي الحقيقة، فأنا أستمع إلى تصريحات منسوبي وزارة الإسكان عن توفير سكن معين، أو المفاخرة بإنجاز ألفي وحدة سكنية عبر البيع على الخريطة، ولكني لم أرَ مستفيداً واحداً، بينما كنت في السابق أسمع أن فلاناً استلم قرضاً من الحكومة لبناء منزل، وهو ما نفتقر إليه الآن. ورغم مساعدة وزارة الإسكان للمطورين، فإنني أرى أن البيع على الخريطة شأن تجاري، تكون أطرافه المطور والوسيط والمشتري.كما أنني أعتقد أن إجراءات وزارة الإسكان السعودية تفتقد الوضوح، فحتى الآن لا يعرف الشباب كيف يستفيدون من مشاريع الوزارة! وإن كنت آمل أن يتحسن هذا الوضع مستقبلاً.ما يثير اهتمامي أن الحكومات العربية، ومنذ وجود هذه المشكلة قبل ما يزيد على أربعين عاماً، لم تستطع القضاء على المشكلة، فهل الحكومات عاجزة عن إيجاد الحلول لهذه المشكلة أم أن هناك شيئاً آخر لا نعرفه، فإن كانت الحكومات عاجزة عن حل هذه المشكلة الأزلية، فكيف نثق فيها في حلِّ مشكلات التنمية والبطالة والتعليم والصحة.لا أعتقد أن الحكومات عاجزة عن إيجاد الحلول، أياً كانت، ولكني أعتقد أن المنفذين يفتقرون الجديّة في وضع الحلول للقضاء على المشكلة.
مشاركة :